مسيرة الجمعة .. جرس انذار للاصلاح
يوم الجمعة مضى بسلام.. والمسيرة الحاشدة في وسط البلد التي نظمها الإسلاميون مضت بسلام.. نجح الجميع في أختبار صعب وربح الأردن.. ربما تختصر هذه الكلمات ما جرى يوم الجمعة .
الإخوان نجحوا في إثبات قوتهم في الشارع بحشد الآلاف في الشارع ومع اختلاف التقديرات فان المتوسط يشير ربما إلى وجود أكثر من 35 الف مشارك.. ونجحت الحراكات الشعبية المختلفة بالحضور بشكل فاعل ومؤثر في المسيرة .. ونجح الأمن في التعامل الحضاري مع المسيرة.
لم يخسر سوى الناعقون الذين حاولوا إثارة أزمة وحرضوا على مواجهة بين الدولة ومكونات سياسية وشعبية في البلاد على خلفية المسيرة.
المسيرة مضت بسلام ولم تحدث أي إرباكات أو اشتباكات.. واثبت الأردنيون قدرتهم على العمل الجماهيري والشعبي في الشارع بسلمية يحسدهم عليها معظم شعوب الدول العربية.. سبب النجاح باختصار هو تغليب منطق العقل –في اللحظات الاخيرة- على منطق الديماغوجيا الذي ينظر الى أي تحرك في الشارع على انه فتنة أو تحدي للدولة.
عبورنا يوم الجمعة يجعلنا نتساءل عن سر حالة الاستنفار التي وضعونا فيها طوال الأسبوع الماضي.. والأجواء المشحونة التي جعلتنا نشعر اننا مقدمون على حرب.. مع ان الامور كانت ابسط مما نتوقع..
نجاح المسيرة وعبورنا ليوم الجمعة بسلام يقودنا لمجموعة من الاستنتاجات تمثل جرس إنذار لمسار الاصلاح في الاردن:
أولا: البلطجة ظاهرة مصطنعة من جهات محددة في الدولة ويمكن السيطرة عليها بل ويمكن إنهائها بقرار .. فرغم الآلاف في المسيرة لم نرى بلطجي واحد ولم تحدث أي اشتباكات ..
ثانيا: الحركة الإسلامية –بغض النظر عن الاختلاف مع نهجها السياسي- فإنها حركة راشدة ومنظمة لديها قدرة عالية على التحشيد والتنظيم الفعال لأي فعالية شعبية وجماهيرية.. ولديهم كوادر تلتزم بقواعد العمل التي تقرها القيادة.
ثالثا: الناشطون في الحراكات –بمن فيهم الاسلاميون- هم افراد مسالمون ويمتلكون حس عالي بالمسؤولية ويعون أهمية الانضباط في المسيرات وليس من بينهم مندسون مهوسون بالتخريب أو الزعرنة.. فرغم وجود الآلاف في وسط البلد لم تشهد المسيرة كسر أي زجاجة أو اعتداء على أي محل في المدينة.. بل شهدنا كيف كان للمنظمون خطة لتنظيف الشوارع بعد المسيرة.
رابعا: للأمن قدرة على ضبط النفس واحتواء الجمهور والتعامل معه بحضارية إذا كان هناك قرار بذلك.. وان الاحتكاكات بين الأمن والجمهور في اغلب الأحيان مفتعلة أو مقصودة.. فلم تشهد المسيرة رغم العدد الكبير للأمن والجماهير أي احتكاك حتى لو بسيط.
خامسا: السقوف التي تطرحها المعارضة بكل تلاوينها ارتفعت بقوة في الأشهر الماضية وضربت خطوطا حمراء غير معهودة في السابق .. لكنها ما تزال تؤكد على قناعتها بالنظام السياسي ولكن مع ضرورة إصلاحه.. تتفق القوى المختلفة على قضايا أساسية في الإصلاح .. وتختلف فيما بينها حول مستوى الإصلاح وتفاصيله.. لكن التصاعد في سقف المطالب يتطور يوما بعد يوم.
مسيرة الجمعة أيضا تؤكد سقوط الفرضية التي وصلت لدوائر القرار بان الحراك الشعبي انتهى أو في طريقه للانتهاء وان المشكلة في انعكاسات الحراكات المحدودة في الإعلام، وهي الفرضية التي بني عليها تشكيل حكومة الطراونة وكل توجهاتها قراراتها والقوانين التي استماتت في إقرارها وآخرها قانون المطبوعات والنشر العرفي.
المسيرة تؤكد ان هذه الفرضية وهمية وان قطاعات واسعة من المجتمع ما تزال تعتقد ان مسار الإصلاح به خلل كبير وعلى الدولة إصلاح الخلل قبل فوات الأوان.
ويبدو ان الدولة الآن تعود إلى لعبة الأرقام بالمقارنة بين رقم حشود المسيرة ورقم المسجلين للانتخابات.. وهي طريقة مضحكة وتثير الأسى في نفس الوقت على العقلية التي تحكم صناعة القرار.. وكأن كل من مارس حقه في ان يكون جزء من السجل الانتخابي الأردني يعني انه مؤيد لقانون الانتخابات ومسار الإصلاح الحالي، بينما المعارضين هم فقط من خرج في المسيرة.. هذه مغامرة جديدة وخطرة في حال أصرت الحكومة عليها لأنها قد تنعكس سلبا على الدولة..
الإصرار على وضع تصنيف عامودي بين معنا وضدنا قد يدفع قطاعات كبيرة ممن لديها تحفظات على المسار الإصلاحي للانضمام للمقاطعة حتى لا يحسب بأنهم مؤيدون لكل المسار والقانون.. فالكثير من المسجلين يعتقدون ان ما تحقق ايجابي حتى وان كان اقل كثيرا من الطموح.. لكنهم يتفقون على ان المسار يحتاج لمزيد من الإصلاح .. وقد يدفعهم التصنيف العامودي بهذا الشكل إلى اتخاذ قرار راديكالي باتجاه إعلان المقاطعة.
الأمر البارز في أجواء مسيرة الجمعة كان موقف الإعلام الذي كعادته لم يمارس دوره الحقيقي كإعلام مستقل ومهني وموضوعي الا من رحم ربي خاصة الإعلام التقليدي أي الصحف والإذاعات والتلفزيون.. ومن المفارقات ان الإعلام الالكتروني المتهم بالإثارة كان أداء معظمه اكثر موضوعية واتزان من باقي وسائل الإعلام التقليدية الأخرى..
معظم الصحف –باستثناء صحيفة الغد- انحازت للحكومة وهاجمت الإخوان، موقف التلفزيون الرسمي لا يحتاج الى تعليق وتوضيح.. وموقف بعض المحطات الفضائية المحلية كان مرتبكا ويبدو ان الضغوط كان لها اثر واضح.. اما الإذاعات فكانت الكارثة.. فباستثناء بضعة إذاعات، كانت معظم الإذاعات تمارس حلقات من الردح والشتم والتحريض ضد المسيرة وكل المعارضين.. حتى ان الزميل محمد الوكيل شتم المتظاهرين وطالب بإطلاق الرصاص عليهم.. كما كانت إذاعة القوات المسلحة تمارس أيضا تحريضا مماثلا..
ما فعله هؤلاء الزملاء وبعض الكتاب والصحفيين في الصحف اليومية كان معيبا بحق الإعلاميين جميعا.. فحملات التحريض والشتم والردح طالت الجميع .. وهي تنعكس سلبا على موقف المجتمع من وسائل الإعلام..
الملفت للنظر ان الدولة لا تتردد في اعتقال شباب في بداية العشرينات وبعضهم طلاب وتوجه لهم كبيرة تشمل قلب نظام الحكم بسبب شتيمة هنا أو شعار هناك بينما تتغاضى عن شتم عشرات الآلاف من الأردنيين وعن تحريض مباشر بالقتل يمارسه بعض الاذاعيين.