السياسة الخارجية الأردنية.. نحو مقاربة جديدة
أ. د. عدنان هياجنة
جو 24 :
كشفت مقابلة جلالة الملك الأخيرة النقاب عن "أخطاء" نالت من "الافتراضات الجوهرية" للسياسة الخارجية الأردنية، وتحديداً حيال القرارات الأردنية في "ملف اللاجئين السوريين"، كما أنها – أي المقابلة -أوجدت فرصة تاريخية هامة لإعادة التفكير بالاستراتيجية الأردنية "الجديدة"، للتعامل مع هذه القضية وقضايا إقليمية أخرى.
تقوم الافتراضات الواقعية للعلاقات الدولية على أسس ومبادئ عدة، أولها: "مبدأ المساعدة الذاتية"، الذي يقضي بوجوب أن تساعد الدولة نفسها بنفسها؛ وثانيها: حقيقة أن العالم ليس إلا "غابة"، لا قانون يحكمها إلا قانون القوي والقوة، خاصة في ظل الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي؛ وثالثها: "الأمن القومي للدولة" بوصفه المحرك الأساسي لسلوكها في العلاقات الدولية؛ وفيما عدا ذلك تكون السياسة الخارجية مبنية على افتراضات خاطئة، أو على الأقل غير واقعية، فعلاقات الدول لا تقوم على أسس أخلاقية أو معالجة إنسانية، وهو ما يمكن تلمسه عميقاً في سياسة الدول الفاعلة في الأزمة السورية وغيرها من قضايا العالم.
في الملف السوري، استندت السياسة الخارجية الأردنية إلى افتراضات جانبت الصواب والحقيقة في كثير من المفاصل، إذ استندت – أولاً - إلى افتراض أخلاقي ومثالي إلى حد بعيد، دون الالتفات أن هذا الافتراض لم يشكل طوق نجاة أو نجاح حيال تجربة القضية الفلسطينية، وهي التجربة الأسبق على تجربة ومعاناة الشعب السوري؛ فصور القتل والدمار لم تحرك دول العالم الكبرى لإنقاذ أي من الشعبين الفلسطيني والسوري، وهذه حقيقة من حقائق العلاقات الدولية، التي لا نستطيع تغييرها حتى إن لم نوافق عليها من منظور أخلاقي.
الخطأ الآخر، "غياب الأساس العقلاني" عن السياسة الخارجية الأردنية، وهو الأساس الذي يقضي باتخاذ القرار بناء على حسابات المنفعة والتكلفة، التي تضمن "منفعة أكبر" و"تكلفة أقل"، تسندها "حسابات كمية" مبنية على "مصادر معلومات موثوقة"، وضمن "بدائل متعددة"، ومما يُضرب هنا من أمثلة غياب حقيقة أن معدل بقاء اللاجئ في دولة اللجوء هو 17 عاماً، وتأثيرات عامل "مدة اللجوء" على مختلف مناحي الحياة، وهو ما غاب تماماً عن المخططين وراسمي السياسة الخارجية والداخلية الأردنية.
الجميع يدرك أثر اللجوء على البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتحتية في دولة كالأردن، لكن دون أن يتخذ قرار السياسة الخارجية وفق هذا المُعطى، وهو ما ظهر جلياً في المقابلة والتصريحات الملكية، التي كشفت أن الأردن يعيش على 75% من الموازنة، ما يفسر – تالياً - زيادة المديونية وتنامي التحديات الاقتصادية، وهي التحديات التي كان ممكناً تجنبها ببديل كـ "المناطق الآمنة" داخل الأراضي السورية، وغيره من البدائل الممكنة، بيد أن هذه غابت عند اتخاذ القرار، ودون أي التفاتة إلى تجارب تخلي المجتمع الدولي عن دوره في قضايا إنسانية متعددة.
ثمة استفهامات، بماذا فكر صنّاع القرار حيال عودة اللاجئ إلى أرضه ووطنه؟، وهل خطر له أنه أمر مُحال أو بحاجة إلى 17 عاماً في المتوسط؟، وهل درس هؤلاء التجارب الأردنية المرتبطة باللجوء، وتحديداً تجربتي اللجوء الفلسطيني والعراقي، وتأثيراتهما الهيكلية في بنية الدولة الأردنية؟
لا شك أن الأردن حقق منافع اقتصادية ودبلوماسية باستضافته هذا العدد الكبير من اللاجئين، من بينها "تشغيل عدد كبير من الأردنيين"، و"حصول أصحاب نفوذ على عطاءات كبرى" و"منافع اقتصادية ذاتية" (ليست وطنية)، والحصول على مساعدات اقتصادية وعسكرية، لكن يبدو أن التكلفة ظلت أعلى من كل هذه العوائد بعد حسابات السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما حرّك الأردن دبلوماسياً لإيصاله رسالته إلى العالم، والقول بصوت مرتفع: الأردن يواجه أزمة كبرى ستؤثر على الداخل الأردني وعلى دوره وخياراته في النظام الإقليمي.
أغلب الظن، وليس كل ظن إثم، أن الأردن تعامل مع ملف اللجوء السوري استناداً إلى "النموذج الترقيعي"، الذي يتكشف عبر تعامل صنّاع القرار مع كل تطور، من تطورات هذه القضية، على حده، وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة المعالم، ما يتطلب الآن، وقبل فوات الأوان، إعادة النظر وفق "النموذج العقلاني" في مجمل خطوات الأردن المستقبلية، واستناداً إلى "أسوأ" و"أفضل" السيناريوهات المرتبطة بالتطورات الإقليمية، مع أهمية التركيز على "الجبهة الداخلية"، التي نريد تبريدها بعد درجة الغليان التي بلغتها نتيجة تغييبها عبر السنوات الماضية.
ثمة حقائق يجب مواجهتها الآن بعد أن انجلت الصورة الحقيقية للصراع الدائر في سوريا، وفي ضوء التطورات الإقليمية التي تعكس غياب أي حل سياسي قريب للأزمة السورية، فالطروحات الجاري تجريعها على استحياء للمواطن الأردني، خشية رفضه لواقع قد يكون مفروضاً عليه، تستدعي التوقف، فاللجوء السوري أصبح قضية أردنية، وليست قضية دولية، وسيترك أثراً غائراً على "الخارطة الديموغرافية" الأردنية، وعلى "مصالح وتوازنات القوى الداخلية"، وعلى التطور في الملفات الداخلية المرتبطة بالإصلاح السياسي "المقيد"، وغيرها من التحديات المعيشية والتعامل مع مستقبل القضية الفلسطينية، خاصة ملف العودة والتعويض، أما تصوير الأمر بأنه "مُحتمل" إذا توفر "التمويل المالي"، دون حساب أي تكلفة سياسية أو اجتماعية على الدولة، فهذا "مكمن الخطر" و"أصل الشرر".
الدولة الأردنية ليست أقوى دولة في العالم لتقوم بكل ما تقوم به من محاربة الإرهاب، وتدريب القوات العسكرية للدول الصديقة، والمساهمة في قوات حفظ السلام، إلى غير ذلك من المهام، وبمصادر دخل محدودة أرهقت الاقتصاد الأردني وزادت معاناة الشعب وتضغط بشكل مستمر على مقدرات الجيش والأجهزة الأمنية، دون ان ينعكس ذلك على مستوى حياة الناس؛ فالمقارنة التي عقدها الملك بين اقتصاد الأردن والدول الغنية أكبر دليل على ذلك.
صحيح أن النشاط الدبلوماسي الأردني هو جزء من شريان الحياة بالنسبة للدولة، لكن يجب أن يستند إلى حسابات عقلانية؛ فتحذيرات الأردن للدول الفاعلة في العالم للتعبير عن مخاطر تخلي المجتمع الدولي على الدور الحيوي للأردن في حفظ الأمن الإقليمي، في منطقة ملتهبة، خاصة في مجال محاربة الإرهاب، الذي بات قضية عالمية، يُعد "خطوة سياسية مهمة"، لكن يجب أن يرافقها العديد من الخطوات العملية على أرض الواقع حتى يأخذ العالم تهديدات جلالة الملك على محمل الجد، خاصة في ظل مرحلة اقتصادية حرجة لدول العالم كافة وفق ما تشي به الأسواق العالمية.
إذا كانت دول العالم تُقدِّر الدور الأردني في حفظ الأمن الإقليمي وملفات متعددة أخرى، فهذا يعني أنها تتفهم أثر ذلك على أمنها القومي بناء على أسس واقعية، ما يقودها –مصلحياً– إلى مساعدة الأردن على الاستمرار في حماية أمنه القومي، لأنها بذلك تحمي أمنها القومي، وهذا افتراض واقعي ومنطقي يجب أن يعيد كيفية خطاب وسلوك الأردن في السياسة الخارجية، فلا يمكن أن يقبل العالم أن يتدهور الوضع الداخلي في الأردن – لا قدّر الله -، وهذا لا يكون إلا بمساعدات عاجلة ودائمة للاقتصاد الأردني، لأن منفعة مساعدة الأردن أكبر من تكلفة تدهور الوضع الأمني فيه؛ فتجارب الدول العربية الأخرى أكبر برهان على ذلك.
في وقت سابق، نبّه جلالة الملك دول العالم إلى أهمية حل القضية الفلسطينية، لأنها المدخل لحل العديد من القضايا في العالم العربي، لكن ردة فعل العالم لم تكن بالشكل المطلوب، وعليه هناك توقع بعدم استجابة العالم بالصورة التي يطمح إليها الأردن، ما يؤثث لاستفهام أساسي: ما هي خيارات الأردن أمام تهرب دول العالم من المسؤوليات المطلوبة منها؟، الإجابة تعتمد على مزايا الأردن الاستراتيجية، وما إذا كان الأردن يمتلك قدرات لأداء "دور أحادي"؟
نَلِجُ مرحلة حرجة، خاصة بعد وضع شروط على سلوك العالم تجاه حل هذه القضية، التي أجبرنا على التعامل معها، كما عبر عن ذلك جلالة الملك؛ وعلى الرغم مما تقدم قد تكون المعلومات المتوفرة لدى صنّاع القرار أكثر مصداقية للحكم على مدى عقلانية أو عدم عقلانية التعامل مع هذا الملف، خاصة إذا كان هناك تصورات لمستقبل شكل وخارطة الأردن في ضوء التغيرات الإقليمية، لكن "شُح المعلومات" و"سرية ملف السياسة الخارجية الأردنية" تجعلنا عاجزين عن الخوض في السيناريوهات المستقبلة، التي "تحتكرها طبقة" دون غيرها من "الشعب الأردني".
تقوم الافتراضات الواقعية للعلاقات الدولية على أسس ومبادئ عدة، أولها: "مبدأ المساعدة الذاتية"، الذي يقضي بوجوب أن تساعد الدولة نفسها بنفسها؛ وثانيها: حقيقة أن العالم ليس إلا "غابة"، لا قانون يحكمها إلا قانون القوي والقوة، خاصة في ظل الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي؛ وثالثها: "الأمن القومي للدولة" بوصفه المحرك الأساسي لسلوكها في العلاقات الدولية؛ وفيما عدا ذلك تكون السياسة الخارجية مبنية على افتراضات خاطئة، أو على الأقل غير واقعية، فعلاقات الدول لا تقوم على أسس أخلاقية أو معالجة إنسانية، وهو ما يمكن تلمسه عميقاً في سياسة الدول الفاعلة في الأزمة السورية وغيرها من قضايا العالم.
في الملف السوري، استندت السياسة الخارجية الأردنية إلى افتراضات جانبت الصواب والحقيقة في كثير من المفاصل، إذ استندت – أولاً - إلى افتراض أخلاقي ومثالي إلى حد بعيد، دون الالتفات أن هذا الافتراض لم يشكل طوق نجاة أو نجاح حيال تجربة القضية الفلسطينية، وهي التجربة الأسبق على تجربة ومعاناة الشعب السوري؛ فصور القتل والدمار لم تحرك دول العالم الكبرى لإنقاذ أي من الشعبين الفلسطيني والسوري، وهذه حقيقة من حقائق العلاقات الدولية، التي لا نستطيع تغييرها حتى إن لم نوافق عليها من منظور أخلاقي.
الخطأ الآخر، "غياب الأساس العقلاني" عن السياسة الخارجية الأردنية، وهو الأساس الذي يقضي باتخاذ القرار بناء على حسابات المنفعة والتكلفة، التي تضمن "منفعة أكبر" و"تكلفة أقل"، تسندها "حسابات كمية" مبنية على "مصادر معلومات موثوقة"، وضمن "بدائل متعددة"، ومما يُضرب هنا من أمثلة غياب حقيقة أن معدل بقاء اللاجئ في دولة اللجوء هو 17 عاماً، وتأثيرات عامل "مدة اللجوء" على مختلف مناحي الحياة، وهو ما غاب تماماً عن المخططين وراسمي السياسة الخارجية والداخلية الأردنية.
الجميع يدرك أثر اللجوء على البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتحتية في دولة كالأردن، لكن دون أن يتخذ قرار السياسة الخارجية وفق هذا المُعطى، وهو ما ظهر جلياً في المقابلة والتصريحات الملكية، التي كشفت أن الأردن يعيش على 75% من الموازنة، ما يفسر – تالياً - زيادة المديونية وتنامي التحديات الاقتصادية، وهي التحديات التي كان ممكناً تجنبها ببديل كـ "المناطق الآمنة" داخل الأراضي السورية، وغيره من البدائل الممكنة، بيد أن هذه غابت عند اتخاذ القرار، ودون أي التفاتة إلى تجارب تخلي المجتمع الدولي عن دوره في قضايا إنسانية متعددة.
ثمة استفهامات، بماذا فكر صنّاع القرار حيال عودة اللاجئ إلى أرضه ووطنه؟، وهل خطر له أنه أمر مُحال أو بحاجة إلى 17 عاماً في المتوسط؟، وهل درس هؤلاء التجارب الأردنية المرتبطة باللجوء، وتحديداً تجربتي اللجوء الفلسطيني والعراقي، وتأثيراتهما الهيكلية في بنية الدولة الأردنية؟
لا شك أن الأردن حقق منافع اقتصادية ودبلوماسية باستضافته هذا العدد الكبير من اللاجئين، من بينها "تشغيل عدد كبير من الأردنيين"، و"حصول أصحاب نفوذ على عطاءات كبرى" و"منافع اقتصادية ذاتية" (ليست وطنية)، والحصول على مساعدات اقتصادية وعسكرية، لكن يبدو أن التكلفة ظلت أعلى من كل هذه العوائد بعد حسابات السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما حرّك الأردن دبلوماسياً لإيصاله رسالته إلى العالم، والقول بصوت مرتفع: الأردن يواجه أزمة كبرى ستؤثر على الداخل الأردني وعلى دوره وخياراته في النظام الإقليمي.
أغلب الظن، وليس كل ظن إثم، أن الأردن تعامل مع ملف اللجوء السوري استناداً إلى "النموذج الترقيعي"، الذي يتكشف عبر تعامل صنّاع القرار مع كل تطور، من تطورات هذه القضية، على حده، وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة المعالم، ما يتطلب الآن، وقبل فوات الأوان، إعادة النظر وفق "النموذج العقلاني" في مجمل خطوات الأردن المستقبلية، واستناداً إلى "أسوأ" و"أفضل" السيناريوهات المرتبطة بالتطورات الإقليمية، مع أهمية التركيز على "الجبهة الداخلية"، التي نريد تبريدها بعد درجة الغليان التي بلغتها نتيجة تغييبها عبر السنوات الماضية.
ثمة حقائق يجب مواجهتها الآن بعد أن انجلت الصورة الحقيقية للصراع الدائر في سوريا، وفي ضوء التطورات الإقليمية التي تعكس غياب أي حل سياسي قريب للأزمة السورية، فالطروحات الجاري تجريعها على استحياء للمواطن الأردني، خشية رفضه لواقع قد يكون مفروضاً عليه، تستدعي التوقف، فاللجوء السوري أصبح قضية أردنية، وليست قضية دولية، وسيترك أثراً غائراً على "الخارطة الديموغرافية" الأردنية، وعلى "مصالح وتوازنات القوى الداخلية"، وعلى التطور في الملفات الداخلية المرتبطة بالإصلاح السياسي "المقيد"، وغيرها من التحديات المعيشية والتعامل مع مستقبل القضية الفلسطينية، خاصة ملف العودة والتعويض، أما تصوير الأمر بأنه "مُحتمل" إذا توفر "التمويل المالي"، دون حساب أي تكلفة سياسية أو اجتماعية على الدولة، فهذا "مكمن الخطر" و"أصل الشرر".
الدولة الأردنية ليست أقوى دولة في العالم لتقوم بكل ما تقوم به من محاربة الإرهاب، وتدريب القوات العسكرية للدول الصديقة، والمساهمة في قوات حفظ السلام، إلى غير ذلك من المهام، وبمصادر دخل محدودة أرهقت الاقتصاد الأردني وزادت معاناة الشعب وتضغط بشكل مستمر على مقدرات الجيش والأجهزة الأمنية، دون ان ينعكس ذلك على مستوى حياة الناس؛ فالمقارنة التي عقدها الملك بين اقتصاد الأردن والدول الغنية أكبر دليل على ذلك.
صحيح أن النشاط الدبلوماسي الأردني هو جزء من شريان الحياة بالنسبة للدولة، لكن يجب أن يستند إلى حسابات عقلانية؛ فتحذيرات الأردن للدول الفاعلة في العالم للتعبير عن مخاطر تخلي المجتمع الدولي على الدور الحيوي للأردن في حفظ الأمن الإقليمي، في منطقة ملتهبة، خاصة في مجال محاربة الإرهاب، الذي بات قضية عالمية، يُعد "خطوة سياسية مهمة"، لكن يجب أن يرافقها العديد من الخطوات العملية على أرض الواقع حتى يأخذ العالم تهديدات جلالة الملك على محمل الجد، خاصة في ظل مرحلة اقتصادية حرجة لدول العالم كافة وفق ما تشي به الأسواق العالمية.
إذا كانت دول العالم تُقدِّر الدور الأردني في حفظ الأمن الإقليمي وملفات متعددة أخرى، فهذا يعني أنها تتفهم أثر ذلك على أمنها القومي بناء على أسس واقعية، ما يقودها –مصلحياً– إلى مساعدة الأردن على الاستمرار في حماية أمنه القومي، لأنها بذلك تحمي أمنها القومي، وهذا افتراض واقعي ومنطقي يجب أن يعيد كيفية خطاب وسلوك الأردن في السياسة الخارجية، فلا يمكن أن يقبل العالم أن يتدهور الوضع الداخلي في الأردن – لا قدّر الله -، وهذا لا يكون إلا بمساعدات عاجلة ودائمة للاقتصاد الأردني، لأن منفعة مساعدة الأردن أكبر من تكلفة تدهور الوضع الأمني فيه؛ فتجارب الدول العربية الأخرى أكبر برهان على ذلك.
في وقت سابق، نبّه جلالة الملك دول العالم إلى أهمية حل القضية الفلسطينية، لأنها المدخل لحل العديد من القضايا في العالم العربي، لكن ردة فعل العالم لم تكن بالشكل المطلوب، وعليه هناك توقع بعدم استجابة العالم بالصورة التي يطمح إليها الأردن، ما يؤثث لاستفهام أساسي: ما هي خيارات الأردن أمام تهرب دول العالم من المسؤوليات المطلوبة منها؟، الإجابة تعتمد على مزايا الأردن الاستراتيجية، وما إذا كان الأردن يمتلك قدرات لأداء "دور أحادي"؟
نَلِجُ مرحلة حرجة، خاصة بعد وضع شروط على سلوك العالم تجاه حل هذه القضية، التي أجبرنا على التعامل معها، كما عبر عن ذلك جلالة الملك؛ وعلى الرغم مما تقدم قد تكون المعلومات المتوفرة لدى صنّاع القرار أكثر مصداقية للحكم على مدى عقلانية أو عدم عقلانية التعامل مع هذا الملف، خاصة إذا كان هناك تصورات لمستقبل شكل وخارطة الأردن في ضوء التغيرات الإقليمية، لكن "شُح المعلومات" و"سرية ملف السياسة الخارجية الأردنية" تجعلنا عاجزين عن الخوض في السيناريوهات المستقبلة، التي "تحتكرها طبقة" دون غيرها من "الشعب الأردني".