حضرت مؤتمرا للقمة في الدوحة
نعم مثلي حضر هذا المؤتمر الكبير على مدار اربعة ايام متتالية، فترات الاستراحة فيها قصيرة وقليلة، والحضور العربي فيها كامل دون اعتذار من احد.
يستقبل المشاركون بأدب على ابواب الطائرات دون تأخير ويقيمون في ارقى الفنادق، ويعقدون اجتماعاتهم الجادة بحضور كامل واستعداد مسبق، فالكل يعرف دوره والمطلوب منه منذ شهور.
لا تستطيع أن تعرف رئاسة المؤتمر والمنظمين أهم معك او ضدك، او هم مع الآخر أو ضده من خلال شكل الادارة، او حتى الحضور او الموضوع المراد بحثه محايدة من خلال الممارسة.
لم يجلب احد الى المؤتمر جلبا كما الحال في المؤتمرات الكبرى التاريخية في زمن الهزيمة! ولم يكتب البيان الختامي قبل انعقاد المؤتمر بشهور، بغض النظر عما سيصل اليه المؤتمرون.
ليست هناك كاميرات كثيرة تستجلب بروتوكوليا لتغطي عجز المضمون احيانا، وليس هناك حرد من احد؛ لأن فلانا حضر او سيحضر، او الخوف من بحث الموضوع الحساس عن هذا او ذاك مؤتمر شعبي متقدم، لكنه ليس على مستوى القادة انما على مستوى الساسة والمفكرين وبعض الضيوف فقط من امثالي.
لكنه مؤتمر فعلا وعلى مستوى القمة في الاهمية وترتيب الاولويات العربية، يقول بصراحة علمية إن الايام القادمة هي عصر دولة الشعوب التي بحثت عنها منذ مائة عام او اكثر، فخطفها المستبدون المتدثرون بثياب النساك وهربوا بها طويلا.
ندوات على مستوى القمة في دقة ما بحث، حيث يواجه المتحاورون الحقيقة الواقعة او القائمة ان شئت لا محالة، وهذا ليس تقدير المتفائلين او المتأملين بالوصول، انما تأكيدات الذين يرون ان الرياح ليست في اتجاه شراعهم، فكانوا اكثر حضورا ومشاركة، فكان المؤتمر لهم وليس عنهم، كما اكد منظمو المؤتمر وهو عن الاسلاميين وليس لهم كما قال الدكتور بشارة.
نعم كان المغاربة فرسان المؤتمر؛ لأنهم سباقون اليوم في «الربيع العربي»، ويسجل لهم العرب سبقهم وانجازهم، فالرياح هذه السنوات غربية وقد كانت شرقية قبل ألف وأربعمائة عام
كانت المرأة حاضرة بقوة، واقصد المرأة التي تخوّف من الجديد القادم، وكأنها ليست كالرجل، كما كانت تقول في السابق، بل تتخوف على انجازاتها مع ان ما تم زمن الاستبداد لا يعد انجازا لأحد مهما كان، ولا يصح التفاخر به؛ لأنه في عصر ما قبل الدولة.
كانوا يتحدثون عن الصورة القادمة للنظام السياسي العربي الذي لا يشكون مطلقا ان يكون في واجهته الاسلام السياسي كما يقولون، والاسلاميون عندهم «قلم قايم» كما يقولون من فهم ابن لادن للاسلام وحتــى فهم اردوغان.
وهم يتساءلون معذورين بتخوف غريب مدهش هو من مخلفات عصر الالغاء والاستبداد والظلام، مع انهم كانوا فيها احسن حظاً من غيرهم وكانوا يمارسون السلطة احيانا كثيرة.
يتساءلون: ما هو الاسلام الذي سيحكمنا؟ وهل المبادئ المرنة المعلنة ستجد طريقها في التطبيق، أم أن الممارسة ستكون شكلا جديدا من الالغاء والاستبداد والدكتاتورية؟
لكنك تجد ما يطمئنك حتى في حدة بعضهم او بعضهن عند الحوار الجانبي الهادئ، وعندما تؤكد ان بعض الصورة التي يشهدونها في بعض الاقطار ليست هي الصورة الكاملة، ولن تكون صورة الغد، فالأرض اوسع من بعض أجزائها، ويقولون لك وانت تتألم من شدة حساسيتهم: إن كنتم بهذا الفهم الذي تقول فليست لدينا مشكلة مطلقا، وإن اكّدت لهم أن هذا منهج مستقر في النص المقدس، وفي فهم الحركة الاسلامية، قالوا لك: نخشى من سوء التطبيق.
كم احسست بجريمة الذين يصدون عن سبيل الله منـــا، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً،
ويظنون انهم يخدمون دين الله.
* لا بد ان يراجع الاسلاميون انفسهم ومناهجهم ورؤاهم تجاه مورثاتهم التي لا يستحق بعضها التقديس؛ لكونها اجتهادات شخصية في الدين، وليست نصا فيه في ظروف استثنائية خاصة، خاصة بها، ولم تكن في زمن الحرية والعدل والتفكير الحر المتجرد ليقدموا المنهج كما هو دون تفسير مقدس للنص، وليس نصا.
* إن الحرية مقدمة على تحقيق الشريعة.
* وإن الشورى فكرة راقية، لكن الديمقراطية هي الوعاء التنفيذي لها على رأي الشيخ راشد الغنوشي.
* وإن من مقتضيات آية (وأمرهم شورى بينهم) أن الحاكم الذي لا يستشير، يتوجب عزله كما يقول أحد كبار المفسرين القدماء.
* وأن (لا إكراه في الدين) آية محكمة قطعية الدلالة.
* وأن الحرية مقدمة على المصالح السياسية العليا كما عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع أن المشكلة مع ابن اكبر وال له يومذاك عمرو بن العاص.
* وأن الاصل في الناس التعارف والتفاهم، حتى وإن اختلفت مذاهبهم الفكرية والعقدية والسياسية بنص الكتاب: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..).
* وإن دولة المواطنة في المدينة المنورة هي التطبيق النبوي لمعنى الدولة في الاسلام وليس سواها.
* وإن الذين من المتوقع أن يشغلوا الصفوف الاولى في المسؤولية اكتووا بنار الظلم المتطاول، ولديهم حساسية كبيرة من الظلم، حساسيتهم من مخالفة النصوص الثابتة تماما، ولن يكرروها على غيرهم، فالعدل اساس المُلك، ومن جادل في ذلك عارض شروق الشمس كل يوم.
* تجد تخوفا كبيرا من الاسلاميين لا تكاد تصدقه! لكن من حق الناس أن يتخوفوا، ومن واجب الإسلاميين أن يبددوا هذه المخاوف فعلاً لا قولاً، اليوم قبل الغد، فليس كل المتخوفين ادعياء او اعداء.
* لا يكادون يصدقون أنك ترى أن ما نفكر فيه هو كيف نُحكم (بضم النون)، وليس مَن يحكم، نحن او غيرنا او حجم شراكتنا في الحكم، ويغيب عنهم عندما تتحقق الحريات أن من لا يثبت خدمة شعبه واستيعابه، سيلفظ عما قريب أيًا كانت شعاراته ومظهره.
انتهى المؤتمر على امل الانعقاد من جديد؛ لأنه شعبي وضروري وملح جدا، وغادرته وفي المطار الحبيب رأيت مسؤولا أمنيا كبيرا يدخل من الطريق نفسه، فلعله جاء من مؤتمر آخر غير معلن، طبعاً لم يرن او ربما لم يُرد ذلك! لأنه كان محاطاً بمجموعة من المرافقين دخلت من مسرب يقول لي كالعادة: من اين جئت؟ يحملق في وجهي مرة وفي جواز سفري وفي الحاسوب المدجج بالعديد من الملاحظات بشأني مرة اخرى، تجعل الموظف يتحول من ابتسامته التي يستقبلني بها الى حيرة وتجهم، بينما دخل هو من بوابة خاصة لا تسأل ولا تتشكك ولا تعطل، وهكذا فالمواطنون سواسية.
أخيرا تحية للمركز العربي للدراسات الذي استضاف عددا قليلا من الاسلاميين؛ ليستمعوا الى ما يتخوف منه شركاؤهم العلمانيون وغيرهم بشأنهم، في جو عربي مقدر وراق.
تحية لقطر العزيزة واهلها وللدكتور عزمي بشارة الذي لم يلهه الإبعاد عن الارض المباركة عن واجبه العربي، وللحديث بقية. السبيل