المعارضة التقليدية تلجأ إلى سياسة "النوايا الحسنة"
كتب تامر خرمه
غياب المعارضة التقليدية عن تظاهرات الجمعة.. شكل أولى بوادر "النيّة الحسنة" التي ألقت عبرها أحزاب المعارضة السياسية الكرة في ملعب الرئيس الجديد، انتظارا لما سيصدر عنه من قرارات أولية، لاسيما فيما يتعلق بمعتقلي الحراك الشعبي وقانون المطبوعات، حيث فقدت هذه الأحزاب الأمل بقدرة النسور على تجاوز قانون الصوت المجزوء، بعد أن أعلن ذلك صراحة، واحتفظ بطاقم الطراونة في فريقه الوزاري الذي كان قد حجب عنه الثقة ذات يوم.
ورغم عدم رهان هذه القوى على قدرة حكومة النسور بالمضي في خطوات جدية نحو تحقيق الإصلاح، إلا أن بعضها مازال يعوّل على بعض القرارات التجميلية لتحسين فرصها في الوصول إلى البرلمان، حيث يمكن قراءة هذا الموقف عبر المفردات الدبلوماسية التي باتت تهيمن على خطاب بعض أركان المعارضة السياسية.
أما الحركة الاسلامية فقد حافظت، رغم غيابها عن وسط البلد، بتواجدها في تظاهرات الجمعة الأولى لتشكيل حكومة النسور، حيث قامت بنقل أنصارها من ميدنة إربد للمشاركة في تظاهرة العقبة، التي كان للاسلاميين الدور الأساسي في التحضير لها، في الوقت الذي يتواصل فيه انحسار دور الأحزاب اليسارية والقومية لصالح تبلور قطبيّ الصراع على المستوى السياسي.
تبلور الصراع السياسي بين الاسلاميين والسلطة يسير بالتوازي مع تطور قوى المعارضة الاجتماعية والحراكات الشعبية، التي لا تعترف بسقف قانون الانتخاب باعتباره حلا للأزمة الراهنة، حيث لا تعوّل هذه القوى كثيرا على حكومة "الدغري"، بل ترى أن حلَ الأزمة ينطلق من استعادة السلطة للشعب بعد أن استحوذت عليها فئة من المتنفذين، باتت معروفة للقاصي والداني في الشارع الأردني.
وشكلّت قضية معتقلي الرأي العنوان الرئيس لقوى المعارضة الشعبية التي خرجت في مسيرات واعتصامات شملت معظم محافظات المملكة، حيث حملت فعاليات مدينة الكرك ولوائيّ فقوع والمزار الجنوبي، رسائل الفعاليات الاحتجاجية لـ "الجمعة الأولى"، والتي تتضمن تحذيرا واضحا من مغبة الإصرار على مواصلة الاعتقالات السياسية ومحاولة فرض أبجديات المرحلة العرفية على واقع لم يعد يحتمل مثل هذه السياسات.
كما استندت رسالة الحركة الاسلامية لحكومة النسور على محورين، تمثل الأول في ترك وسط البلد ليعبّر عن "النوايا الحسنة"، في الوقت الذي عمد فيه الاسلاميون -بمشاركة الحراك الشعبي- إلى تنظيم اعتصام في مدينة السلط التي تشكل حاضنة الرئيس الشعبية، حيث شكل هذا الاعتصام المحور الثاني لرسالة الاسلاميين الذين باتوا يفضلون "التفاوض" من "موقع القوّة".
وفي الوقت الذي سلط فيه حزب الوحدة الشعبية الضوء على ملف المفاعل النووي عبر الاعتصام الذي نظمه في الرمثا، شكلت قضية معتقلي الرأي العنوان الأبرز لفعاليات الحراكات الشعبية، حيث نظم حراك "حي الطفايلة" مسيرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وتأكيدا على ضرورة تغيير آلية تشكيل الحكومات، في رسالة صريحة مفادها أن الأزمة السياسية لن تنتهي ما دام تعيين الفريق الحكومي يتم عبر الكوتا الوزارية.
وكذلك وجه نشطاء من أمام سجن الجويدة رسالة الى رئيس الوزراء عبدالله النسور طالبوه فيها بأن يكون مع الشعب وأن لا يلتفت للفاسدين وأن يبدأ قراراته بالافراج عن المعتقلين السياسيين .
جاء هذا خلال الاعتصام الذي نظمه "حراك النزهة" أمام سجن الجويدة، حيث وجه الحراك رسالة إلى الأجهزة الأمنية مفادها 'إن الاعتقالات لن ترهب الحراكيين'.
ومع تفاقم الصراع السياسي بين الاسلاميين والسلطة، وتبلور الحراكات الشعبية التي تدرك أن استعادة السلطة للشعب واجتثاث الفساد يمثل جوهر القضية، لا يملك د. عبدالله النسور الذي يقود فريق الطراونة الوزاري سوى أن يحافظ على "شعبيته" ويبادر إلى محاولة احتواء الأزمة عبر الإفراج عن معتقلي الحراك، وإنهاء الصدام مع الإعلام المستقل، خاصة وأنه يدرك أن الشعبية التي يتمتع بها لدى أوساط سياسية واجتماعية واسعة، هي السبب في وصوله إلى رئاسة الحكومة من أجل تحقيق انفراج بسيط يمنع تفاقم الأزمة ودفعها نحو المجهول.