هل تخلت موسكو عن الأسد؟!
ماهر أبو طير
جو 24 : مثلما كان التدخل الروسي في سورية، مثيرا للتساؤلات جاء الانسحاب الجزئي من الساحة السورية، أيضا مثيرا للتساؤلات، فلماذا انسحبت روسيا من سورية، في هذا التوقيت بالذات؟!. اولا، علينا ان نصدق فعلا ان روسيا انسحبت جزئيا من سورية، وبرغم ان موسكو تتحدث عن بقاء قاعدتين جويتين، وانسحاب جزئي لآلاف الجنود، الا اننا يجب ان نتأكد اذا كانت هذه القوات انسحبت فعليا، ام اعادت تموضعها داخل سورية، بحيث لم تعد تشارك بعمليات ميدانية برية، واطلقت تصريحاتها حول سحب الجنود، من باب التضليل لاظهار الدعم للعملية السياسية، ولوقف اطلاق النار. لكن على افتراض ان الانسحاب حقيقي، فهو انسحاب يأتي بعد ان نفذت مهمات قتالية ادت الى قتل الالاف من المدنيين، اضافة الى اعضاء الجماعة المقاتلة، وهي ايضا ساعدت النظام جذريا في تغيير موازين القوى على الارض، بحيث استرد النظام انفاسه في مواقع عديدة. موسكو كانت -اساسا- اعلنت عن سقف زمني لعملياتها، قبل ان تصل الى سورية، وبالتالي فإن الانسحاب لم يحدث بغتة بل كان مقررا مسبقا، وربما هنا، زاد من اهميته معاناة روسيا الاقتصادية جراء اسعار النفط والعقوبات المفروضة على روسيا، فموسكو لا تستطيع هنا، ان تواصل الحرب في سورية الى ما لانهاية. توقيت الانسحاب هو المثير، حقا، قبل الدوافع، وهذا توقيت ترافق مع اطلاق التسوية السياسية في جنيف، اذا تمت الامور كما هو مقرر لها، وقد يعني الانسحاب هنا، بداية صفقة او تسوية سرية تمت بين واشنطن وموسكو، من اجل الوصول الى حل، فانسحاب الروس هنا، لايضعف النظام، بقدر كونه يفتح الباب لتغيرات بمعزل عن حضانة موسكو للنظام، وهي تغيرات سوف تتضح خلال الفترة المقبلة. من ناحية سياسية عميقة، انسحاب الروس يعني شيئا أخطر وأهم من الملف السوري، اذ إن المعركة بين الروس والمعسكر الغربي كبيرة وممتدة، وانسحاب الروس في هذا التوقيت لا يمكن ان يكون معزولا عن حسابات روسية عالمية بمعزل عن سورية، وعلينا ان نسأل هل انسحبت روسيا تخفيفا لحدة المواجهة مع العالم، ام توصلت بفعل وجودها في سورية الى صفقة مع المعسكر الغربي، حول ترسيم النفوذ والثروات في العالم. الكلام الذي لا يعجب البعض يتعلق هنا حصرا بالرئيس السوري بشار الاسد، وعما اذا كان انسحاب الروس المعلن يعني تخليا روسيا عنه، والاجابة غير معروفة، فقد قدمت موسكو له خدمة تقويته ايضا، خلال تدخلها في رحلة الذهاب الى سورية، لكنها في فن السياسة، قد تبيعه خلال رحلة اياب جنودها، فهذه هي السياسة، لا اخلاقيات، ولا قواعد ثابتة، ولامبادئ، سوى المصلحة فقط؟!. علينا ان ننتظر قليلا فقط، لنفهم مغزى الإعلان الروسي بالانسحاب!.
maherabutair@gmail.com
الدستور