الملك والحراك
محمد أبو رمان
جو 24 : في تصريحات الملك لوكالة الأنباء "بترا" أمس، رسالة إيجابية تجاه الحراك، تنطوي على (أولاً) اعتراف بالحراك وبدوره البنّاء والإيجابي، و(ثانياً) اعتباره قوّة دفع باتجاه العملية الإصلاحية، و(ثالثاً) الدعوة إلى تطوير الحراك نحو أطر حزبية، وتبنيّ بدائل وخيارات سياسية واقتصادية، ورفد المشهد السياسي بقوى جديدة تعزّز مسار الإصلاح وأهميته وضرورته.
مع عدم القدرة على إنكار أنّ الحراك ليس كلّه "صافياً"، وأنّ هناك –بالضرورة- من لديه أجندات أخرى، إما شخصية أو أخرى لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية الوطنية، إلاّ أنّ جوهر الحراك وعموده الفقري من الشباب الجديد، سواء كان حراكاً واقعياً نضالياً أم حراكاً افتراضياً، هو جوهر نقي وينسجم تماماً مع الفكرة التي تقول بأنّ استحقاق الإصلاح هو ضرورة حيوية للدولة نفسها ولعلاقتها بالمجتمع، وليس مطلباً ثانوياً، كما ما تزال بعض دوائر القرار تنظر إليه!
للأسف الشديد، هذا التصوّر الإيجابي للحراك ودوره لم ينعكس على علاقة الدولة معه؛ إذ شهدت تدهوراً كبيراً في الآونة الأخيرة، وما يزال عشرون معتقلاً ينتمون إلى حراكات مختلفة في السجون يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة، بما يتناقض مع التعديلات الدستورية. وهنالك حديث عن انتهاكات لحقوق الإنسان، بعد ارتفاع سقف الهتافات والشعارات خلال الآونة الأخيرة.
من المفيد أن نتذكر، هنا، أنّ هتافات "الشارع" كانت ضمن سقف "إصلاح النظام"، ولم تذهب إلى اختراق هذا السقف، إلاّ أنّ سوء تعامل الدولة مع هذه المجموعات الشبابية الجديدة، والطريقة البدائية التي تمّ بها إغلاق ملفات الفساد في البرلمان، وعدم وجود قنوات حوار فعّالة ومنتجة مع الحراك الجديد، كل ذلك انعكس على العلاقة مع الحراك، بوصفه تهديداً وتحدياً لا شريكاً لإطلاق مرحلة جديدة من الحياة السياسية، تؤهّل الدولة لحقبة جديدة داخلياً وإقليمياً!
لم تستبطن مؤسسات الدولة ولا الحكومات المتعاقبة تلك الرؤية التي عبّرعنها الملك في تصريحاته لـ"بترا"، في تعاملها مع الحراك، بل على النقيض من ذلك؛ فإنّ القراءة الدارجة والسائدة في الأوساط الرسمية تتمركز حول "إنكار" الحراك، والتقليل من شأنه ومن حجمه، والتشكيك في غاياته. ولعلّ التوصيف الذي كان يتردد، وما يزال، على ألسنة المسؤولين هو اختزال الحراك في مجموعة من الأشخاص الذين لهم مطامع شخصية، بدون النظر من زاوية أخرى أكثر أهمية إلى أنّنا أمام جيل جديد من الشباب يحلم بالتغيير والأفضل، تأثر بالربيع الديمقراطي العربي، ويسعى إلى تجديد النظام السياسي والتخلّص من آفات المرحلة السابقة.
في المقابل، علينا أن نعترف بأنّ الحراك نفسه عانى من أخطاء ومشاكل، وانقسم على نفسه في تحديد أولوياته، وفي ركوب شخصيات لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية الحقيقية موجاته، وعانى من الانقسام الداخلي، بين من يريد العودة بنا إلى "دولة العشائر"، ومن ينطلق من التأكيد على قيمة "المواطنة"، وآخرون يركّزون على "العدالة الاجتماعية"؛ فلم نجد بالفعل تأطيرا موضوعيا واضحا للمطالب الإصلاحية تتوافق عليها "الحراكات" الجديدة، أو عناوين موحّدة يتفق الجميع على أوليّتها وأهميتها.
بعد أن ضيّعت فرصاً كبيرة في الإفادة من الحراك والتفاعل معه، هل أن الآوان أن تلتقط مؤسسات الدولة "الرسالة الملكية" فتعيد النظر في مقارباتها لاستبطان هذا التوجه، والتفكير خارج "الصندوق الأمني" الذي لا يرى هذا الوجه المشرق للحراك؟ أحسب أنّ الخطوة الأولى اليوم إطلاق سراح المعتقلين، فليسوا هم الخطر على الدولة، إنّما تلك النخبة المتسلقة الوصولية التي استنزفت الدولة وولّدت الشروط الموضوعية للحراك احتجاجاً على الفساد وغياب العدالة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
مع عدم القدرة على إنكار أنّ الحراك ليس كلّه "صافياً"، وأنّ هناك –بالضرورة- من لديه أجندات أخرى، إما شخصية أو أخرى لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية الوطنية، إلاّ أنّ جوهر الحراك وعموده الفقري من الشباب الجديد، سواء كان حراكاً واقعياً نضالياً أم حراكاً افتراضياً، هو جوهر نقي وينسجم تماماً مع الفكرة التي تقول بأنّ استحقاق الإصلاح هو ضرورة حيوية للدولة نفسها ولعلاقتها بالمجتمع، وليس مطلباً ثانوياً، كما ما تزال بعض دوائر القرار تنظر إليه!
للأسف الشديد، هذا التصوّر الإيجابي للحراك ودوره لم ينعكس على علاقة الدولة معه؛ إذ شهدت تدهوراً كبيراً في الآونة الأخيرة، وما يزال عشرون معتقلاً ينتمون إلى حراكات مختلفة في السجون يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة، بما يتناقض مع التعديلات الدستورية. وهنالك حديث عن انتهاكات لحقوق الإنسان، بعد ارتفاع سقف الهتافات والشعارات خلال الآونة الأخيرة.
من المفيد أن نتذكر، هنا، أنّ هتافات "الشارع" كانت ضمن سقف "إصلاح النظام"، ولم تذهب إلى اختراق هذا السقف، إلاّ أنّ سوء تعامل الدولة مع هذه المجموعات الشبابية الجديدة، والطريقة البدائية التي تمّ بها إغلاق ملفات الفساد في البرلمان، وعدم وجود قنوات حوار فعّالة ومنتجة مع الحراك الجديد، كل ذلك انعكس على العلاقة مع الحراك، بوصفه تهديداً وتحدياً لا شريكاً لإطلاق مرحلة جديدة من الحياة السياسية، تؤهّل الدولة لحقبة جديدة داخلياً وإقليمياً!
لم تستبطن مؤسسات الدولة ولا الحكومات المتعاقبة تلك الرؤية التي عبّرعنها الملك في تصريحاته لـ"بترا"، في تعاملها مع الحراك، بل على النقيض من ذلك؛ فإنّ القراءة الدارجة والسائدة في الأوساط الرسمية تتمركز حول "إنكار" الحراك، والتقليل من شأنه ومن حجمه، والتشكيك في غاياته. ولعلّ التوصيف الذي كان يتردد، وما يزال، على ألسنة المسؤولين هو اختزال الحراك في مجموعة من الأشخاص الذين لهم مطامع شخصية، بدون النظر من زاوية أخرى أكثر أهمية إلى أنّنا أمام جيل جديد من الشباب يحلم بالتغيير والأفضل، تأثر بالربيع الديمقراطي العربي، ويسعى إلى تجديد النظام السياسي والتخلّص من آفات المرحلة السابقة.
في المقابل، علينا أن نعترف بأنّ الحراك نفسه عانى من أخطاء ومشاكل، وانقسم على نفسه في تحديد أولوياته، وفي ركوب شخصيات لا علاقة لها بالمطالب الإصلاحية الحقيقية موجاته، وعانى من الانقسام الداخلي، بين من يريد العودة بنا إلى "دولة العشائر"، ومن ينطلق من التأكيد على قيمة "المواطنة"، وآخرون يركّزون على "العدالة الاجتماعية"؛ فلم نجد بالفعل تأطيرا موضوعيا واضحا للمطالب الإصلاحية تتوافق عليها "الحراكات" الجديدة، أو عناوين موحّدة يتفق الجميع على أوليّتها وأهميتها.
بعد أن ضيّعت فرصاً كبيرة في الإفادة من الحراك والتفاعل معه، هل أن الآوان أن تلتقط مؤسسات الدولة "الرسالة الملكية" فتعيد النظر في مقارباتها لاستبطان هذا التوجه، والتفكير خارج "الصندوق الأمني" الذي لا يرى هذا الوجه المشرق للحراك؟ أحسب أنّ الخطوة الأولى اليوم إطلاق سراح المعتقلين، فليسوا هم الخطر على الدولة، إنّما تلك النخبة المتسلقة الوصولية التي استنزفت الدولة وولّدت الشروط الموضوعية للحراك احتجاجاً على الفساد وغياب العدالة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)