jo24_banner
jo24_banner

إصلاح التعليم العالي في الجامعات الأردنية

أ. د عبدالمهدي السودي
جو 24 :
تعاني الجامعات الأردنية من العديد من المشاكل المالية والإدارية وضعف البنية التحتية والواسطات والمحسوبيات في التعيينات الأكاديمية والإدارية وتضخم أعداد الطلاب في مختلف التخصصات وبخاصة في الدراسات العليا , ولكن كل ذلك مقدور عليه ويمكن إصلاحه ولكن الشيء الذي لا يعلمه أو يسكت عليه الكثيرون ويحتاج إلى لجنة تحقيق وطنية من وزارة التعليم العالي وهيئة مكافحة الفساد وديوان الخدمة المدنية وديوان المحاسبة ومجالس أمناء الجامعات الأردنية هو ما يلي:

1.منحت الجامعات الأردنية خلال السنوات العشرين الأخيرة عشرات بل مئات شهادات الماجستير والدكتوراه من مختلف الكليات وفي جميع التخصصات بصورة مخالفة لتعليمات منح تلك الشهادات. حيث تشترط تعليمات منح شهادات الدكتوراه حتى بداية 2016 على وجوب تفرغ الطالب لسنة دراسية على الأقل أثناء أعداد الرسالة ولكن غالبية الطلاب لم يلتزموا بهذا الشرط ومع ذلك تخرجوا بشهادات غير مستوفية لشروط التخرج.

2.لقد وقع جميع الطلاب قبل المناقشة والتخرج على تعهد يفيد بأنهم تفرغوا خلال سنة كاملة طبقا للتعليمات بالرغم من أنهم لم يتفرغوا مما يدخلهم في باب تزوير الوثائق الرسمية. ومن السهل على إدارة الجامعات المؤسسات المعنية الأخرى تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في هذا الأمر الذي يدخل في باب الفساد الأكاديمي ومراجعة ملفات جميع الخريجين من الجامعات الأردنية لمعرفة المخالفين لشروط منح الشهادات وبالتالي سحب تلك الشهادات ممكن لا يستحقون.

3.ولزيادة الطين بلة قام رئيس الجامعة الأردنية في بداية عام 2016 بإلغاء شرط التفرغ العلمي لطلاب الدراسات العليا مما يعني ان طالب الدكتوراه يمكنه الحصول على شهادته وهو في جزر الواق واق او ان يكتبها له شخص أخر او يشتريها جاهزة وما عليه إلا أن يرسلها للمشرف دون إتاحة الفرصة للمشرف لمتابعة كتابة الطالب لأطروحته فصلا فصلا وانعدام تام لإمكانية تحققه من أصالة تلك الرسالة

4.لقد أشاد البعض بسحب الجامعة الأردنية لشهادة دكتوراه من احد الدكاترة لأنها خالفت المعايير الأكاديمية فما بالك بالعديد من الشهادات العليا التي منحت بصورة مخالفة للتعليمات وبإعداد يفوق المئات.

5.وفوق ذلك كله فان الكثير من تلك الرسائل تزيد نسبة النقل الحرفي فيها او السرقة العلمية عن 15% وقد ترتفع تلك النسبة إلى 40 او 50 % في بعض الكليات او الجامعات علما بان البرنامج نفسه لا يقبل أكثر من نسبة 1.5% وان تلك النسبة العالية من النقل الحرفي غير مقبولة لا أكاديميا ولا أخلاقيا ولا يسمح بها في الأبحاث العلمية المحترمة.

6.إن غالبية الأبحاث التي تمنح عليها شهادات الدكتوراه والماجستير ليس لها قيمة علمية وبخاصة تلك التي تعتمد على البيانات الكمية حيث يوجد حوالي 500 رسالة كتبت حول اتجاهات طلبة الصف السادس أو السابع والعاشر أو الجامعة أو المدرسة او مؤسسة صغيرة تحت عنوان دراسات ميدانية واستخدمت فيها عينات غير ممثلة لمجتمع الدراسة وتكررت فيها نفس الأطر النظرية والدراسات السابقة واستخدمت نفس المراجع الثانوية وليس الأولية مما ينفي عنها الأصالة والأمانة العلمية وبعضها منقول من رسائل ودراسات سليقة وإجراءاتها غير سليمة وتعقب مناقشاتها تقديم الاحتفالات والحلوى المعدة مسبقا لافتراضها النجاح المضمون.

7.يغلب على تشكيل لجان مناقشة الرسائل الجامعية الشللية والواسطة والمحسوبية وإشراك الدكاترة المشهود لهم بالمديح لتلك الرسائل أكثر من الجادين والملتزمين بالمعايير الأكاديمية وكثيرا ما يكون رؤساء الأقسام أعضاء في تلك اللجان من اجل تمرير الأمور بالرغم من أن إشراكهم المتكرر مخالف للتعليمات التي لا تجيز للشخص من المناقشة لأكثر من رسالتين في الفصل فيناقش خمسا او سبعا وكل ذلك من اجل الحصول على المكافآت المالية بدلا للمناقشات .

8.نتيجة لتراخي الإشراف الأكاديمي بدأ بعض الطلاب اللجوء لبعض المكاتب والكتبة الذين يكتبون رسائل ماجستير ودكتوراه من الإلف إلى الياء بالاعتماد على رسائل مشابهة او بيانات سابقة او تحريفها او حتى بيانات وهمية دون النزول للميدان مما جعل غالبية الرسائل تستخدم نفس المراجع والأدبيات والدراسات السابقة التي استخدمت في رسائل سابقة بحيث بدت وكأنها نسخ مكررة لدرجة أن بعضها بلغ من التفاهة أنها كتبت حول جمعية او مؤسسة عامة او موضوع بسيط ليس له أي أهمية اجتماعية او اقتصادية

9.واقترح ان يتم اختيار لجان المناقشة بناء على التخصص والكفاءة والتميز العلمي وان لا يترك الأمر للمشرف او لجنة القسم او الطالب وان يقدم كل عضو في لجنة المناقشة تقريرا مكتوبا ومطبوعا يبين فيه اقتراحاته ونواحي التقصير في الرسالة وان تعطى للطالب لإجراء التعديلات بناء عليها وليس كما هو معمول به حاليا مناقشة شفهية لا يعطى الطالب أي شيء مكتوب وملزم لدرجة ان الكثير من الرسائل تمرر دون التأكد من قيام الطالب بإجراء حتى ابسط الملاحظات او الأخطاء الإملائية او المنهجية التي اقترحها أعضاء لجان المناقشة

10.ان الغالبية العظمى من طلاب الماجستير والدكتوراه هم من كبار السن في الثلاثين والأربعين من العمر ومن المتقاعدين والذين لم يعد لديهم الكثير من الوقت والجهد للانخراط في العمل الأكاديمي أو البحثي. فالدراسات العليا في الأردن بوضعها الحالي بصراحة وأمانة هي اقرب إلى ما يسمى في أمريكا والغرب بتعليم الكبار أو التعليم المستمر الذي لا يهدف لنيل شهادة علمية عليا. حيث يأتي الطلاب في جامعاتنا الساعة الخامسة وبعد انتهاء دوامهم في مؤسساتهم ووظائفهم منهكين ويحضرون محاضرات تلقينية لا يشاركون في التحضير لها ولا يقرؤون القراءات المحددة والمطلوبة لضيق الوقت وانشغالهم بواجباتهم العائلية والمهنية .

11.وللأسف الشديد يمكن القول ان الدراسات العليا لم تعد اليوم تقوم بإعداد جيل من الأكاديميين والباحثين المتميزين الذين بإمكانهم أن يخلفوا الرعيل الأول الذين يتم الاستغناء عنهم بحجة بلوغهم سن السبعين فهبط التعليم العالي ومخرجاته إلى أسفل سافلين. ان استمرار قبول طلبات الماجستير والدكتوراه بالطريقة الحالية سوف يغرق الأردن بحملة شهادات عليا شكلية ولا غرابة أن تجدون بعضهم في المستقبل القريب يبيع بطيخا او خضارا او حتى ملابس داخلية في بسطات في العديد من الشوارع الأردنية.

12.اعتقد انه قبل الخوض في مسألة تعديل الرسوم الجامعية لا بد من الانتباه إلى تغيير تعليمات الدراسات العليا وأسس القبول في الجامعات الأردنية مع التشديد على قبول عدد محدود في برنامج الدكتوراه يتم اختيارهم من بين الطلاب المتميزين والمتفرغين والمؤهلين لمتابعة الدراسات العليا كمهنة أكاديمية أو بحثية والتوقف كليا عن قبول الأشخاص الذين يرغبون بالتسجيل في الدراسات العليا من اجل الحصول على شهادات من اجل تحسين أوضاعهم الوظيفية ودون جهد وتفرغ حقيقي يليق بالدرجات العليا.

13.يجب أن أوضح هنا بأنني اعتز وافتخر بانتسابي للجامعة الأردنية وأدرك تماما أن هذا المقال سوف يصدم الكثيرين وقد يلومني البعض على ننشر الغسيل القذر ولكنني كتبت أكثر من مرة حول إصلاح التعليم العالي ولكن لا حياة لمن تنادي وهي صرخة جديدة املا أن ان تلقى الانتباه وتحظى بالنقاش الجاد والدراسة من جميع الوجوه بالتزامن مع عملية إعادة النظر بالرسوم الجامعية.
 
تابعو الأردن 24 على google news