2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

في جوار البركان!

محمد أبو رمان
جو 24 : بقدر بشاعة جريمة اغتيال وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في الأمن اللبناني، بقدر ما تكمن الخشية اليوم، بما يمكن أن تؤدي إليه (هذه الجريمة) من نتائج أخطر بكثير، في نقل لبنان من "حقبة انتظار الأسوأ" إلى "العيش في أسوأ المخاطر وأفدحها". ذلك أنّ الجريمة فجّرت بالفعل الهواجس الطائفية، ودفعت بالمشاعر السنّيّة هناك إلى أقصى مدىً من القلق والشعور باستقواء حزب الله عليهم.
وفقاً للاستطلاع الذي أجراه المركز العربي للدراسات السياسية في الدوحة، فإنّ الرأي العام اللبناني مستقطب تماماً تجاه الأزمة السورية على المسطرة الطائفية؛ فأغلبية السنة مع الثورة، وأغلبية الشيعة مع النظام، والتقاطعات الطائفية والمذهبية تدفع بلبنان اليوم، على وقع هذه الجريمة الخطرة، إلى حافة الهاوية من جديد!
في الأشهر الأخيرة، برز ما يسمى بـ"ظاهرة أحمد الأسير" في صيدا، وهو أحد الشيوخ السلفيين الذي وقف بقوة مع الثورة السورية، وبلغ مدى أكبر بكثير مما بلغه تيار المستقبل في تحدّي حزب الله، وأمينه العام، حسن نصرالله. ووجد الأسير دعماً جماهيرياً ملحوظا. وبرغم أنّه أكد مراراً وتكراراً على عدم استخدام السلاح وعلى سلمية دعوته، إلاّ أنّ خطابه السياسي أخطر من الصواريخ نفسها؛ فهو يضرب على الوتر الأكثر حساسية في موضوعة "السلم الأهلي" اليوم.
الثورة السورية أشعلت الروح الطائفية في المنطقة؛ فالشيعة اصطفوا بصورة صلبة مع النظام السوري، وآخر حلفاء النظام السوري من القوى الإسلامية السنيّة، حركة حماس، انتقلت من مرحلة "الحياد" والصمت إلى تأييد "الثورة السورية" ضمنياً، فيما يقع موقف القوى المسيحية عموماً في حالة أقرب إلى الحياد السلبي، مع الخشية من مصير قريب لمسيحيّي العراق في حال سقط "نظام الأسد" الدموي! أمّا الأكراد، فهم يفكّرون بالوصول إلى "صفقة" إقليمية وداخلية شبيهة بتلك التي حصل عليها أشقاؤهم أكراد العراق.
هكذا، تبدو المنطقة العربية اليوم، وتحديداً الشرق الأوسط الذي يعجّ بالطوائف الدينية والعرقية والفِرق الإسلامية، وكأنّه مكوّن من مكوّنات اجتماعية ارتدت إلى انتماءات ما قبل المدنية والحضارة والعقد الاجتماعي-المواطنة. وهي حالة نكوص لا تقف عند حدود الطائفية الدينية والسياسية، بل تصيب الثقافة الاجتماعية في مختلف روافدها، وتتمثّل حتى في منطقة الأردن وفلسطين بالتخلّي عن عباءة الدولة، والرجوع إلى منطق العشائرية والهويات الفرعية والعلاقات البدائية، بعد أن تصاعد الشعور بأنّ "جدار الحماية" للفرد ليس الدولة ولا القانون، بل العشيرة والجماعة والطائفة!
هذه المفارقة المقلقة لا تسجّل ضد الربيع الديمقراطي العربي، بل هي تماماً لصالحه وفي صفّه؛ فبالرغم من التوترات في دول الربيع الديمقراطي؛ مصر وتونس واليمن والمغرب، إلا أنّ النقاش ينمو داخل العملية السياسية لا خارجها، والأحزاب والقوى تتكتل لتتنافس عبر صندوق الاقتراع لا "القناوي" والأسلحة البيضاء، وحتى إن وجدت مواجهات وصدامات، فهي محدودة على هامش العملية السياسية، وليس في قلبها كما يحدث حالياً في الدول التي تعثّر فيها قطار الربيع العربي، مثل سورية وقبلها ليبيا!
في الخلاصة، العالم العربي اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم، والرهان على الإبقاء على الوضع الراهن تجاوزه كثير من الدول، وستجتازه الأخرى، إمّا اختياراً أو اضطراراً. والخيارات المطروحة هي إما الدخول في صدامات وصراعات تشعل البركان الطائفي، وإما السير عبر العملية الديمقراطية التي لن تنقلنا -بالضرورة- بين ليلة وضحاها من حال إلى حال، لكنّها المسار الآمن الوحيد -المحاذي للبركان-لإيجاد بصيص أمل في واقع متدهور سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً."الغد"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير