jo24_banner
jo24_banner

كي تبدأ رحلة الألف ميل للقوى الثالثة في الأردن

مروان المعشر
جو 24 : الخيارات الحالية أمام جلالة الملك للقوى (ولا أقول الأفراد) السياسية الرئيسية خيارات غير مريحة، من قوى مسيطرة لا تريد التغيير لأنه يمس بمصالحها وإن على حساب الوطن، ومعارضة إسلامية لم تقنع الكثيرين أن إيمانها بالتعددية السياسية والدينية لا تشوبه شائبة. لا بد إذا، شأننا شأن كافة دول المنطقة العربية، من بلورة قوى ثالثة تحاول كسر احتكار هاتين القوتين للمشهد السياسي في البلاد.

ستشهد الفترة المقبلة عدة محاولات لإيجاد مثل هذه القوى، بعضها لن يكون مستقلا تماما عن إحدى القوتين، والبعض الآخر سيحاول شق طريق جديد لا يدين بالتبعية لا للقوى المحافظة ولا للإسلاميين ولا للطريقة التقليدية التي أديرت بها الدولة في السابق، والتي وصلت اليوم إلى طريق مسدود بغض النظر عن نجاحاتها وإخفاقاتها في الماضي. سيحاول الكثيرون تطوير تيارات جديدة أو متجددة، بعضها يعتمد على رصيد أشخاص قد تتعدى شعبيتهم مناطقهم الانتخابية، والبعض الأقل قد يطرح برامج تتعدى الأشخاص وتغطي مساحة من طيف الفكر السياسي والاجتماعي من تيارات محافظة وليبرالية وقومية ويسارية وغيرها.

هذا بحد ذاته تطور ايجابي، وبالرغم من قصور قانون الانتخاب الذي إن بقي على حاله لن يساعد في تطوير مثل هذه القوى في وقت معقول، لم يعد من الصحي أو المقبول ترك الساحة للقوتين الرئيستين وحدهما. الأمل أن يجمع هذه القوى الثالثة قاسم مشترك واحد على الاقل؛ أن تؤمن جميعها بالتعددية فعلا وقولا. فإن انتفت هذه الصفة عن أي منها، تكون كمن يعمل لاستبدال إقصائية بإقصائية.

هناك قواعد أساسية باعتقادي لا بد لكافة الجهود المبذولة لتطوير خيارات إضافية أخذها بعين الاعتبار للوصول الى أحزاب مستدامة على الساحة الأردنية تتعدى عمر دورة انتخابية واحدة أو قانون انتخاب معين، عبر مسار طويل وملتزم وممنهج حتى يقوى عودها وتستطيع المنافسة الجدية في الساحة السياسية. أهم هذه القواعد:

تطوير برامج واضحة وتفصيلية: لا تزال أغلب القوى الثالثة قيد التشكيل في العالم العربي، تعرّف نفسها بما تقف ضده، القوى المحافظة أو الإسلاميين أو الاثنين معا، أكثر مما هي معه. إن هذا غير كاف بحد ذاته إنْ لم يقرن بتطوير برامج تفصيلية تعالج حاجات الناس وأولوياتهم، ويتم تطويرها بالتشاور معهم. كلما أعطت هذه البرامج أملا بمستقبل أفضل مبني على رؤية واضحة وتخطيط سليم وواقعية في التنفيذ، بدلا من الاكتفاء بمخاطبتها مخاوف الناس فقط، حققت نجاحا أكبر في استقطاب الناس لها. في الماضي، كانت الرؤى ذات أبعاد أيدولوجية في معظمها من قومية وبعثية وشيوعية وإسلامية وغيرها. اليوم هموم الناس الأساسية محلية، من تأمين الوظيفة وتحسين الوضع الاقتصادي والمساواة أمام القانون ومحاربة الفساد والمشاركة في صنع القرار عبر التمثيل العادل. هذا يتطلب جيلا جديدا من القادة قادرا على محاكاة هذه الهموم وتقديم الحلول العملية لها ضمن أطر مفهومة للناس وجاذبة لهم.

تطوير نظم تعليمية جديدة: من أهم القضايا التي يجب على القوى الثالثة الاهتمام بها هي النظم التعليمية، ليس من ناحية الكم فقط ولكن النوع أيضا. من الصعب تطوير مجتمع يؤمن بالتعددية ويمارسها إنْ لم يُعِدْ النظر جذريا بأنظمتنا التعليمية القائمة على التلقين وقتل الإبداع وتسفيه تعددية الفكر والرأي، وتبني، عوضا عن ذلك، سياسات ونظم و برامج ومناهج جديدة تعلم احترام الآراء المختلفة والنقاش الموضوعي والتسامح والتعددية كقيم إيجابية، إضافة إلى تشجيع التفكير النقدي والعلمي وترسيخ معنى المواطنة والمساواة أمام القانون. البناء من القاعدة: ما تزال معظم القوى السياسية في الوطن العربي تُشكل من قبل أفراد أو جماعات نخبوية أولا، ثم تبحث عن قاعدة لاحقا. لقد نجح الإسلاميون إلى حد كبير لأنهم اعتمدوا العمل على الأرض، مع الناس، فتمكنوا من بناء قواعد شعبية حقيقية. وهذا يتطلب جهدا طويلا ومثابرا قبل أن يصبح أي تيار مستعدا لتشكيل حزب سياسي مستدام. بالتزامن مع هذا، يتوجب العمل لبناء قدرة تنظيمية على مستوى الوطن. لن يؤخذ أي تيار جديد جديا في الأردن ما لم تكن وراءه قاعدة شعبية وقدرة تنظيمية.

إيجاد موارد مالية مستدامة: ليس من السهل لأي قوة ثالثة المنافسة دون موارد مالية مناسبة، وستبقى هذه عقبة رئيسية في وجه أي تيار جديد ما لم ينجح في جمع أموال إما بأحجام صغيرة ولكن من عدد كبير من المواطنين (يمكن الاستفادة من الانترنت هنا مع الاتساع التدريجي في عدد مستخدميها)، أو عن طريق مساهمات أكبر من القطاع الخاص. وفي الحالتين يجب أن تكون هذه المساهمات مستدامة. لتحقيق ذلك، لا بد من جهد كبير لإقناع القطاع الخاص أن مصالحه على المدى الطويل تتأتى من خلال الديمقراطية والتعددية التي تساهم في بناء المجتمعات المستقرة والمزدهرة بشكل مستدام.

التركيز على البرامج، لا الأشخاص: شهدت الانتخابات المصرية صعود أشخاص حصل كل منها على ملايين الأصوات مثل حمدين صباحي وعبد المنعم ابو الفتوح وعمرو موسى. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا الدعم الشعبي يمكن تجييره لتيار أو حزب ما لم يكن مقرونا ببرنامج واضح وقدرة تنظيمية ومالية. بالتالي يجب أن تقاوم القوى الثالثة النزعة الشخصية للظهور المنفرد بدلا من بناء تنظيمات مستدامة.

تجميع الجهود: من السهل للعديد الاعتقاد، ونحن نشهد عملية تحولية، أن لديهم كافة الحلول لكافة المشاكل، أو أن ليس بوسعهم العمل إلا مع من يتفقون معهم بشكل تام. سيساعد هذا الشعور نظام القوائم الوطنية النسبية في مرحلته الاولى والذي سيشجع عددا كبيرا من الافراد على تشكيل قوائم برئاستهم لضمان الفوز في الانتخابات. ففي ظل عدم جاهزية معظم القوى السياسية باستثناء الإسلاميين، لن تتمكن معظم القوائم من إنجاح أكثر من رئيس القائمة في أحسن الاحوال.

وقد شهدت الانتخابات البرلمانية التونسية هذه الظاهرة، فخاض تلك الانتخابات 116 حزبا، لم ينجح أكثر من 11 حزبا منها في الحصول على أكثر من مقعد نيابي، بينما حصد حزب النهضة الإسلامي أكثر من أربعين بالمائة من المقاعد مستفيدا من هذا التشرذم.

على القوى الثالثة إدراك أن الاختلاف ممكن بل صحي داخل الحزب الواحد طالما ان المبادئ العامة متفق عليها إن أرادت هذه القوى تجميع جهودها وتعظيم مكاسبها. هذا الإدراك غاب للأسف عن الدولة الأردنية في الآونة الاخيرة، فباتت عاجزة عن تقبل أي اختلاف في الرأي داخل أبنائها.

اتباع سياسة النفس الطويل: لن يتم بناء قوى ثالثة بين ليلة وضحاها، خاصة في الأردن حيث خبرة العمل السياسي المنظم قصيرة أو متقطعة. ليست هناك من طرق مختصرة. من يريد العمل الحزبي لمجد فردي، الأغلب انه لن يناله، فالبقاء للالتزام الطويل والمنهجي، وللبرامج التي تحاكي احتياجات الناس وتستطيع تلبيتها.

قد لا يؤتي هذا الجهد أكله ضمن حياة هذا الجيل، ولكنه جهد ضروري إن أردنا أان نترك وطنا تعدديا ديمقراطيا مزدهرا مستقرا لأبنائنا الذين لم يعودوا ينتظروننا على أية حال للبدء بهذا المشروع.

هذه مساهمة أرجو أن ترى طريقها للنقاش، فكم قيدنا الفكر وسفهنا الأرقام.


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير