jo24_banner
jo24_banner

التشاركية والإقصائية في الدولة الأردنية

مروان المعشر
جو 24 : من اهم المعايير لنجاح اية عملية تحولية في مجتمع ما، إدراك ضرورة توفر عنصر التشاركية والتوافق، لدى البت في بعض التشريعات المفصلية، التي ستحدد مستقبل البلاد واستقرارها السياسي والمجتمعي.
هناك بعض التشريعات كالدساتير وقوانين الانتخابات، التي لا يمكن ان تكون ملكا لحكومة معينة، حتى وإن كانت هذه الحكومة منتخبة من الناس، فما بالك بحكومات غير منتخبة، تعتقد أنها تستطيع فرض رأيها بالقوة، كما كان عليه الحال في الزمن الغابر.
ولهذا، فإن عملية كتابة دستورين، تونسي ومصري، جديدين مثلا، لا يمكن ان يتكللا بالنجاح، ان لم تتبع عملية توافقية، بحيث تشترك في وضع الدستورين، كافة فئات المجتمع، بمكوناته السياسية والمجتمعية. إن اتباع مبدأ الإقصائية في تمرير مثل هذه التشريعات، حتى ولو كانت هناك أغلبية برلمانية تسمح بذلك، تصرف غير حكيم، لن ينتج عنه استقرار سياسي او مجتمعي. وقد وعت كافة الفئات في تونس هذه الحقيقة، فسعت الى دستور جديد توافقي بعيدا عن حسابات الأغلبية والأقلية، المحكومة بلحظة معينة في التاريخ، تتبدل بتغير الظروف. وحين كان باستطاعة حزب النهضة تمرير ما يريد كإقرار الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع، ارتأى في النهاية العدول عن ذلك حتى يحافظ على التوافق المجتمعي فاكتفي بالنص الاصلي للدستور بأن دين الدولة هو الاسلام.
لهذا ايضا توافقت معظم القوى السياسية والدينية في مصر، بما في ذلك حزب العدالة والحرية وحزب النور الاسلاميان، على وثيقة خرجت باسم الازهر، تنادي بدولة مدنية تعددية، يكون الشعب وحده فيها مصدر السلطات، مكتفية باعتماد مبادئ الشريعة الاسلامية (وليست الشريعة نفسها)، مصدرا رئيسيا للتشريع، حفاظا ايضا على الوحدة المجتمعية.
اما الوضع لدينا، فمختلف تماما، حكومات غير منتخبة، لا تشعر بحرج بسن مسودات عدة لقوانين انتخابات، ستحدد مستقبل البلاد ونجاح العملية الاصلاحية من فشلها، دون وجود حد ادنى من التشاور مع المجتمع. وبصريح العبارة، فإن قانون الانتخاب لا يجوز ان يكون ملكا لحكومة الدكتور فايز الطراونة، او الدكتور عون الخصاونة او الدكتور معروف البخيت. ينبغي ان يكون القانون ملكا لكافة فئات المجتمع، تشعر أنها اشتركت في وضعه، فتدافع عنه وتحميه.
مبدأ التشاركية والتوافق اساس لإقرار قانون الانتخاب، اما ما نشهده اليوم، فهو نهج إقصائي يتباهى بذلك، نهج لم يدرك بعد ان الدنيا تغيرت، وأنه لم يعد من الممكن إدارة البلاد دون أخذ رأي العباد، آملا عدم استغفال الناس عن طريق الادعاء بأن القانون أقر من قبل سلطة تشريعية، انتخبت اصلا وفق قانون، ليس بعادل ولا ممثل، واثر تدخلات لم تعد خافية على أحد.
دعونا نستعرض مراحل إقرار القانون منذ بداية الربيع العربي، لنرى إن كانت نية الاصلاح السياسي متوفرة حقا لدى الدولة الاردنية فعلا لا قولا. فقد شكل جلالة الملك لجنة الحوار الوطني في شهر آذار "مارس" من العام الماضي أتت ممثلة لفصائل عدة من المجتمع، مهمتها وضع قانون انتخاب توافقي. وما أن انتهت من توصياتها حتى وضعت هذه التوصيات على الرف، جنبا الى جنب مع توصيات لجان ملكية وطنية اخرى، لتقترح حكومة الدكتور معروف البخيت صيغة، لم تفسر لنا من اين اتت، وهي ثلاثة اصوات لكل مواطن على مستوى المحافظة وصوت لقائمة وطنية من عشرين مقعدا. ثم رحلت هذه الحكومة لتقترح حكومة الدكتور عون الخصاونة صوتين لكل مواطن على مستوى المحافظة، وصوتا لقائمة وطنية تم تخفيضها الى خمسة عشر مقعدا. اما النتيجة النهائية فهي إقرار قانون، اعاد البلاد لما كان عليه الحال سابقا، من صوت واحد على مستوى الدائرة، مع جائزة ترضية تتمثل بصوت لقائمة وطنية من سبعة عشر مقعدا، بعد زيادة عدد مجلس النواب، لتخفيف الاثر السياسي للقائمة، وصولا الى تدخل جلالة الملك، ليتم زيادة القائمة الوطنية الى سبعة وعشرين مقعدا، من اصل مائة وخمسين مقعدا للمجلس الجديد. هل يحتاج احد لأي تحليل معمق ليستنتج ما إذا كان ما سبق يشكل خطا بيانيا يسير باتجاه الاصلاح أم عكسه؟ أم أن استغفال الناس أو عدم الالتفات لأي حد ادنى من التوافق وصل الى حدود غير مسبوقة؟
اتوقف عند ملاحظتين: الاولى ان الشعب الاردني لم يتغير في السنتين الماضيتين، بل اربع حكومات هي التي تغيرت، وبالتالي لا يستطيع احد الادعاء ان قانون الانتخاب تمت صياغته بالتوافق بعد كل هذه الصيغ المختلفة، والتي تختلف بدورها عما توصلت اليه لجنة الحوار الوطني. والملاحظة الثانية هي أن هذا التراجع الواضح خلال السنتين الاخيرتين بين مختلف الصيغ انتهى بصيغة تعيد انتخاب اثنين وثمانين بالمائة من مجلس النواب وفق الصيغة القديمة التي ادت الى فقدان اكثر من خمسة وثمانين بالمائة من الشعب الاردني ثقتهم بمجلس النواب. كما ستؤدي الى انتخاب قوائم وطنية شبه خالية من الدسم بعد اعلان الحزب الأكبر في البلاد وهو جبهة العمل الاسلامي نيته مقاطعة الانتخابات. بمعنى آخر، لن ينتج عن الانتخابات لا مجلس نواب قوي ولا حكومات منتخبة عن طريق الاغلبية البرلمانية كما يريد جلالة الملك، ولا إعادة توزيع جادة للسلطات. ومتى ما ادرك الاردنيون ذلك بعد اشهر قليلة من الانتخابات القادمة، أو نزل الاخوان للشارع بدلا عن قبة البرلمان، ماذا نحن فاعلون؟
لم تعد فزاعة الاخوان مقنعة، لما كانت الدولة مستعدة لقبول ثلاثة اصوات على مستوى المحافظة ايام حكومة د.معروف البخيت، وهو الآتي من خلفية امنية، إن كان صحيحا ان الاسلاميين سيفوزون بأغلبية المجلس؟ إن الاستقرار المنشود لن يأتي عن طريق السياسات الاقصائية التي ستدفع قوى عدة للشارع. سياسات كهذه لن تؤدي الا لمزيد من القراءات الخاطئة والاحتقان والتأزيم في وقت نحن بأشد الحاجة للحكمة السياسية والمشورة بعيدة النظر.
لقد اصبح واضحا أن المعارضة لهذا القانون غير الاصلاحي ولا الجاد ليست مقتصرة على الاخوان كما تروج الحكومة، بل هناك قوى وأشخاص من رحم النظام تعارض القانون مثل عبد الهادي المجالي وطاهر المصري واغلب الاحزاب والقوى السياسية في البلاد. ايصدق احد ان رئيس مجلس الاعيان ذهب في اجازة خاصة خارج البلاد بينما المجلس الذي يرأسه يناقش قانون الانتخاب لولا عدم رضاه عما يجري؟ متى صوت اربعة عشر عضوا من مجلس الأعيان المعين بالكامل من جلالة الملك ضد أي قانون ترغب به الحكومة بما في ذلك معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية؟
اين الحكمة السياسية في دوائر صنع القرار العليا في الدولة ممن تشير على جلالة الملك؟ الا يوجد من يرى خطر هذه السياسات الإقصائية؟ هل يتجنى البعض حين يزعم ان البلاد تشهد مرحلة مراهقة سياسية لم تعرفها من قبل؟ أو ليس مشروعا بل على كل لسان ان الدائرة حول جلالة الملك بحاجة ماسة الى توسعة حتى يستمع جلالته الى مختلف الآراء الغيورة ايضا على مستقبل البلد؟ ام أن الاردن بعد كل ما قطع من اشواط في نهضته بات يضيق بآراء ابنائه؟
لم يعد خافيا ان دائرة صنع القرار تسيطر عليها العقلية الامنية، وان عدد مستشاري جلالة الملك السياسيين، ممن يتمتعون ببعد نظر سياسي قلة للغاية، وإلا كيف نفسر ما يجري من حولنا؟ متى شهدنا إقرار قوانين، ثم العودة لتعديلها في غضون أيام؟ يستحق جلالة الملك منا، افضل من قرارات لا يتم دراستها جيدا، قبل وقوع الواقعة، ثم يبذل الجهد لإصلاح ما افسدته القرارات ذاتها. كما قضايا الوطن لا تحل بالعنتريات الزائفة والقرارات، التي لا تأخذ بعين الاعتبار آراء الناس.
ان الزاوية الامنية جزء مهم من عملية صنع القرار، ولكن لا يجوز لها قيادة هذه العملية، لأن بناء الدولة الحديثة يحتاج الى مدخلات كثيرة، لا يشكل المدخل الامني الا واحدا منها.
مؤسف ما وصلنا اليه، ومؤسف اكثر، بل خطر، الإصرار على مثل هذه السياسات الاقصائية.(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير