jo24_banner
jo24_banner

قانون الانتخاب بين الفرض والرفض

سالم الفلاحات
جو 24 : انتظر الشعب الأردني منذ 1989 تطورا في الحياة السياسية، وقد استبشر بمجلسه الحادي عشر ورأى منه إنجازات ملموسة وإرادة توافقية كادت تعيد الأمور إلى نصابها وتجعل للمجلس التشريعي هيبته المفروضة, وسرعان ما تم الانقلاب عليه يوم حاول تقديم بعض المسؤولين الكبار جدا! للمحكمة، وكاد يسن قانون من أين لك هذا؟ لينقذ البلاد من الانهيار الاقتصادي وانخفاض الدينار الأردني بصورة مخيفة, وهنا استجمع الأشرار قوتهم واخترعوا من الحجج الواهية المتهافتة ما صنعوا منه قانون الصوت الواحد سيء الذكر، الذي يمكّن المنتفعين من النظام من تعيين مجلس النواب أو غالبيته المؤثرة، إضافة لتعيين ثلث مجلس الأمة حسب الدستور (مجلس الأعيان).
ومن يومها والحوارات تجري على قدم وساق حتى زلّ لسان الأستاذ عبد الرؤوف الروابدة يوما قبل عشر سنوات، وهو يريد أن يقول الحوار فقال (الحمار)، وكلها تتفق على تغيير قانون الصوت الواحد بعد ظهور إفرازاته السيئة على أرض الواقع، والتي مزّقت النسيج الاجتماعي حتى في العشيرة الواحدة وقطعت أوصال المجتمع, ولكن عند الاستحقاق الانتخابي يتم التعديل، ولكن إلى الأسوأ.
* فيزداد عدد أعضاء المجلس وتتضاعف الكوتات الموجّهة والمحسوبة لصالح الاستفراد والاستبداد.
* ويُعاد تقسيم الدوائر في كل انتخابات, وتدخل بدعة الدوائر الوهمية.
* وتُعتمد البطاقة الانتخابية التي يمكن تزويرها.
* وتُحجب كشوف الناخبين عن المرشحين لكل صندوق.
* وتُشرع الأبواب لانتخابات العسكريين ممن هم على رأس عملهم.
* وتُشرع الأبواب لنقل الأصوات مدفوعة الثمن من محافظة إلى أخرى.
* ويُغض النظر عن شراء الأصوات ولا يُلاحق أحد.
* وتُرتكب الجرائم الانتخابية بتزوير إرادة الناخبين ويعترف رؤساء حكومات ومديري مخابرات بالتزوير، ولا يُحاسب أحد، وتضيع هذه الجرائم بالتقادم وكأنّ شيئا لم يكن.
وينتظر الأردنيون هذا العام في الربيع الأردني المتكرر قانون انتخاب يتناسب مع الوعي الأردني ومع حضارية التحرك الشعبي المبصر البعيد عن التشنُّج والتسرُّع، والذي رفع شعار إصلاح النظام وسلمية الحراك الشعبي، ويتلقّى الوعود والتطمينات ويؤمل بقانون مميز، ويتفاجأ الذين يحسنون الظن دائما ويطلبون إعطاء الفرص والصبر والتدرُّج بما يعجزهم عن الدفاع عن العقلية العرفية المستعصية، التي تقف خلف المشروع والقانون، فيما بعد لا تزيدها التجارب والأحداث إلاّ عنادا واستهتارا بالناس, فتلد مشروع قانون انتخاب عصري متقدم يتجاوز أخطاء الماضي وسلبياته ويؤسس لدولة مدنية جدا وعصرية تحفظ الأردن من عاديات الجوار المتربص، وتقوي لحمة المجتمع ليقف أمام الأخطار! وسلامته من عين الحاسدين العدميين.
يراد لهذا المشروع أن يكون قانونا يُفرض على الشعب الأردني فرضا بعد منهج (شاوروهم وخالفوا شورهم)، وأن يدخل هذا القانون في أنوف الأردنيين بالقوة, ولكنه قانون مرفوض من قوى كثيرة إسلامية وقومية ويسارية وأحزاب وسطية، مع أنّ كل الأردنيين وسطيون، ومن أحزاب ناشئة تحت التأسيس، ومن تجمعات شعبية مثل الجبهة الوطنية للإصلاح.
والتجمع الشعبي للإصلاح والتجمعات العشائرية الصاعدة والفاعلة خلال عام ونيف من شمال الأردن إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، تتقن الطرح الوطني المسيّس الشامل، ومن قانونيين بوزن محمد الحموري ومحامين من أمثال الدكتور يونس بني يونس، وأخرين في طريقهم لبلورة دراسة قانونية وافية، إضافة إلى الحراكات الشبابية والأحزاب الوطنية الجديدة وأحزاب تحت التأسيس وشخصيات وطنية وازنة على امتداد الوطن.
ويحق للأردنيين أن يقولوا: دلّونا على أيّ جهة أردنية مستقلة وغير منتفعة بلا حق تستطيع الدفاع عن هذا المشروع, وأظنّ أنّ وسيلة الإقناع المتبقية التي يتوهّمها من يقف خلف هذا المشروع البائس هي السوط والتخويف والشائعات والافتراءات والأوهام, وتحشيد مستخدمي قوى الشد العكسي تحت الطلب من أقلام وألسنة وأجسام وضمائر وأشكال ليس غير.
ولعلّ ما سبق تقديم المشروع من استهداف أحرار الطفيلة وساكب وبقية الشباب في أحداث الدوار الرابع، وما كان قبلها من استعراض قوة الترهيب على دوار الداخلية يكمل صورة المشروع المنتظر ولادته لقانون هجين بين ألماني مهجور من خمسين عاما، وهندي وإفريقي متخلّف، وجينات أخرى متنوعة ملفّقة في أنابيب خاصة ليغلّف بورق (أردني) مستعمل منذ 1993 ورديء مجرّب ومعلوم، لأن الأسماء لا تغيّر حقائق المسميات، فهذا هو الاسم الحركي لقانون الصوت الواحد، فلا قائمة نسبية على مستوى الوطن تنصف الرأي السياسي والبرامجي وليس الحزبي فقط، ولا عدالة، ولا أقول مساواة بين أبناء المجتمع حتى في مؤسسة التشريع والرقابة وليس التنفيذ, ولا تطبيق لمبدأ الانتخاب الحر والسري المباشر واختراع كوتة جديدة اسمها التعويض والحظ والنصيب بالقرعة، والحديث عن هيئة مشرفة مستقلة مطعون في دستوريتها، كما يقول بعض القانونيين اليوم، وبقاء ثلث المجلس معيّنا تعيينا.
واستمرار روح الإقصاء واضحة للعيان في المشروع, ولا يغيّر من الواقع شيئا يذكر الحديث عن أنّه قانون بثلاثة أصوات للمواطن، وهذا لا ينطلي إلاّ على المغفلين، كبعض عروض شركات الاتصالات التي تختلف في الشكل وتتساوى بالكلفة، لا سيما والشعب الأردني كما تقول الإحصاءات المحلية والعالمية في مقدمة الشعوب العربية من حيث قلة الأمية.
أمّا الصوت الأول، فهو صوت القائمة النسبية العظيمة، والذي لا يمثّل سوى عشرة بالمئة تقريبا بمثالب كثيرة، فهل هذا صوت أم هو عشر صوت واحتفظ بهذا العشر الآن؟
أمّا الصوت الثاني والثالث، فهو المحسوب أن تنتخب من مرشحي الدائرة حتى لو كان عدد مرشحيها عشرة مرشحين فقط، بما يعني عشرين بالمئة فقط لما يقترب من نصف سكان المملكة وهو أقل من صوت واحد في القانون السابق.
الذي كان يمكنك من انتخاب واحد من خمسة مقاعد على الأكثر، إذاً كم تحصل من الصوتين المهددين أيضا بتعيين مقاعد للألوية إن لم يفز منها أحد لنضيفها للعشر الأول؟ وأرجوك أن لا تبخس القانون حقه، وويل للمطففين.
ومن خلال متابعتي لردود الأفعال حول المشروع المقدم ومن مختلف شرائح المجتمع الأردني أرى أنّه مرفوض رفضا واسعا، ولا أظنّ أردنيا يعتدّ برأيه كان يتوقّع أن تقدِّم الحكومة مثل هذا المشروع، وأن تدافع عنه بمؤتمر صحفي خاص، لذا فإنّي أقرأ له الرفض، ولو أرادت الحكومة أن تحترم الناس لسارعت إلى سحبه كما سُحب غيره، أو لردّه النواب رحمة بالأردن والأردنيين والمصالح العامة المعتبرة, وإلاّ فسيردّه هذا الشعب المثقف الناهض رغم صنوف الإعاقة والعرقلة ومحاولات قوى الشد العكسي التي لم تتوقف وزاد سعرها بعد اقتراب يوم محاسبتها على ما أوصلت البلاد والعباد إليه، ومنهم الذين نزع الشعر من رؤوسهم بموازاة نزع الحس الوطني منها أيضا, المشروع مرفوض شعبيا وعلى الأردنيين الحريصين على بلدهم ومستقبل أبنائهم أن يتناسوا خلافاتهم مهما كانت، وأن يتوحّدوا في جبهة وطنية عريضة تتسع لهم جميعا للوقوف أمام محاولات إعاقة مسيرة الإصلاح الشامل، والصادق فينا من يبادر ولا يتحيّز لنفسه ولا لمصالحه الخاصة، فهل من مبادر؟
السبيل
تابعو الأردن 24 على google news