2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لعنة التهافت على نيابة خرساء

لعنة التهافت على نيابة خرساء
جو 24 :

* البشريّة اتّفقت على اختلاق ما يعرف اليوم بمجلس النوّاب.. ولكن..
* منذ العام 1989 لم نشهد نائبا يمكن اعتباره من "أهل الحلّ والعقد"
* الحديث عن قانون انتخاب "عصريّ" ضرب من ضروب النشاز
* هل يمكن اختراع حكومات برلمانيّة دون وجود برلمان؟
* ما هي نتيجة عملكم وكدحكم؟ باختصار: "من أنتم"؟


تامر خرمه- في كتابه "تهافت الفلاسفة" انتقد أبو حامد الغزالي مذهب السببيّة، وأصرّ على نفيه، ما دفع ابن رشد إلى كتابة رائعته "تهافت التهافت"، بعد نحو سبعين سنة من صدور كتاب الغزالي. الردّ العنيف الذي صفع به ابن رشد أفكار الغزالي يعدّ أحد أهمّ تجليّات التفكير المنطقي في تاريخ الفلسفة العربيّة الإسلاميّة.

المنطق والسببيّة، توأمان لا يمكن فصلهما، أو تجاهلهما بهدف الإبحار في تكهّنات "الميتافيزيقا"، وقد أثبت تاريخ الفلسفة أنّ كلّ محاولات الإبحار هذه، لم تؤدّ إلاّ لأفكار عقيمة، إمّا فنت بموت منتجيها، أو أعيد تدويرها بشكل قبيح، لتنتج منظومات فكريّة هدّامة، كالعدميّة والعبث.

وبذكر السسببيّة، يستوقفنا المنطق البسيط، الذي يلحّ على فرضيّة أن لكلّ سبب مسبّب. وبما أن السياسة لا يمكن استثنائها –كغيرها- من هذه الفرضيّة، باستطاعتك التساؤل عن سبب اتّخاذ أيّ شخص لقرار ولوج عالم الساسة، واكتساب صلاحيّة قيادة المجتمع، وسنّ التشريعات الناظمة لعلاقاته، ومسلكيّاته، بل ولحاضره ومستقبله أيضاً.

منذ أن خرج علينا الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسّو بمؤلّفه "العقد الاجتماعي"، والعالم يصرّ على أن المنظومة المثلى لإدارة المجتمعات تتلخّص بما اتّفق على تسميته بـ "الدولة الحديثة"، التي يفوّض فيها الناس من يدعون بالساسة، لتدبير شؤونهم وإدارة حياتهم. بمعنى أن يتخلّى الفرد عن حريّته لمشرّع يتولّى تنظيم العلاقة البينيّة للأفراد، وتحقيق المكتسبات التي تضمن حقوقهم، بالتوازي مع ضمان إيفائهم بالواجبات.

ولأنّ الحريّة مفهوم مقدّس في الفكر الإنساني الحديث، منحت "الدولة الحديثة" الناس حقّ اختيار من ينوب عنهم لتدبير شؤونهم، واتّفقت البشريّة على اختلاق ما يعرف اليوم بمجلس النوّاب. ولكن..

"الأردن غير" يا عزيزي، فليست وظيفة النائب إدارة حياة الناس التشريعيّة، ولا مراقبة أداء السلطة التنفيذيّة، ولا حتّى تحقيق أيّ مكتسب للفرد أو حتّى للدولة. النائب هنا محض موظّف مترهّل، لا همّ له إلاّ راتب آخر الشهر، إلى جانب تحقيق بعض المنافع الشخصيّة، مقابل التوسّط لفلان أو علاّن من ناخبيه، لتوظيفه –مثلاً- وفقاً لأعراف ما يمكن وصفه بـ "دول المكارم والهبات".

"النيابة" في الأردن منصب لا يتجاوز حدود المنافع الذاتيّة للشخص المنتخب، فمنذ العام 1989 لم نشهد نائبا يمكن اعتباره من "أهل الحلّ والعقد"، حتّى بات المراقب يتوجّع على حال ما يفترض بأنّه السلطة الرقابيّة والتشريعيّة. المجالس المتعاقبة، كلّها، لم تحقّق للوطن أو المواطن ما يستحقّ الذكر.

امتهان هذا الرمز –الذي يعبّر عن افتراض أنّ الشعب هو مصدر السلطات وفقاً للدستور- على هذا النحو، يجعل الحديث عن تعديل قانون الانتخاب، أو الحاجة إلى قانون "عصريّ"، ضرب من ضروب النشاز. الإيقاع الناظم للحياة السياسيّة في الأردن لا يحتمل مثل هذه الطموحات مع الأسف.

نوّاب يواصلون لعبة الترشّح من دورة إلى دورة، وكأنّ بقاءهم رغم أنف المنطق قدر لا مفرّ منه. طيّب ماذا فعلتم حتّى الآن؟ أعيد إنتاجكم مرّات ومرّات، وقفزتم من مجلس إلى مجلس.. فما هي نتيجة عملكم وكدحكم؟ باختصار: "من أنتم"؟

المسألة ليست شخصيّة، وليس المقصود انتقاد نرشّح بشخصه، ولكن هذه المنظومة التي تدعى بـ "النيابة"، لا علاقة لها بأصل التسمية، والواقع خير برهان. كلّ ما في الأمر أن هنالك ناد احترف أعضاءه لعبة الترشّح والفوز، عرفوا جيّداً من أين تؤكل الكتف، وأدركوا كافّة الألاعيب التي تمكّنهم من الوصول إلى المجلس النيابيّ. وصلتم يا سادة، ثمّ ماذا؟

غريب هو سرّ هذا التهافت على مقعد نيابيّ يعلم من يصل إليه أنّه لا يملك صناعة القرار، وكلّ ما عليه أن يفعله هو الإجابة على هاتفه الخليوي لتلقّي التعليمات، ليعلم متى يصوّت بـ "نعم"، ومتى يكون عليه أن يقول "لا". ولكنّها "لا" مدروسة ومحسوبة جيّداً!!

وعلى يريد المجادلة بحقيقة هذا المشهد المأسوايّ إيراد منجز واحد للمجالس النيسابيّة المتعاقبة منذ 27 سنة عجاف. والتعديلات الدستوريّة التي جرى إقرارها مؤخّراً تذكّرنا بحقيقة حجم "السلطة التشريعيّة". أمّا الحديث عن طموح تشكيل حكومات برلمانيّة فيستوجب إيجاد ما يمكن تسميته بالبرلمان، قبل الخوض في غماره.

 

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير