في رثاء الحياة السياسيّة
جو 24 :
بعد إضعاف وتحجيم حزب جبهة العمل الإسلامي، وحشره في زاوية الحفاظ على البقاء ولو شكلاً، يمكنك قبول التعازي بفناء الحياة السياسيّة في الأردن. فآخر الأحزاب المؤثّرة لفظ أنفاسه الأخيرة.
الأحزاب التقليديّة بكافّة أيديولوجيّاتها وتوجّهاتها الفكريّة والسياسيّة، تعرّضت لضربات عنيفة أفقدتها وجودها السياسي وقدرتها على الاستقطاب، طبعاً بالإضافة إلى عوامل ذاتيّة تتحمّل مسؤوليّاتها هذه الأحزاب، وكان الأخوان المسلمون خلال ما يزيد عن نصف قرن هم الجهة الوحيدة التي تنعم بالرضا الرسمي.
بعد الربيع العربي تغيّر الحال، ودفع الأخوان ثمن طموحهم بالشراكة السياسيّة مع السلطة. دفعوا الثمن غالياً، ولكن هل يمكن اعتبار هذا انتصاراً للدولة؟
أوّلاً حصار "الاخوان" يصبّ في مصلحة الجهات الأكثر تشدّداً وتطرّفاً، هذا من الناحية الأمنيّة. أمّا من الناحية السياسيّة فتجدر الإشارة إلى التناقض الكبير بين القضاء على كافّة الأحزاب السياسيّة والرغبة بتشكيل حكومات برلمانيّة.
وفي حال رغبت بالمجادلة فيما يتعلّق بوجود الأحزاب السياسيّة حديثة التشكيل، فإنّك تعلم أنّها محض تجمّعات لأشخاص تجمعهم المصالح الخاصّة، خول شخصيّة تحظى بـ "الوجاهة"، وذلك على غرار الكتل النيابيّة التي تشكّلت في مجلس النوّاب المنحل. فهل يمكن التعويل على هذه الأحزاب لتشكيل حكومات برلمانيّة في حال حصلت على غالبيّة المقاعد في المجلس؟!
حتّى قانون الانتخاب، فلا يمكنك وصفه بالعصريّ مهما قلّبته أو فتّشت عن مبرّرات تجمّله، ففي النهاية لن يفرز غير ما أفرزته الكتل النيابيّة السابقة: أشخاص مركزيّون تدور حول هالتهم جوقة من التابعين، ولا يمكنهم تجاوز خانة "نائب الخدمات" إلى مواقع صنع القرار السياسي.
الحديث عن حكومات برلمانيّة أقرب إلى قراءة قصّة خياليّة منه إلى الواقع الذي نشهده، فغياب الأحزاب السياسيّة القادرة على التأثير والاستقطاب يحول دون وجود ما يمكن وصفه بالبرلمان، فما بالك بحلم الحكومات المنتخبة؟!!