التسوّل والمقاربة الأمنيّة
جو 24 :
ظاهرة التسوّل شغلت كثيرا من وسائل الإعلام، وكثير من المسؤولين أطلقوا تصريحاتهم وتحذيراتهم ووعودهم بالقضاء على هذه الظاهرة.. ولكن هل حقّا يمكن تخليص الشوارع من المتسوّلين فقط بالاعتماد على قانون العقوبات؟ يعني لو وضعت كلّ متسوّل يجوب الشوارع هذه الأثناء في السجن، فهل ستنتهي الظاهرة؟
صحيح أن معظم المتسوّلين هم أعضاء في شبكات منظّمة، وما يحصلون عليه من نقود يذهب لزعماء هذه الشبكات، ولكن ألا يوجد من هو حقّاً بحاجة للمساعدة؟ أوليس الفقر الذي تفاقمه السياسات الرسميّة الاقتصاديّة هو وقود يضمن انتشار التسوّل في هشيم الشوارع؟
القضاء على ظاهرة التسوّل مهمّة وزارة التنمية الاجتماعيّة أكثر من كونه ضمن نطاق عمل وزارة الداخليّة، وليس المطلوب زجّ المتسوّلين في السجون فحسب، بل اجتراح حلول جذريّة تعالج المشاكل الاجتماعيّة التي أنتجت هذه الظاهرة.
مفهوم الدولة الحديثة يعني أن لا يحتاج الفرد لأيّ كان من أبناء المجتمع، ففي حال تدهورت أحواله تتحمّل الدولة مسؤوليّاتها تجاهه باعتباره مواطناً. أمّا تخلّي الدولة عن رعاياها فلن يدع أمام المحتاج أيّ سبيل غير سؤال، الآخرين وتحمّل وجع مذلّة السؤال.
المقاربة الأمنيّة لم ولن تكون كافية لمعاجلة ظاهرة التسوّل، أو أيّة مشكلة اجتماعيّة أخرى. ولا يخفى على أحد السبب الرئيس لمعظم مشاكلنا الاجتماعيّة والسياسيّة، إنّه النهج الاقتصادي يا جهابذة الدوّار الرابع.
وماذا عن زعماء الشبكات المنظّمة التي أنتجت هذه الظاهرة؟ دائما نقرأ أخبارا تتّصل بضبط متسوّل أو متسوّلة، ولكن لم لا نسمع أنباء تفيد بضبط زعيم شبكة ما، ممّن يهيمنون على الشوارع؟!