jo24_banner
jo24_banner

تحديات التلفزيون الأردني

داود كتاب
جو 24 :
يعود مستقبل التلفزيون والإذاعة الأردنية للصدارة بعد تعيين مجلس إدارة جديد يضم عدداً لا بأس به من الإعلاميين المستقلين ذوي توجه ليبرالي، مع تكليف الصحفي ورئيس تحرير "الجوردان تايمز”، و”الغد”، و”الرأي” سابقاً جورج حواتمة، وبذلك تنتهي مهمة وزير شؤون الإعلام محمد المومني، الذي علّق بدوره مؤكداً أن الهدف هو "ترسيخ وتعزيز الاستقلالية المؤسسية والعمل وفق أفضل حالات الاستقلالية والمعايير المهنية الموضوعية”.

لا شكّ أن تنازل حكومة الملقي عن وجود وزير في قمة مجلس إدارة التلفزيون أمر إيجابي، ويمّهد إن كان هناك فعلاً إرادة أن يتحول التلفزيون والإذاعة الى مؤسسة خدمة عامة، يعكسا إرادة الدولة بأكملها، وليس كما كان يصرّ عبد الله النسور بأن التلفزيون هو الناطق باسم الحكومة.

حتى يتم إنجاح مهمة التلفزيون بمجلسه الجديد هناك عمليات جراحية مهمة يجب العمل الفوري عليها للتقليل من الكادر والمصاريف غير الضرورية والتركيز على أهداف التلفزيون العام في خدمة المواطن.

يدفع كل صاحب بيت أو مشغل أو مؤسسة ديناراً كل شهر باسم ضريبة التلفزيون، ومن حقه أن يكون التلفزيون والإذاعة الرسميين ناطقين بأسمه ويعكسا أمانيه وآلامه وتطلعاته. الميزانية المدفوعة من المواطنين للتلفزيون تهدف إلى إبقاء أهدافه وطنية عامة من دون أن تكون محكومة بالسير السريع وراء الإثارة إرضاءً للمعلنين.
من أساسيات تلفزيون الخدمة العامة، كما تعرّفها منظمة اليونيسكو، أن تكون محميةً من الضغوطات الحكومية والتجارية. فإذا كان وضع خبراء مستقلين في مجلس الإدارة هو إشارة إلى تقليل من الضغوطات الحكومية فمن الأولى بالإدارة الجديدة أن تعلن عن تغيير سياستها التسويقية بحيث تتوقف عن سياسة الإعلانات، وتركز على بيع منتج إعلامي عربياً وعالمياً.
وللتأكد من مخاطر سياسة الإعلانات ما على أعضاء المجلس الجديد إلا أن يراقبوا لبعض الوقت التلفزيون الأردني خلال شهر رمضان ليعرفوا المستوى الهابط الذي أُجبرت إدارته للنزول إليه من أجل جباية إعلانات معتمدة بالأساس على الإثارة وليست الخدمة العامة كما هو متوخى من تلفزيون وإذاعة رسمية.
قد تكون المسابقات التي تمتص جيب المشاهد، والتي تكلّف المتصل الساعي لجوائز معينة، مبالغ باهظة سيكتشفها آخر الشهر عند وصول فاتورة الهاتف، خير دليل على المسار الخاطئ الذي أجبر القائمون على التلفزيون السير به.
قد يقول القائمون إن دخل دينار التلفزيون لا يكفي، خاصة أن الحكومة والديوان يطلبان في كثير من الأحيان تغطيات مُكلفة لنشاطات عامة ولا فائدة مادية لها. قد يكون من المطلوب من الحكومة التعامل مع التلفزيون الرسمي ليس كأداة طوعية تحت تصرفها بل كمؤسسة مستقلة يجب أن يتم التفاهم المالي في حال مطالبات من التلفزيون أن يقوم بأعمال مكلفة.
قد تكون النشاطات الإخبارية من أهم الأمور التي تحتاج إلى ثورة حقيقية. فعدد المشاهدين لأخبار التلفزيون في تراجع مستمر بسبب التركيز غير المنطقي على الأخبار البروتوكولية والتهرّب من المعالجات اليومية. وحتى في تغطيات أخبار الملك والديوان نلاحظ أن دائرة الإعلام في الديوان أكثر نجاعة، وتقدّم في أقل وقت ممكن مادة معقولة عن تحركات الملك، في حين يصرف التلفزيون في نشرة الثامنة أوقاتاً طويلة جداً في بث مشاهد بروتوكولية يمكن اختصارها كثيراً من دون المساس بالمضمون والهدف.
وفي موضوع الاستثناءات والتحزبات والقوائم السوداء فحدّث ولا حرج. كيف يمكن لتلفزيون وطن أن يقدّم أخباراً وتقارير إخبارية وفي الوقت نفسه يستثني فئات كبيرة ووجهات نظر واسعة من المجتمع، وعلى الأخص ذوي الآراء المعارضة للحكومة.. القيمة الإخبارية كما يحددها المهنيون الصحافييون هي فقط التي يجب أن تسمو على تغطيات التلفزيون والإذاعة الإخبارية، إن كان الهدف هو رفع المستوى وإعادة تأثير مؤسسة ترهلت مع الزمن، حيث سبقها تلفزيونات وإذاعات فتية رشيقة تعرف أساسيات العمل الإعلامي وتعمل على بناء مصداقية حقيقية.
يبدو أن قرار تعيين الإدارة الجديدة سحَب البساط من تحت محاولات لخلق تلفزيون الخدمة العامة أُعلن أن الزميل فهد الخيطان سيترأسه رغم استمرار الغموض حول مستقبل تلك المحطة.
إن كان هدف الدولة الأردنية إيجاد تلفزيون خدمة عامة على مثال الـ "بي بي سي” فمن المنطق والعدل أن يتم إصلاح التلفزيون الرسمي لا خلق محطة جديدة تستزف أموال دافع الضريبة، وتضاف إلى وسائل رسمية وشبه رسمية أخرى مملوكة من الجيش والشرطة والأمانة، في نفس الوقت التي يوجد هناك تلفزيون وطن وإذاعات وطنية رسمية.
لاشك أن التحدي الاعلامي في عصر العولمة مهم ومهم جداً، ولكن من الأفضل هو تعديل ما هو قائم بدلاً من خلق مؤسسات بديلة لا ضرورة لها، وتخلّ بالتوازن بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص والإعلام المجتمعي.
 
تابعو الأردن 24 على google news