يجب تغيير منظومة الإعلام ليلعب دوراً بدعم الاقتصاد
داود كتاب
جو 24 :
طالب الملك عبد الله الثاني القطاع الخاص والإعلام، بأن يلعبا دوراً أساسياً بتحديد مشروع الحزم التحفيزية لما في ذلك من رافعة مهمة للاقتصاد الوطني.
إن قدرة الإعلام على لعب الدور الذي يتوقعه رئيس الهرم السياسي في الأردن، لن يتم ما دامت المنظومة الإعلامية مبنية على أسس غير مناسبة لحاجات القرن الحادي والعشرين. فملكية الإعلام تحد بصورة كبيرة من قدرته على التأثير الفعال. كما وأن الإعلام التقليدي متأخر جدا في متابعة احتياجات المتلقي، والدولة الأردنية لا تزال بعيدة جداً عن لعب دور فعال في دعم مضمونٍ إعلاميٍ مستقلٍ وداعمٍ للتنمية. فلا يزال جل اهتمام الدولة الأردنية بإعلام رسمي لم يعد قادرا على تقديم ما هو مطلوب في عصر العولمة والرقمية.
ففي مجال ملكية الإعلام، تفتقد الدولة الأردنية عناصر ومعايير التجارب العالمية الفضلى في هذا المضمار. فالمعروف أن هناك ثلاثة أشكال مختلفة من الملكية الإعلامية لكل منها شروطها ومعايير نجاحها حسب المعايير الدولية. الملكيات الثلاث هي الإعلام الرسمي للخدمة العامة، الإعلام التجاري المبني على شروط المنافسة الحرة، والإعلام المجتمعي المملوك من مؤسسات أهلية ومجتمع مدني.
ففي مجال الإعلام الرسمي، فإن تحصيل دينار التلفزيون من كل مواطن يجب أن يقابله دور للمواطن في تحديد ما يشاهده على الشاشة وعبر الإذاعة الوطنيتين. كذلك الأمر بالنسبة إلى الصحف الرسمية المملوكة بشكل كامل أو جزئي من قبل الدولة. إن غالبية المسؤولين في الدولة الأردنية ومنهم مسؤولو الإعلام الرسمي يعتبرون أن مهمتهم بالأساس هي تمثيل الحكومة والدفاع عنها لا عن المواطن دافع رسم التلفزيون. فما دامت الحكومة هي المرجعية لمدير التلفزيون ووكالة "بترا" والصحف الرسمية، يبقى مضمون أجهزة الإعلام الرسمية محصوراً لا يتجاوز فكرة أنها بوق للحكومة لا أكثر. فإعلامنا الرسمي لا يختلف عن الإعلام السوفييتي وإعلام الدولٍ ذات الحكمٍ الشموليٍ، أي أن الاعتماد على مثل هذا الإعلام لن يوفر حلاً قويا. فالمطلوب على سبيل المثال لا الحصر، وفي أدنى حد، أن يكون لممثل الشعب في البرلمان دور بتعيين مسؤولي الإعلام الرسمي. بعض الدول تقوم بخلق مجلس للإعلام الرسمي يتم تسميته بصورة شمولية من قبل البرلمان، وللحكومة ولرئيس الدولة أدوار مختلفة تشمل وضع معايير للمجلس لضمان تمثيله للمجتمع بنسائه ورجاله بمدنه وريفه وبممثليه عن كل أقلية عرقية أو دينية أو غيرها.
أما ملكية القطاع الخاص، فهناك أيضا خطأ عضوي في السماح لمؤسسات حكومية مثل الجيش والأمن وأمانه عمان أن تنافس القطاع الخاص على الإعلان رغم أنها مؤسسات عامة يجب أن تعمل للمصلحة العامة بعيداً عن التنافس على ما هو مثير لزيادة المتابعين وبذلك زيادة الدخل. فعندما تحتكر إذاعة الأمن العام معلومات عن أزمات السير وبذلك تحصل على الإعلانات الموجهة للمواطن المتابع لها، فإن ذلك يهز المنظومة التجارية التي يجب أن تكون مبنية على المنافسة الحرة والمساواة بالفرص للجميع.
وفي المجال الثالث وهو الإعلام المجتمعي، فإن الأردن وللأسف يقف معارضاً لهذا الشكل من أشكال الملكية الإعلامية رغم وجود مؤسسات أهلية ومجتمع مدني ترغب بأن يكون لها دورٌ في الإعلام المحلي من خلال ملكية رُخصٍ لإذاعات أو تلفزيونات أو صحف. إن قانون الإعلام الحالي يحصر الترخيص للشركات الربحية والمؤسسات الحكومية كالجامعات الحكومية المعفاة من الرسوم. ورغم أن قانون الإعلام المعدل لعام 2015 أجاز إعفاء إذاعاتٍ من الرسوم إذا امتنعت عن الإعلان، إلّا أن هذا القانون لم تتم ترجمته إلى أنظمة وتعليمات من أجل تفعيله، بل وإن الحكومة رفضت طلب إذاعة محلية إعفاءها من رسوم الترخيص الباهظة رغم أنها لا تبث إعلانات . المطلوب تغيير جذري إعلامي في منظومة ملكية الإعلام. قد يكون جزءا من هذا الإصلاح دعم إعلام لا مركزي يتم خلاله توفير دعم حقيقي لإذاعات وتلفزيونات محلية تقدم خدمة للجمهور في كافة أرجاء المملكة. فالإعلام لا يزال متمركزا في العاصمة بنسب تزيد عن 80% في حين لا يتعدى سكان العاصمة سوى 40% من سكان الأردن. وما على المواطن إلا السفر من عمان إلى إربد أو العقبة لمعرفة العدد الهائل للإذاعات غير الأردنية التي يصل بثها لتلك المناطق في حين يفتقد الطيف الأردني لعدد ضئيل جدا من الإذاعات.
أما في مجال قدرة الإعلام على دعم الاقتصاد والتنمية فمن الممكن أن تلعب الدولة الأردنية دوراً إيجابيا وفعالا من خلال خلق صندوق لدعم أشكال محددة مسبقا من المضمون الإعلامي على أن يكون ذلك الصندوق متوفرا لجميع المؤسسات الإعلامية بدون استثناء وبصورة عادلة من خلال لجنة مشهود لها بالمصداقية وبمعرفة متطلبات التنمية.
قد يسأل البعض من أين سنرفد هذا الصندوق، وهناك العديد من الطرق منها الميزانية العامة والمساعدات الخارجية، ولكن من الممكن أن يتم إدخال ضريبة خاصة ضد الشركات الرقمية العملاقة مثل جوجل وفيسبوك وامازون والتي تقوم ببيع نسبة كبيرة من الإعلانات لأردنيين وموجهة للأردنيين دون دفع ضريبة مبيعات أو أي ضريبة أخرى، يمكن الاستفادة من ضريبة على تلك الشركات الرقمية لدعم صندوق التنمية الإعلامي وبذلك يمكن تحقيق هدفين. إنقاذ الإعلام الأردني من الانهيار وفي نفس الوقت توجيه الإعلام لخلق مضمون تنموي يخدم المجتمع والاقتصاد.
إن دعوة جلالة الملك للقطاع الخاص والإعلام بأن يتم إشراكهما في العملية الاقتصادية التحفيزية أمر في غاية الأهمية، ولكن كي تتم ترجمة تلك التوجيهات هناك حاجة لإصلاح عامودي وأفقي في المنظومة الإعلامية من حيث الملكية والمرجعية والمضمون الذي يخدم المجتمع بشكل كامل، بدلا من تلميع حكومات أو أفراد متنفذين في المجتمع.