لماذا لم أتفاجأ من الإهانة الإسرائيلية للنائب رشيدة طليب؟!
داود كتاب
جو 24 :
عندما يأتي اقرباؤنا من الولايات المتحدة لزيارتنا في القدس فهم دائماً يأتون مستعدين. بالإضافة الى جلب قهوة دنكن دونت المعروفة، لا يمكن أن ينسوا إحضار كتب للقراءة وأوراق الشدة. فمن تجاربهم السابقة يعرفون أنهم سيتعرضون لانتظار طويل في المعبر الإسرائيلي لجسر الملك حسين قبل السماح لهم بالدخول. وبدل أن يسمحوا لمعذبيهم التمتع بإهانتهم، يقضون ساعات الانتظار في قراءة كتاب أو لعب الشدة.
وعكس ما يعامل باقي الأمريكان فإن الأمريكان من أصل فلسطيني يتم التمييز ضدهم بصورة روتينية من خلال إجبارهم على الانتظار طويلاً وتعريضهم للتفتيش الدقيق والتحقيق المكثف.
طبعاً لا يتم السماح لكل الأمريكان من أصول فلسطينية بالدخول كما رأينا مؤخرا مع النائب الديمقراطي من ميتشغان رشيدة طليب. فرسالة الإذعان والإهانة التي أجبرت على توقيعها والتي تشمل طلبها الإذن لأسباب "إنسانية" لرؤية جدتها البالغة من العمر 90 عاماً هو أمر طبيعي للفلسطينيين المعتادين على صعوبات التنقل منذ أكثر من نصف قرن. فلا عجب أنها أعادت النظر بقرارها وقررت عدم السفر تحت التقييدات الإسرائيلية.
عندما يتم إيقاف أخي - وهو محامٍ في الستينات من عمره وعضو في نقابتي المحامين في نيويورك وإسرائيل - على حاجزٍ إسرائيلي من قبل مجند إسرائيلي في الثامن أو التاسع عشر من عمره، فهو يتجاوب مع تعليمات الجندي بحذافيرها قائلاً "أنا أحترم سلاحكم" بينما توجه له أسئلة غير منطقية من قبل الجندي على الحاجز.
من الطبيعي أن العديد ممن ولدوا في فلسطين أومن يرغبون في زيارة فلسطين يتجنبون العناء ليس فقط لأنهم سيتعرضون لتجربة "انتقائية" إسرائيل في تنفيذ "سيادتها" بل لأنهم لا يريدون رؤية بلدهم الأصلي تحت الاحتلال.
إن قرارات إسرائيل الانتقائية أمر مألوف جداً لي. ففي مناسبتي عقد قران ابنتي حاولنا ترتيب زيارة العائلة والأصدقاء من الأردن لمشاركتنا أفراحنا. ورغم أننا أرسلنا قوائم المدعوين للمسؤولين الإسرائيليين قبل مدة كافية من الموعد إلا أن الموافقة جاءت في آخر لحظة وشملت رفض عدد من المدعوين دون إبداء الأسباب. فرجل سمح له بالسفر ولكن زوجته منعت وقس منع مع زوجته كما تم منع صديق للعائلة في السبعين من عمره.
رغم صعوبة الموقف، إلا أنني أتعاطف مع قرار طليب الأولي بتوقيع رسالة تطلب من وزير الداخلية الإسرائيلي السماح لها بالسفر "لأسباب إنسانية". أنا متأكد أن النائب طليب عضّت على شفتيها كما نفعل نحن عندما نتلقى الإهانات الإسرائيلية لرغبتها بلقاء عائلتها والقيام بمهامها البرلمانية. من المفترض أن زيارة القريب هو أمر طبيعي روتيني لا يتطلب رسالة استرحام على "أساس انساني"، لكن هذا ليس هو حال غالبية الشعب الفلسطيني. طبعاً اكتشفت النائب طليب وبسرعة التقييدات الإسرائيلية وتمردت ضد القرار وألغت زيارتها.
الفلسطينيون في القدس ممن يحملون الإقامة الإسرائيلية كما هو حال ابنتي على سبيل المثال، يواجهون صعوبات في تنشئة عائلاتهم. الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بحق الزوجين الفلسطينيين في العيش معاً وأن ذلك حق إنساني. فقوانين إسرائيل شديدة القسوة تمنع ذلك وبموافقة المحكمة العليا الإسرائيلية. فمواطن الضفة الغربية الفلسطيني لا يسمح له أو لها المبيت في القدس الشرقية مع شريك الحياة إلى أن يصل الرجل سن ال 35 والفتاه سن 25.
من المفترض أن التنقل لفلسطين وهي دولة معترف بها من قبل 140 دولة عضو في الأمم المتحدة لا يتطلب موافقة إسرائيل. وإن كان لا يزال لأحد شكاً بوجود احتلال لدولة فلسطين فإن قرار الحكومة الإسرائيلية بمنع نواب من الكونغرس الأمريكي زيارة فلسطين يثبت ما تحاول إدارة ترامب إنكاره. القرارات حول الحق في دخول الأراضي المحتلة بما فيها غزة يجب ألا يكون حكراً لإسرائيل. ولغاية إيجاد حل دائمٍ، ربما المطلوب هو وجود معايير شفافة يراقب تطبيقها من قبل لجنة دولية.
أيضاً من المقلق أن إسرائيل أدخلت شرطاً إشكالياً. ففي القسم الثاني من رسالة طليب لوزير الداخلية الإسرائيلي طلبت إسرائيل من النائب طليب "الالتزام بعدم الترويج لمقاطعة إسرائيل خلال الزيارة. وإن إخضاع نائب أمريكي إلى السلطات الإسرائيلية أمر منافٍ للتعديل الأول في الدستور الأمريكي الضامن لحرية التعبير كما أنه مخل بحقها كمشرع ذي حصانة. لم يفاجئني هذا الشرط ولكنني متأكد أن الأمريكان سيتفاجأون من حليف يضع مثل هذه الشروط على نائب للكونغرس منتخب من الشعب.
إن محاولات إسرائيل إسكات من يدافع عن الحق الفلسطيني أمر اعتيادي. فقد تم اعتقال شعراء وضرب وإطلاق الرصاص على صحفيين وإلغاء ندوات ثقافية من قبل إسرائيل وتحت حجج واهية متنوعة.
رغم أن الفلسطينيين قد اعتادوا على الإهانات الإسرائيلية المتكررة إلا أن ذلك لا يعني أنها محقة أو مقبولة. هذه الإهانات ستزيد من عزيمة الشعب الفلسطيني للكفاح بطرق لا عنفيه للحصول على دولة مستقلة أو المشاركة بحقوق كاملة في دولة واحدة. إن العيش تحت الاحتلال يجب ألا يتم قبوله تحت أي ظرف.
** المقال مترجم من الواشنطن بوست