الملقي ولعبة الاستسهال
جو 24 :
تامر خرمه- البحث عن أسهل الحلول، حرفة أتقنتها كافّة الحكومات التي يعاد تدويرها وتبديل وجوه أعضائها منذ زمن، حتّى بات الدوار الرابع توّاقاً لاحتضان من يكلّف نفسه عناء جهد يسير، من أجل ابتكار حلول حقيقيّة للأزمات الاقتصاديّة المتلاحقة.
"إرفع الأسعار"، هي الجملة الوحيدة التي تتبادر إلى ذهن كلّ رئيس عند مواجهة أيّ مطبّ اقتصادي، وكأن الحلّ عقد قرانه على جيب المواطن إلى الأبد. صنّاع القرار يأبون مجرّد التفكير خارج "الصندوق"، بل ويمعن كلّ زائر يمرّ على السلطة التنفيذيّة، بزيادة الأعباء الماليّة على الناس.
رئيس الحكومة السابق د. عبد الله النسور كان محترفاً بهذه اللعبة، وسبّاقاً إلى اتّخاذ القرارات غير الشعبيّة، فما هو جديد حكومة الملقي؟ وما هو مبرّر استبدالها بالحكومة الراحلة؟!
طبعاً في ظلّ غياب أّيّ تصوّر أو أّيّة رؤية حقيقيّة، لن يكون أمام جهابذة الرئاسة إلاّ اللجوء للعبة الاستسهال، وتحميل الناس مسؤوليّة حلّ الأزمات. إذا كان هذا هو واقع الأمر، ومادام المواطن هو من يتولّى حلّ مشاكل الدولة، فما الحاجة إذاً لوجود الحكومات؟!
كلّما عادت الحكومة إلى أحضان صندوق النقد الدولي، كلّما تفاقم العجز والمديونيّة!! المشكلة أنّه لا يوجد من يرغب بالتعلّم من الدروس السابقة. كثيرة هي القرارات التي ارتفعت بموجبها الأسعار إلى درجات هائلة، فهل انتهت الأزمة؟ وهل حلّت مثل هذه القرارات المعضلات المتجذّرة؟!
ما الذي تغير حتّى الآن؟ كلّ ما حقّقته هذه القرارات غير الشعبيّة هو إرهاق الشعب وتدمير فرصه للعيش بكرامة. بل وخلق مشكلات اجتماعيّة خطيرة، فلا يكاد يمرّ يوم حتّى تقرأ نبأ عن انتحار مواطن، أو وقوع جريمة، أو مشاجرة مسلّحة، أو ضبط كميّات كبيرة من المخدّرات...
هذه نتائج سياسات الحلول السريعة التي يدفع المجتمع ثمنها، فالأسعار في سباق دائم مع الريح، أمّا دخل المواطن فمازال متشبّثاً يعجز أيّ كان عن زحزحته من موقع!!
لم يبق بمقدور الناس شدّ الأحزمة بعد اليوم، فالجميع باعوا "الأحزمة" لشراء الخبز والحليب وتسديد فواتير لا تعرف الرحمة في أرقامها. ويستمرّ مسلسل خنق الناس والضغط عليهم لدفعهم إلى ما قد لا تحمد عقباه، وكأن السلطة التنفيذيّة تصرّ على اختلاق فوضى هدّامة.
ولا يعلم أحد السرّ الكامن وراء إصرار الحكومات المتعاقبة على غض الطرف عن أيّة حلول ممكنة، بعيداً عن جيب المواطن، كترشيد الإنفاق الحكومي مثلاً، أو مراجعة الإنفاق على المؤسّسات المختلفة، ومراجعة سياسة الإنفاق الرأسمالي والإنفاق الجاري. يببدو أن الخطّة الاقتصاديّة الوحيدة لدى حكومة الملقي هي ذات الخطّة التي التزم بها كلّ من سلفه، وهي استحضار المزيد من وصفات التأزيم.