مسرحيّة الجينات.. كوميديا التسحيج للملقي
جو 24 :
تامر خرمه- أقلام "التسحيج" بدأت بمحاولة تبرير ما باشر به رئيس الوزراء، د. هاني الملقي، عهده السياسيّ، من قرارات تناقض المصالح الشعبيّة، وتكرّس سنّة الانحياز للأثرياء، وأبناء طبقة "الكريما"، عبر تعميق الفجوة الطبقيّة، والاعتداء على قوت الناس.
أوّل ما ندى عن الرئيس الجديد من قرارات تمثّل برفع أسعار العديد من السلع الأساسيّة، وإبرام صفقة "صندوق الاستثمار"، التي تمنح المستثمر الأجنبي فرصاً مجّانيّة لتحقيق الربح السريع، دون أيّ مقابل أو عائد بالخير على الناس.
ولكن أقبح ما في الأمر، هو تحميل صندوق النقد الدولي وحده مسؤوليّة قرارات رفع الأسعار، وكأن الصندوق شرطيّاً ساديّاً، يفرض على الحكومات المتعاقبة الولاء والطاعة، وكأن لا حول ولا قوّة لهذه الحكومات، التي تزعم أن تطبيق ما تمليه المؤسّسات الماليّة الدوليّة قدر لا مفرّ منه.
لا يا عزيزي، توجد لديك مساحات واسعة للمناورة، "الصندوق" يطلب منك أرقاماً محدّدة، سواء فيما يتّصل بالعجز أو المديونيّة أو إجمالي الناتج المحلّي، وما عليك فعله هو وضع تصوّر وخطّة عمل ناجعة، ترتقي باقتصادك إلى الأرقام المطلوبة، حتّى يتسنّى لك اقتراض ما تشاء.
ولكن غياب الرؤية الواضحة، أو ربّما "الكسل" الذي يمنع الحكومات من اجتراح الحلول، والاستسهال عبر إصدار قرارات عبثيّة كقرار رفع الأسعار، تتحمّل مسؤوليّتها جهابذة الدوّار الرابع، الذين لا يرغبون في "التفتيش" عن حلول أخرى، خوفاً من غضبة أثرياء يحرّمون مسّ أرباحهم بالضرائب العادلة. أمّا الفقير فهو لقمة سائغة يسهل على الساسة العبث بقوته.
مقاربة "الحلّ السريع" وتحريم المساس بمصالح المتنفّذين، مقابل التغوّل على الغلابى، هو ما دفع الإعلام إلى انتقاد الملقي منذ وصوله إلى منصبه، والمباشرة بإصدار قراراته غير الشعبيّة، وليس لأنّ الرجل لا ينتمي إلى "عشائر" و"حمائل" بعينها، كما زعم البعض مؤخّراً.
مبرّر سمج، أوردته أقلام "التسحيج" في تفسيرها المزعوم لأسباب انتقاد حكومة الملقي. محاولة الدفاع عن الرجل بحجّة أنّه من أصول ومنابت معيّنة، ليست سوى مساع بشعة، تندرج في إطار محاولات زرع الفتة في المجتمع.
رئيس الوزراء السابق، د. عبدالله النسور، ينتمي لإحدى أهمّ العشائر الأردنيّة، ولكن هذا لم يضع الرجل فوق حقّ نقد أيّة شخصيّة عامّة، فالمسألة ليست شخصيّة، ومن يختار تولّي مهمّات منصب رسميّ، عليه تقبّل النقد، فهو في النهاية مكلّف من الناس لإدارة شؤونهم، أو على الأقل هذا ما يقوله الدستور بعبارة "الشعب مصدر السلطات".
وعندما يكلّفك المجتمع بإدارة شؤونه، وتقبل أنت بذلك، فعليك الالتزام بهذا العقد، والعمل على تحقيق مصالح الناس بإدارتك، وليس إرهاقهم بقرارات منحازة ضدّ خبزهم وكرامتهم، ففي هذه الحال من الطبيعي أن يطالك النقد، بصرف النظر عن هويّتك أو أصلك ومنبتك.
ما فعله الملقي حتّى الآن، لا يقتصر على البعد الاقتصادي، بل تجاوزه إلى مصادرة أبسط حقوق الإنسان، كحقّ حريّة الرأي والتعبير، وما يحدث في ذيبان مثال فاقع على هذا. صحيح أن عمل قوّات الدرك لا تقع في نطاق صلاحيّات الحكومة، ولكن هذا لا يعفي الحكومة من مسؤوليّاتها المتّصلة بمعالجة الأسباب، التي دفعت الناس إلى الاحتجاج في ذيبان، والعمل أيضاً على ضمان حق حريّة الرأي والتعبير، وعدم السماح لأيّة جهة بمصادرة هذا الحق.
ليبراليّة عرفيّة.. هذا ما يمكن أن نصف به المنظومة السياسيّة التي حدّدت عمل كافّة الحكومات المتعاقبة على حكومة علي أبو الراغب، والملقي لم يحد عن نهج هذه المنظومة، وهذا ما يجعل الرجل موضوعاً للنقد، وليس أصله أو "فصله". سياسات تجويع وقمع أمنيّ، يحاول البعض تبريرها والدفاع عن مقترفيها عبر مسرحيّة "الجينات" الوراثيّة! هنا تعجز الكلمات عن التعبير، بل تعتري اللغة صفعة الدهشة، أمام فداحة المشهد!!