jo24_banner
jo24_banner

احتلال إسرائيل لحوض اليرموك وتداعياته على الأمن المائي في الأردن #عاجل

احتلال إسرائيل لحوض اليرموك وتداعياته على الأمن المائي في الأردن #عاجل
جو 24 :


كتب أحمد عبد الباسط الرجوب * 

في ديسمبر 2024، تغير المشهد السياسي في الشرق الأوسط بشكل كبير مع انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وشنت إسرائيل عمليات عسكرية، واستولت على أراضٍ رئيسية بما في ذلك محافظة القنيطرة ومنطقة جبل الشيخ، حيث رأت إسرائيل الفرصة للتوسع مجدداً، وقام الجيش الإسرائيلي باحتلال المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، ثم تجاوزتها باحتلال جبل الشيخ السوري ومناطق في أرياف درعا، وصولاً إلى مشارف دمشق.

وفي حين بررت إسرائيل أفعالها بأنها ضرورية لأمنها - مشيرة على وجه التحديد إلى اتفاقية فصل القوات لعام 1974 التي أعقبت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 - فإن تداعيات هذا الاحتلال تمتد إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة. ومن بين المخاوف الأكثر إلحاحًا احتلال حوض اليرموك، والذي له آثار عميقة على الأمن المائي المتوتر بالفعل في الأردن، وهي دولة تواجه ندرة مزمنة في المياه تفاقمت بسبب الصراعات الإقليمية وتدفق الملايين من اللاجئين.

الاحتلال يركّز توغلاته في المنابع والسدود المائية الرئيسية جنوبي سوريا

توغل الجيش الاحتلال باتجاه حوض نهر اليرموك وسيطر أيضاً على أهم المنابع المائية العذبة الموجودة في جنوبي سوريا في حوض اليرموك ، وأصبح مسيطراً على مجرى النهر وسد الوحدة القريب من الحدود الأردنية.

أكدت بعض المصادر المطلعة انسحاب جزء من قوات الاحتلال الإسرائيلي من محور "سد الرقاد" المجاور لصيدا الجولان أقصى ريف القنيطرة الجنوبي ، وتوجهت القوات المنسحبة إلى " تل الساقي " في الجولان المحتل المشرف على حوض اليرموك وريف القنيطرة الجنوبي في حين ابقت قوات الاحتلال على جزء آخر من قواته في المحور الممتد بين ثكنة 74 ووادي الرقاد ووادي طعيم"، وبهذا يتبين أنّ توغلات الاحتلال "تتركز في المنابع والسدود المائية الرئيسية جنوبي سوريا.

يُعد حوض اليرموك منطقة جغرافية ذات أهمية استراتيجية بارزة في الريف الغربي لمحافظة درعا جنوب سوريا، ويشكّل جزءًا من الحدود الطبيعية بين سوريا والأردن. يمتد الحوض كجزء من وادي نهر اليرموك، الذي يُعتبر من أكبر روافد نهر الأردن.

إنّ منطقة حوض اليرموك ليست مجرد ممر جغرافي، بل تُعد نقطة تقاطع مهمة لمصالح مائية وزراعية وأمنية في المنطقة، ما يجعلها محل نزاع دائم بين الأطراف المتنافسة، لا سيما مع محاولات السيطرة الإسرائيلية المتكررة على أجزاء منها.

يحمل نهر اليرموك، الذي ينبع من بحيرة مزيريب في درعا، أهمية حيوية لكونه المصدر المائي الرئيسي الذي يغذي الأراضي الزراعية ويوفر مياه الشرب لمناطق في درعا والسويداء في سوريا، بالإضافة إلى شمال الأردن.

يقطع النهر مسافة 57 كيلومترًا، منها 47 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، فيما يشكل المتبقي جزءًا من الحدود السورية الأردنية. على ضفافه، أقامت سوريا عددًا من السدود، أبرزها سد اليرموك، إلى جانب سد الوحدة الذي يُعد الأكبر، وتصل طاقته التخزينية إلى 225 مليون متر مكعب.

كانت إدارة مياه نهر اليرموك موضع خلاف، فقد أُبرمت اتفاقيات لتنظيم استخدام المياه، إلا أن تنفيذها واجه تحديات كبيرة، أبرزها التوترات السياسية والتغيرات المناخية التي أثرت على كميات المياه المتدفقة.

في عام 2011، أقامت الحكومتان السورية والأردنية مشروع "سد الوحدة" على نهر اليرموك، بهدف تعزيز تخزين المياه والتحكم في تدفقها، وهو مشروع استراتيجي تم إنشاؤه في ريف درعا الغربي. لكن تزامن إنشاء السد مع اندلاع الاحتجاجات في درعا، مما جعل المنطقة مركزًا للأحداث العسكرية والسياسية.

تُستخدم هذه السدود في ري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، تقدر بحوالي 13,640 هكتار، فضلاً عن تزويد القرى المحيطة بمياه الشرب عبر شبكات ضخ رئيسية مثل "خط الثورة" الذي يمتد من الحوض إلى مدينة درعا وريفها وصولًا إلى ريف السويداء.

من الناحية التاريخية، تُعرف المنطقة أيضًا بمعركة اليرموك الشهيرة التي وقعت عام 636 ميلادي، حيث قاد خالد بن الوليد جيش المسلمين في معركة حاسمة أنهت السيطرة البيزنطية على بلاد الشام، مما أضفى على المنطقة أهمية عسكرية وتاريخية استثنائية.

السياق التاريخي: سيطرة إسرائيل على موارد المياه

لطالما كان استغلال موارد المياه في صميم استراتيجيات إسرائيل الإقليمية. فمنذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، أعطت إسرائيل الأولوية للسيطرة على موارد المياه المشتركة، وهي سياسة راسخة بعمق في مفهوم الحركة الصهيونية للأمن الإقليمي والموارد. وفي عام 1953، بدأت إسرائيل في بناء الناقل الوطني الإسرائيلي للمياه، وهو مشروع بنية تحتية ضخم مصمم لتحويل المياه من بحيرة طبريا (المعروفة أيضًا باسم بحر الجليل) إلى جنوب إسرائيل، وبالتالي تعزيز السيطرة على مياه نهر الأردن والتآكل المتسارع للبحر الميت الذي يصله اليوم 20-200 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، أي في أفضل الأحوال 15% من كمية المياه التي كانت تصله بداية الخمسينيات (1300 مليون متر مكعب سنويًا وقد مثل هذا بداية هيمنة إسرائيل على موارد المياه الإقليمية، والتي اشتدت مع احتلال مرتفعات الجولان في عام 1967.

سرعان ما تحولت المياه إلى موضوع أساسي للصراع بين «إسرائيل» ودول المنطقة، أدى في عدة مناسبات إلى اندلاع مواجهات عسكرية واسعة. وفي العام 1953 رأت الولايات المتحدة أن الفرصة قد حانت لتتدخل في المنطقة وتبسط هيمنتها عليها، فقدمت للدول المتصارعة اقتراحًا بتحويل المياه من محط للصراع إلى موضوع للشراكة الاقتصادية، بما يؤدي لتثبيت وجود «إسرائيل» وتجاهل الصراع. كما شكل تدخل الولايات المتحدة في قضايا المياه أساسًا للعلاقة الثنائية مع الأردن، مقدمةً دعمًا ماليًا وإداريًا وتقنيًا لبناء منشآت مائية لاستغلال مياه اليرموك، لضمانه حليفًا لها.

على عكس بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا مهتمتين بنهر اليرموك كفاصل حدودي يكرّس ويحفظ مناطق نفوذها، كانت الحركة الصهيونية مهتمة بالنهر بذاته كمصدر ثروة يجب احتكار استغلاله، لذا بذلت وسعها لإقناع القوى الاستعمارية بمنحها عقد امتياز يخولها مصادرة النهر من المجتمعات المحلية المحيطة به، مخضعة إياه عبر البنى التحتية اللازمة ليكون أحد العناصر الارتكازية في بناء مشروعها المتمثل بوطن قومي لليهود. 

بعدما فشلت الحركة الصهيونية في إقناع بريطانيا وفرنسا بشمول أنهر الأردن والليطاني واليرموك في جغرافيا فلسطين الانتدابية خلال مؤتمر باريس عام 1919، سارعت الحركة الصهيونية لاستدراك هذه النتائج بالحصول على عقد احتكار يثبت «حقها» في استغلال مياه الأردن واليرموك.

هنا، يظهر اسم بنحاس روتنبرغ. فهذا المهندس الروسي، والاشتراكي الذي تحول لرجل أعمال وسياسي صهيوني بارز، اقترح ونفذ أولى المنشآت التي بنيت لاستغلال مياه نهريْ اليرموك والأردن. إذ حصل عام 1926 على عقد امتياز مدته 70 عامًا لاستغلال مياه النهرين في توليد الكهرباء عبر طاقة المياه، ومن ثم إيصالها إلى مناطق " فلسطين الانتدابية ".

الاستغلال الإسرائيلي العدواني لحوض اليرموك وتداعياته على الأمن المائي في الأردن

كما يعلم الجميع بأن الماء بالابن البكر للصراع العربي الإسرائيلي. وبقراءة تاريخ هذا الصراع، يمكن القول بأن البحث عن المياه والاستيلاء على الأرض كانا دومًا مرتبطين ارتباطًا عميقًا. وبما أن حياة الناس تعتمد على قدرة الدول على توفير الأمن والحماية لأمنها الغذائي واستقلاليتها ومصادر طاقتها، فإن العنصر الاول هو السيطرة على مصادر المياه يعتبر بالتالي أمرًا حيويًا وحاسمًا. أما العنصر الثاني، التاريخي والأيديولوجي المتمثل بالأرض وزراعتها، فقد كان دومًا العمود الأول والأهم في العقيدة الصهيونية.

كما سبق ذكره، تحتل المياه مكانًا أوليًا في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، وغالبًا ما تحركه. فكلما شحت المياه في المنطقة العربية، توسع البحث لإيجاد مدخل إليها. لقد أدركت الحركة الصهيونية أهمية المياه منذ البداية. لذلك، كانت كافة المخططات التي أعدتها تؤهلها للاستيلاء على موارد المياه في فلسطين والبلدان العربية المجاورة.

ويمكن القول إن هذه المساعي أخذت ثلاثة أشكال: المقاربات السياسية، ومشاريع تحويل المياه تحديدًا من نهر الأردن، وعرقلة المشاريع المائية العربية المشتركة.

ومع تكثيف العمليات العسكرية مؤخرًا في جنوب سوريا، شددت إسرائيل سيطرتها على حوض اليرموك. ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل، استناداً إلى تاريخها في الاستيلاء على المياه العربية، قد تعبث في مجاري المياه السطحية والجوفية الامر الذي يؤثر على الوضع المائي الجوفي في حوض مياه اليرموك.

إن استنزاف المياه الجوفية في حوض اليرموك يهدد بشكل مباشر أمن الأردن المائي، وهو بلد يعاني بالفعل من أحد أعلى مستويات ندرة المياه في العالم. إن انخفاض تدفق المياه في حوض اليرموك وروافده يعطل عمليات التخفيف الطبيعية، مما يؤدي إلى تركيز الملوثات في أنظمة المياه المشتركة. وهذا لا يقوض جودة المياه فحسب، بل يعرض أيضًا السكان الذين يعتمدون على هذه الموارد لمخاطر صحية وبيئية أكبر.

الأردن، الذي يستضيف بالفعل أكثر من 4 ملايين لاجئ من سوريا والعراق وفلسطين، معرض بشكل خاص لهذه التطورات. وقد أدى تدفق اللاجئين إلى تفاقم تحديات ندرة المياه في البلاد، مما وضع ضغوطًا هائلة على البنية التحتية للمياه المثقلة بالفعل. ومع تزايد عدد السكان وتضاؤل الموارد، يواجه الأردن مستقبلًا غير مؤكد ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الأزمة.

إن العواقب الاقتصادية والإنسانية المحتملة للاستغلال المستمر لحوض اليرموك شديدة. فالمياه مورد أساسي للزراعة والصناعة والحياة المنزلية. مع تزايد القيود المفروضة على وصول الأردن إلى موارده المائية، فإن إنتاج الغذاء سوف يعاني، وسوف تتعرض الصناعات التي تعتمد على المياه للخطر، وسوف تستمر نوعية حياة الملايين في التدهور.

نداء للتعاون الإقليمي والعمل

لا يمكن فهم احتلال حوض اليرموك بمعزل عن الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً. إن الاستغلال الاستراتيجي الإسرائيلي لموارد المياه يشكل جزءاً من نمط أوسع من السيطرة الإقليمية واحتكار الموارد. ومع ذلك، فإن أزمة المياه في الأردن ليست مجرد قضية سياسية ــ بل هي مسألة بقاء لملايين البشر في المنطقة.

إن معالجة أزمة الأمن المائي تتطلب نهجاً شاملاً يجمع بين الجهود الدبلوماسية والابتكار التكنولوجي والتعاون الإقليمي. ويتعين على الأردن أن يواصل الدفاع عن حقوقه في موارد المياه المشتركة في حين يسعى إلى الحصول على الدعم الدولي للضغط على إسرائيل لوقف استغلالها العدواني لحوض اليرموك. وفي الوقت نفسه، يتعين على الأردن أن يستثمر في حلول إدارة المياه المستدامة، مثل تحلية المياه وإعادة تدوير المياه وتقنيات الري الفعّالة، للتخفيف من آثار ندرة المياه.

وفي الختام، فإن احتلال حوض اليرموك وتلاعب إسرائيل بموارد المياه يشكلان أزمة صامتة ولكنها عميقة تهدد بقاء سكان الأردن واستقراره الاقتصادي. يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك خطورة هذه القضية وأن يعمل معا لضمان حماية موارد المياه في الأردن، ليس فقط لصالح مواطنيه بل ولصالح مستقبل المنطقة بأسرها. ومن خلال العمل المتضافر والمنسق فقط يمكن استعادة التوازن الهش في مجال الأمن المائي في الشرق الأوسط والحفاظ عليه للأجيال القادمة.


* الكاتب خبير استراتيجيات المياه

كلمات دلالية :

  • احتلال إسرائيل لحوض اليرموك وتداعياته على الأمن المائي في الأردن #عاجل
  • احتلال إسرائيل لحوض اليرموك وتداعياته على الأمن المائي في الأردن #عاجل
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير