مشروع الناقل الوطني للمياه رسائل تنموية وتعزيز الامن المائي المستدام...
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
هل نحن من دول الفقر المائي؟
مشروع الناقل الوطني للمياه "العقبة – عمان" لتحلية ونقل المياه رسائل تنموية وتعزيز الامن المائي المستدام...
يواجه الاردن مأزقا حقيقيا في تأمين موارده المائية التي بدأت تشح وتنضب تدريجيا لعوامل طبيعية عديدة حيث برزت العديد من التحديات التي تواجه قطاع المياه ومن هذه التحديات ما يلي:
- تلبية الطلب المتصاعد على المياه والنمو السكاني المتسارع وموجات النزوح من اللاجئين العرب وارتفاع مستوى المعيشة
- ندرة الموارد المائية الطبيعية وقلة الموارد المائية المتجدِّدة
- التغير المناخى
- الاعتماد المتزايد على المياه الجوفية
- قوى مؤثرة داخل قطاع المياه (انخفاض كفاءة الاستخدام ، وانخفاض استرجاع التكلفة).
الوضع المائي في الأردن يمثل التحدى الاكبر والنموذج الاكثر قساوة حيث ان حصة الفرد الأردني تعتبر من الاقل في العالم ولا تتجاوز 15 % من مستوى خط الفقر المائي الذي حددته المنظمات الدولية بــــــ 1000 م3 سنوياً ، فيما حذرت دراسات دولية من تراجع حصة الفرد في الأردن والتي قد تصل إلى 60 متر مكعب سنويا بحدود عام 2040، في ظل استمرار الأوضاع المائية الحالية، من حيث الموارد المائية المتوفرة ومعدلات الطلب الطبيعية المتوقعة..
يواجه الاردن عجزًا مائيًا يتفاقم بشكل سنوي، وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى اختلال الميزان التجاري في المواد الغذائية من أجل احتساب الخلل في ميزان الموارد المائية والسكان. وفي هذا السياق تشير التقديرات إلى فقدان حوالي 50 % من المياه بسبب وجود اهتراء وكسور شبكة الأنابيب والتسرب في نظام النقل والتوزيع بالاضافة الى الفاقد الاداري، فاقد المياه ( الفني والاداري) هو مصدر مائي هام جدا وهو يشكل 50% من الكميات المضخوخة في الشبكات حوالي 520 مليون متر مكعب وعليه تكون كميات المياه المفقودة بحدود 250 مليون متر مكعب ، حيث يمكن تعزيزها في شبكات المياه من خلال وضع خطة محكمة " خارطة طريق" ثلاث سنوات مثلا للوصول الى فاقد مياه تناقصي بمعدل 8 % سنويا يصل الى 25% ما يعادل 62 م م3 سنوياً وعلى امتداد رقعة الوطن وايضا تخفيض الفاقد الفني ليصل الى 9% ، والفاقد الاداري الى 16% لتصبح نسبة اجمالي الفاقد 25%... (تركيب عدادات ذكية على جميع مصادر المياه وعلى مداخل شبكات التوزيع)..وهنا لا اتفق ما ما جاء في استراتيجية المياه التي دشنتها وزارة المياه والري في العام 2023 بخصوص سياسة تخفيض الفاقد المائي وبحضور جمع مهلل من الخبراء وهواة الاستراتيجيات المائية..
كما أن أنظمة الري بالغمر في زراعة الحقول المفتوحة غير فعالة من الناحية الفنية، وتشير الأبحاث إلى تبخّر ما يقرب من 50٪ من المياه المستخدمة في الري خاصة في الاغوار.
في اطار برامج الاستدامة المائية في بلادنا وبما يتوافق مع الاستراتيجية الأردنية الوطنية للمياه لمواجهة التغييرات المناخية وشح المصادر والزيادة السكانية ، فقد أعلنت وزارة المياه والري الأردنية، عن إطلاق المشروع الوطني الناقل للمياه من "البحر الأحمر" (مشروع العقبة – عمان لتحلية ونقل المياه)، كأضخم مشروع للتزود بالمياه في تاريخ الأردن، وفي التفاصيل فإن نطاق عمل المشروع يهدف لتحلية مياه العقبة بطاقة 350 مليون متر مكعب سنوياً، في المرحلتين الأولى والثانية، من خلال ناقل وطني جديد في موازاة خط نقل مياه الديسي (في حرم مسار الخط الناقل لمياه الديسي العامل حاليا) الامر الذي يعطي وزارة المياه اريحية في تنفيذ الخط الوطني ويغنيها عن الاستملاكات واثمان الاراضي " توفير اموال طائلة " لتنفيذ هذا المشروع الوطني مدار البحث ...
ومن الجدير ذكره بان مجلس الوزراء قرَّر مؤخرا السَّماح للجنة الشِّراء الخاصَّة بمشروع النَّاقل الوطني بفتح العرض المحدَّث المقدَّم من ائتلاف شركة (MERIDIAM-SUEZ) وتقييمه وان تقوم لجنة العطاءات الخاصة المشكلة لمشروع الناقل الوطني بدراسة العرض المحدث والمطور الذي يأتي ردا على الملاحظات التي قدمتها لجنة العطاءات الخاصة للائتلاف الذي تقدم للمشروع.
ومن وجهة نظرنا يعد هذا المشروع مهما للتزويد المائي في الاردن، كونه لم يتبق لدينا بدائل للتزود بمصادر مائية، آمنة ومستدامة من داخل الحدود الوطنية إلا عبر تحلية مياه البحر الأحمر (كخيار استراتيجي لتوفير الاحتياج الوطني من المياه) ونقلها إلى المحافظات المختلفة لتعويض الارتفاع المتزايد في الطلب على المياه.. وفي هذا الصدد اعيد التأكيد على ما كتبته في مقالي في هذه الصحيفة الغراء بتاريخ 19/9/2022 (هل ينذر 2023 بالعطش والجفاف وهل من حلول استراتيجية للخروج من «عنق الزجاجة)؟ انني لا زلت عند رأيي في هذا الاطار ويشاركني الكثير من الخبراء الضالعين في استثمارات قطاع المياه هو :
– ملائمة مشروع الناقل "الوطني” للمياه بكلفته عند العداد مقارنة بدخل المستهلك، فإذا تجاوزت ٣٪ يكون المستهلك بحاجة للدعم، وإذا دخلت الخزينة لتزويد هذا الدعم فهو حل خاطئ.
– من الافضل تأسيس شركة مياه وطنية قابضة (للمستثمرين الاردنيين والاجانب) وعلى غرار شركة مصفاة البترول وشركة الكهرباء الوطنية لتاخذ على عاتقها السير باجراءات التفاوض والاعلان والترسية للمشروع..
- لا بد من التفكير الاقتصادي الاستثماري في هذا المشروع حيث من المفيد والافضل (نقترح) تنفيذ هذا المشروع من خلال شركة المياه الوطنية الاردنية
(National Water Company (JNWC Jordan شركة مساهمة عامة محدودة المسؤولية..(تطرح للاكتتاب)..
. الخطة التنفيذية للمشروع :من خبرتنا في المشاريع الكبرى (Mega Projects) ، فاننا نقترح تقسيم نطاق العمل كما يلي:
1. مقاول لبناء محطة إنتاج المياه المحلاة بطريقة التناضح العكسي (SWRO) نظراً لأنها تحتاج لطاقة أقل بنحو 90% مقارنة بتقنية التقطير الومضي مما يجعل هذا الخيار الأفضل لتحلية المياه... والحصول على أدنى سعر تنافسي عالمي بحدود 0.277 دولار أميركي للمتر المكعب من المياه المحلاة.. وهنا نتكلم عن التكاليف الرأسمالية والتي تشمل تكاليف عملية الإنشاء والمواد والمعدات المستخدمة في محطات التحلية، وهنا ومن خلال خبرتنا بانشاء محطات تحلية المياه بحجم مشروعنا يتراوح المعدل العالمي لهذه التكاليف ما بين 1000 إلى 1200 دولار للمتر المكعب من السعة الإنتاجية للمحطة. ويعتمد على عدة عوامل منها موقع المحطة وطبيعة الموقع وبعد المحطة عن خط الشاطئ ونوعية المياه في البحر وتوافر المعدات والأدوات في السوق المحلي وعدد آخر من العوامل يختلف من محطة إلى أخرى...
2. مقاول لتنفيذ الخط الناقل وملحقاته من محطات ضخ ونظام (سكادا الكتروني) وانظمة الحماية، مع ما يتصل من مجسات انذار مبكر لغايات التشغيل والمراقبة.. ويأخذ خط النقل مسارا موازيا لخط نقل مياه الديسي..
نقدر عاليا للحكومة ممثلة بوزارة المياه التفكير في هكذا مشاريع رائدة عملاقة في بلادنا لسبب بسيط هو التخطيط المسبق لمواجهة الشح المائي في البلاد ، فقد شكلت ندرة موارد المياه المتجددة، مقترنةً بالمعدل الضئيل لتساقط الأمطار ومعدلات التبخر المرتفعة، وضعاً يتسم بنقص مزمن في المياه، وهو ما دفع البلاد إلى تعزيز قدرتها على تطوير مصادر غير تقليدية للمياه مثل تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير مياه الصرف البلدية والصناعية لضمان تلبية الطلب المتنامي على المياه في البلاد...
وفي هذا السياق ... كان الاردن يتعرض الى موجات ازمات مياه خانقة وبمعدل كل خمسة سنوات ، ومن خلال اطلاعي ومتابعتي البحثية في مجال التزويد المائي لمختلف مناطق المملكة وتحديدا ازمة المياه في البلاد في العام 1979 عندما كانت مؤسسة مياه الشرب تدير مرفق مياه الشرب في البلاد ، وتلتها ازمة المياه في العام 1984 الامر الذي كان من نتائجة ان تم تأسيس سلطة المياه بديلا عن مؤسسة مياه الشرب وضم سلطة المياه والمجاري في منطة امانة العاصمة لها و كل المؤسسات والادارات التي تقوم على ادارة المصادر المائية وادارة الحفر ، وازمة المياه عام 1987 ، وغير بعيد عن ذاكرتنا ازمة وتلوث المياه الخانقة في العاصمة عمان في العام 1998 ، ولذا تعد إمكانية الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة أمرًا بالغ الأهمية لمجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية...
وفي سياق ما قدمته عن هذا المشروع الحيوي الهام ، فإنه يمكن التعريض الى تأثير ندرة المياه والتي يمكن وصفها بعدم التوافق في التوازن بين العرض والطلب على المياه بعد حساب جميع مصادر المياه التقليدية وغير التقليدية المتاحة في بلادنا، وهو ما يضاعف من قيمة سلعة المياه الأساسية عدة أضعاف، وفي كثير من الأحيان دون أن ينعكس ذلك على سعرها ، وعند تحليل هذه الحالات، يمكننا تحديد العديد من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه ذات الجودة المقبولة مثل ممارسات الري الجائر، والتصنيع، والتحضر، وتغير المناخ...
يتزايد تعقيد إدارة الموارد المائية في بلادنا بشكل مطرد مع نمو الطلب، وهو ما يفضي إلى ظهور تحديات سياسية وتنظيمية ويمكن التعامل مع إدارة المياه من الزاوية الاقتصادية للتوزيع الفعال للموارد بين المستخدمين على اختلاف استخداماتهم للمياه، وكذلك من الزاوية الاجتماعية، التي تؤكد على أن الحصول على المياه النظيفة بسعر مناسب هو حق أساسي من حقوق الإنسان. وبالتالي، فإن السياسة المائية في جميع أنحاء العالم مستوحاة من مجموعات من تلك المبادئ، مع توجهات الكيانات الحكومية والقطاع الخاص المخصصة عمومًا لإدارتها بدرجات متفاوتة، وهو ما يؤدي إلى ظهور تحديات خاصة.
ولتعقيد الأمور، يتأثر استخدام المياه بشدة بالتطورات السياسية في قطاعات الاقتصاد الأخرى، وخاصة في القطاعات الزراعية والصناعية. لذلك، تتطلب الإدارة المستدامة للمياه نهجًا نظاميًا شاملاً تندرج عليه التنبوء المستقبلي ومتطلباته وهى حالة الامن المائي والتي يندرج في سياقها المشروع الوطني الناقل للمياه وهو ما يوصف " قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش، ورفاهية الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ".
السؤال الاستراتيجي يا سادة :
فما نحن فاعلون في فترة الحقبة القادمة لوصول اول قطرة مياه محلاه ينقلها لنا الناقل الوطني من ثغرنا الباسم على خليج العقبة ؟!..
لعل ندوة مختصة يحضرها وزراء ومختصين ممن عملوا على الاستراتيجيات ومؤسسات البحث العلمي والجامعات الاردنية والهيئات المانحة وخبراء مياه يناقشون بحس وطني قضية المياه وارهاصاتها ومآلاتها خلال الفترة القادمة ووضع ما تم من استراتيجيات على طاولة التشريح لسبر غوارها والخروج بسياسة وخطة تنفيذية لادارة وتنمية الموارد المائية للعقدين القادمين..
وهنا وبكل اعتزاز ازجي التحية والتقدير الى الزملاء في وزارة المياه وبالاخص نشامى سلطة المياه (مع شركاتها) الذين يبذلون جهودا جبارة في سبيل المحافظة على قطرة المياه لايصالها الى اهلنا في ربوع الوطن الاغلي.
* الكاتب خبير استراتيجيات المياه – الاردن
arajoub21@yahoo.com