"طوفان الأمويّ" وطوفان الاقصى.. ما بين "التعويض" و"الإزاحة"!
جو 24 :
كتب كمال ميرزا -
على حين غرّة يصبح "المسجد الأمويّ" مربط خيلنا، ويحلّ "طوفان الأمويّ" مكان "طوفان الأقصى"!
ففي عالم "الفضاء التواصليّ" والسوشال ميديا والمخيال الهوليووديّ والنتفلكسيّ، فقد أصبح "طوفان الأقصى" بعد (430) يوماً حدثاً عاديّاً وروتينيّاً وباهتاً ومتعثّراً وفاقداً للزخم ومليئاً بالتفاصيل المزعجة!
بل فلنقلها صراحةً، أصبح مُملّاً بعض الشيء!
وهناك أيضاً خيبة الأمل ـ بعد تفاؤل وحماس ـ بـ "إمكانيّة التحرير" التي أخذت تنسرب من بين أصابعنا يوماً بعد يوم!
أمّا هنا، فلدينا طوفان طازج ناجز مليء بالإثارة والعنفوان والبهجة والأخبار والتفاصيل الجديدة ساقه الله لنا "فتحاً مُبيناً" على يدّ ثوّار "الناتو" ومجاهدي "البترو-دولار"!
ومن منظور "التنمية البشريّة" والـ "لايف كوتشنج" ومهارات الحياة و الـ "سوفت سكلز"، فقد أصبح "طوفان الأقصى" بـ "تعثّره" و"انتكاساته" و"إخفاقاته" مصدراً لـ "الطاقة السلبيّة"، أو "توكسك"، بطريقة تستنزف الفرد، وتحبطه وتثبّطه، وتمنعه من "صناعة قدره بنفسه"، وإطلاق العنان لقدراته وإمكاناته للتنعّم بممكنات الفردوس الرأسماليّ التكنولوجيّ الرقميّ الأرضيّ الذي نحيا فيه (مسألة اصبروا وصابروا هي غير ذات علاقة أو ارريليفانت هنا!)..
في حين أنّ "طوفان الأمويّ" كـ "قصة نجاح" للثوّار والمجاهدين "الرياديّين" أو "الانتربونور"، هو نموذج يُحتذى مليء بالطاقة الإيجابيّة والعنفوان التي تملأ الأفراد بالحافز والدافعيّة والإيجابيّة (نعم أنتَ تستطيع!).
كما أنّ "طوفان الأمويّ" هو مثال صارخ على قوّة "التمكين"، وأهميّة دعم "المبادرات الفرديّة" و"المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، وأهمية الدور الذي تلعبه "حاضنات ومسرّعات الأعمال" حتى لو كانت وزارات دفاع وأجهزة مخابرات واستخبارات غربيّة، ولا فرق هنا من حيث "النموذج الكامن" أو الـ "بزنس موديل"، ووفق معايير "الكفاءة" و"الفاعليّة" و"الجدوى" و"الإنجاز"، بين أن "تبتكر" تطبيقاً ذكيّاً جديداً، أو تنشيء مطبخاً إنتاجيّاً منزليّاً يعتمد على خدمة "الدلفري" ، أو تُطلق متجراً إلكترونيّاً لبيع الدمى والإكسسوارات الجنسيّة، أو تؤسس فصيلاً ثوريّاً أو جهاديّاً عصريّاً!
ويا سلام لو كان هناك لهذه العلامة التجاريّة التي تطرحها و"البراند" الذي تقدمه وجهاً (face) على طريقة "أبو محمد الجولانيّ" سابقاً، أو "أحمد الشرع" حاليّاً وفق الـ "ري براندنج" الجديد، تمت صنفرته وإعادة تأهيله على يد شركات علاقات عامّة وتسويق واستشارات وتدريب ليُحاكي نموذج مشاهير الشاشة ومؤثري الشبكة ومتحدّثي المؤتمرات والحلقات النقاشية والـ (ted talks)، أو نموذج "إيلون ماسك" من قبيل الاستعارة إذا جاز التعبير!
ولنكن صريحين هنا، نموذج القائد الكاريزماتيّ التقليديّ بـ أخلاقيّاته التقليديّة على غرار الشهيد القائد "يحيى السنوار" والشهيد القائد "حسن نصر الله" قد أصبح "موضة" قديمة و"ترنداً" بالياً لا يُلبّي "سلوك المستهلك" و"احتياجات السوق" ومزاج "أجيال السلام" الصاعدة!
أمّا الملثّم الذي نعشقه وما زلنا نعشقه، فهو يطيل الغيبة علينا، ربما لأنّه لا يوجد هناك شيء جديد ليقوله لنا، وكما يقول المثل: "إللي بعيد عن العين بعيد عن القلب"!
نفسيّاً، "طوفان الأقصى" أصبح بالنسبة للأفراد مصدراً لمقادير هائلة من "الكبت"، والخوف من "الإنفجار"، أو حتى مجرد الوقوع في "زلّات اللسان"، وبالتالي استثارة غضب وسخط وحنق وانتقام السلطة بمفهومها المباشر (أجهزة الدولة) وغير المباشر (السوق)، خاصةً بالنسبة للأفراد الذين يعيشون في كنف أنظمة متواطئة ضد "طوفان الأقصى"، أو متخاذلة إزاء حرب "الإبادة والتهجير"، ومخطّطات القضاء على المقاومة، وتصفية القضية الفلسطينيّة، و"إعادة تشكيل الشرق الأوسط"!
وبعد (430) يوماً متواصلةً فإنّ فرط الكبت أدّى ويؤدي إلى ما يمكن أن نعتبره "عُصاباً تحويليّاً" (وهذا من مصطلحات التحليل النفسيّ)، والذي من أنواعه "القلق الهستيريّ" الذي يتطلّب التخلّص منه ارتداد صاحبه عن الدافع الأصليّ، ثم الهروب إلى "فكرة تعويضيّة" أو "الإزاحة".
وهنا يأتي "طوفان الأمويّ" كهديّة من السماء (أو من أميركا وإسرائيل اللتين حلّتا في لا وعينا مكان السماء!) ليكون "الفكرة التعويضيّة" التي نهرب إليها من "طوفان الأقصى"، وتمنحنا القدرة لتفريغ كلّ الكبت المتراكم عبر مظاهر الحفاوة المُبالَغ فيها ودفق الهتافات والعنتريّات والمزاودات (وحتى الشتائم واللعنات).. وليكون التركيز على مثالب وجرائم النظام السوريّ هي "الإزاحة" التي نهرب إليها من إحساسنا بالذنب والتقصير والجُبن والخِسّة، أو من الحديث عن جرائم الكيان الصهيوني وأعوانه المتواصلة، أو من الحديث عن شروع الكيان في قضم أجزاء من سوريا وتدمير مقدّرات الدولة السوريّة بفضل بركات "الثوّار" و"المجاهدين".. والاستحقاقات المترتبة أو التي ينبغي أن تترتب على ذلك كلّه!
ثقافيّاً (أم أقول سيميائيّاً بكونها كلمة تُضفي على مستخدمها برستيجاً أكبر)، تكتسب رمزيّة "الأمويّ" هنا أهميةً بالغةً، حيث تشير إلى الدولة الأمويّة وتقاليد حكمها، والتي تقوم بشكل أساسيّ على دبلوماسيّة ودهاء "معاوية بن أبي سفيان"، وتخطيط ومكر "مروان بن الحكم"، وذلك كمكافئ إسلاميّ "شرعيّ" لبرجماتيّة وذرائعيّة ما تُسمّى العلوم السياسية الحديثة، و"فن الممكن"، و"الغاية تبرر الوسيلة"، والتوسيع المُفرط لتأويل النصوص، والتلاعب بالمرويّات، وفقه الضرورة، والحرب خدعة، وشراء الولاءات، واللعب على تناقضات العصبيّات!
كما أنّ هذه الرمزيّة تجعل من تحرير المسجد الأمويّ بديلاً نفسيّاً ومكافئاً موضوعيّاً لتحرير المسجد الأقصى، سيما وأنّ "الفاتحين الجُدد" لم يصدر عنهم أي التزام صريح ومباشر ومُعلن بخصوص الأخير، ربما لانتفاء الحاجة لذلك؛ فالأقصى لا يحتاج إلى تحرير، فأنت ببساطة تستطيع أو ستستطيع بفضل بركات "السلام" و"التطبيع" أن تزوره وتصلّي فيه متى شئت عبر "فيزا سياحيّة" يمنحها لك أبناء العم وسط أجواء رحمانيّة من "الأخوّة الإبراهيميّة"!
وهكذا، عوضاً عن النموذج العُمري (نسبة لأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب)، أو النموذج الصلاحيّ (نسبة إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبيّ)، أو النموذج الصالحيّ (نسبة إلى الملك الصالح أيوب)، وهؤلاء هم محرّرو القدس عبر فترات التاريخ الإسلاميّ، أو حتى النموذج الضيفيّ/ السنواريّ الذي تكالب جميع العالم ضدّه (حتى أشخاص من المحسوبين على هذا النموذج كما ستبدي لنا الأيام القادمة أكثر وأكثر).. قد أصبح لدينا "النموذج الأردوغانيّ" كنموذج عصريّ مدنيّ ديمقراطيّ تعدّديّ مواكِب يكفل لأصحابه رضا الله ورضا أمريكا ورضا النفس ونعيمي الآخرة والدنيا في آن واحد!