عزيزي الناطق الرسمي.. انطق
العمل في الحقل العام، وشغل مناصب رفيعة في مؤسّسات الدولة، ليس "مخترة" أو "مشيخة" يمكن التباهي بها، بل عمل يستوجب التفاني والكدّ، فدافع الضرائب ليس بحاجة إلى "باشوات"، بل موظّفين حريصين على إنجاز العمل المطلوب منهم على أكمل وجه.
ومن الوظائف التي لا يعلم إلاَ الله ما يقوم به من يشغلها، منصب الناطق الرسمي باسم مؤسّسة أو وزارة ما، فبعضهم يفضّل الصمت المطبق، والإضراب عن الكلام، لذا قد يكون تعديل الوصف الوظيفي لهؤلاء بعبارة الناطق الصامت خيارا متاحاً لإقناع الناس بطبيعة العمل في هذه المناصب!
كثيرون ممّن يشغلون وظيفة ناطق رسميّ، يصرّون على تجاهل وسائل الإعلام، والامتناع عن الردّ على تساؤلاتها. بعضهم يعتبر نفسه "أكبر" من السلطة الرابعة، فيغلق هاتفه حين يشاء، ويردّ عليه حينا، ويتجاهل نغماته أحياناً. البعض الآخر اتّخذ مواقف عدائيّة ضدّ المؤسّسات الصحفيّة، كباسل الكيلاني، الناطق الرسمي باسم الملكيّة الأردنيّة، والذي أعلن صراحة أنّه لن يجيب على استفسارات جو24.
بصراحة، لا يحقّ لأيّ ناطق رسميّ، رفض التواصل مع الإعلام، فقانون حقّ الحصول على المعلومة، وطبيعة العمل كناطق رسميّ، يفرضان على أيّ جهبذ القيام بعمله وواجبه على أكمل وجه. الصحافة لا تستجديك عزيزي المسؤول عند طلب تصريح أو تعليق على حدث ما، أو الردّ على انتقاد موجّه لمؤسّستك، فهذا عملك قبل أيّ شيء آخر.
مثال آخر على حالة الصمت المستفحلة في كثير من المؤسّسات الرسميّة، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجيّة، السيّدة صباح الرافعي، والتي بذلت جو24 جلّ جهدها للتواصل معها بهدف الاستفسار عن مصير أردنيين بعد تفجير مطار أتاتورك باسطنبول، ولكن دون جدوى، الرافعي تعشق الصمت أيضاً.
أمثلة كثيرة، تتنوّع بين محجم عن الردّ وآخرين يردّون باقتضاب وغضب، بل ويعتبرون هذا "جميل" يمنحونه لك، مبدين انزعاجهم من التواصل معهم، و"إقلاق" راحة عطوفتهم في أوقات الدوام الرسمي! بعض المؤسّسات لا تمتلك ناطقاً رسميّاً بالأصل، كوزارة الداخليّة مثلاً، ما يثير حيرة الإعلام عند وقوع حدث ما يقتضي التواصل مع جهة رسميّة.
على أيّة حال، لم لا تقوم المؤسّسات التي يفضّل الناطقون باسمها لغة الصمت، بالاقتداء بوزارة الداخليّة، وإغلاق هذا الشاغر إلى الأبد. أوليس هذا "أوفر" لهم ولنا؟!
ولكن ما تجدر الإشارة إليه أن الصورة ليست مظلمة تماماً، فهناك دوائر ومؤسّسات يتّسم عملها بحرفيّة عالية، ونزاهة منقطعة النظير، كمديرية الدفاع المدني مثلا، والتي تتواصل مع كافّة الزملاء، دون تمييز بين "خيار وفقوس"، كما يفعل بعض الناطقين باسم كثير من المؤسّسات، والذين يرفضون إعطاء معلومة أو تصريح لمؤسّسة إعلاميّة، قبل تزويد "الأصدقاء" بها.
مثال آخر على التفاني بالعمل ما تقوم به الهيئة المستقلّة للانتخاب، لم لا تقتدي بها المؤسّسات الصامتة، أو تلك المنحازة لوسائل إعلاميّة "مقرّبة" و"من عظام الرقبة"!!
المطلوب تدريب من يرغب بالعمل كناطق رسمي في أيّة مؤسّسة عامّة، وإفهامه متطلّبات عمله وواجباته، والتأكّد من أدائها دون تلكّؤ أو انحياز، أمّا من يفضّل الصمت فليرحل.