مقترح "إلحاق" الضفة بالأردن يعكس عمق "المأزق" الفلسطيني
كتب د. حسن البراري
طرحت دعوة فاروق القدومي الأخيرة لإلحاق الضفة الغربية بالأردن في علاقة كنفدرالية أو فدرالية، تساؤلات حول قدرة الطرف الفلسطيني على صياغة استراتيجية واحدة تجاه التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني.
المبادرة الأخيرة أبرزت أيضا الإفلاس السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعجز لغاية الآن عن تحقيق أهدافها المعلنة، لأسباب بعضها داخلي وفصائلي، وأخرى خارجية.
فبعد أن تيقن الجميع التراجع الشديد في فرص تحقيق سيناريو حلّ الدولتين، في ظل التغيرات الكبيرة على الأرض التي أفضت إلى حالة مُـرعبة من الانكشاف الإستراتيجي للفلسطينيين، وفي ظل التحولات المجتمعية وتعبيراتها السياسية في إسرائيل، التي أنتجت حكومات لن تقوى على التقدم قيد أنملة تجاه تحقيق حل الدولتين، جاءت دعوة القدومي لطرح موضوع العلاقة مع الأردن بشكل سيحرم الفلسطينيين من تحقيق حُـلمهم في تقرير مصيرهم على ترابهم الوطني، وبشكل يُرعب عددا كبيرا من الأردنيين الذين ما زالوا يتوجّسون من السياسة الفلسطينية، ويُعزز الإنطباع السائد بأن القيادة الفلسطينية لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح والحساسيات الأردنية، وهي تقدم التنازل تِلْـو الآخر للإسرائيليين.
شمس حل الدولتين.. بدأت بالأفول
وعلى نحو لافت، طرح الإستراتيجي الإسرائيلي غيورا ايلاند (مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق) فكرة الخيار الأردني مرة أخرى، كبديل لما أسماه فشل حلّ الدولتين. وللتذكير جرت في عام 2008، مناظرة بينه وبين مروان المعشر (نائب رئيس الحكومة الأردني الأسبق) في معهد واشنطن، فنّد فيها المعشر المرتكزات الأساسية، التي قامت عليها دعوة غيورا ايلاند. وقد نشرت دراسة ايلاند من قبل جامعة بار إيلان الإسرائيلية، ومن ثم في كتاب صدر عن معهد واشنطن، ضم فصولا لغيورا ايلاند ودينس روس ومروان المعشر، وكاتب هذا المقال.
في الأثناء، يمكن القول أن هناك أسبابا موضوعية دفعت الكثير من المراقبين للتوصل إلى خلاصة مفادها أن شمس حل الدولتين، بدأت بالغروب وأن الحديث عن حل للدولتين هو خارج عن سياق تطور الأحداث. وما من شك أن الإسرائيليين تبنَّـوا سياسة ممنهجة لخلق الظروف التي تمنع من تمكين الفلسطينيين من تحقيق دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
الخلافات الفلسطينية الداخلية
لعل الإخفاق الفلسطيني الأكبر يكمُن في عدم قدرة الفلسطينيين على الاتفاق على استراتيجية واحدة، تتنافس تحت سقفها جميع الفصائل، وعلى سبيل المثال، أظهرت انتفاضة الأقصى، اختلافا كبيرا وجوهريا بين أهم أطراف المعادلة السياسية الفلسطينية: حماس وفتح. وحتى عندما احتكم الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع، سرعان ما عادت الخلافات تعصِف بالمجتمع السياسي، وأضعفت بالتالي، من قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على تحقيق أي إنجاز وطني يمكن الإشارة إليه.
الخلافات الفلسطينية على الأهداف والوسائل، وإن كانت داخلية، إلا أن استمرارها بهذا الشكل المرعب، له أسباب خارجية. ففتح التي تسيطر على السلطة الوطنية الفلسطينية، رأت بأن الخلاص للشعب الفلسطيني ممكن فقط من خلال العلاقة مع الولايات المتحدة، حتى تضغط على إسرائيل للتنازل بما يكفي لإقامة دولة فلسطينية، ومن أجل ذلك كان لا بد لفتح وللسلطة الوطنية الفلسطينية أن تتقرب من إسرائيل وتظهر تفهما كبيرا حيال قضية الأمن الإسرائيلي.
وبالفعل، قام الجنرال دايتون بتدريب قوات فلسطينية في الضفة الغربية، ما أنتج حالة من عدم الشك بحصافة مواقف السلطة الفلسطينية.
تنازل هنا..
في سياق متصل، هناك من يرى أن الرئاسة الفلسطينية التي انتهت مدّتها الدستورية منذ سنتين، تتصرف بشكل لا يعكس الهمّ الوطني الفلسطيني. فالرئيس عباس أعلن في مقابلة على التلفزيون الإسرائيلي أنه "ليس له الحق في العودة إلى مدنية صفد"، مسقط رأسه، وربما جاء ذلك في سياق مناورة سياسية من قبل عباس لضمان دعم إسرائيل له للبقاء في موقعه، غير أن القيمة الرمزية لتنازل رئيس دولة فلسطين عن حق العودة، أمر ليس هينا.
إضافة إلى ذلك، قللت التبعية الفلسطينية الرسمية للخط الأمريكي والانضمام لمعسكر الاعتدال (الذي تهاوى مع حلول "الربيع العربي")، من هامش المناورة. فكان شرط الأمريكان والإسرائيليين للتعامل مع السلطة، هو المشاركة في الحصار على غزة، ما أضعف شرعية السلطة الفلسطينية، وبخاصة في منطقة غزة التي تحكمها حماس بإحكام، وتوفر الأمن للإسرائيليين، هو أمر عجز عنه عباس.
بالمقابل، ترى حماس بأن الخلاص الفلسطيني يحتاج إلى مقاومة راشدة، مع أن هناك الكثير من الإشارات التي تفيد بأن حماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967. وحماس، التي تتلقى دعما مباشرا من إيران، لا يمكن لها الإقتراب من فتح أو إجراء مصالحة حقيقية. فالعامل الخارجي يبقى في غاية الأهمية، ونشير هنا إلى زيارة إسماعيل هنية لإيران وتلقيه دعما مباشرا، ما أدّى برأي مراقبين إلى تقوية "حماس الداخل" على "حماس مشعل".
في هذه اللحظة، تشعر حماس بأنها لا تحتاج لمصالحة مع فتح، فهي تحكم غزة من دون شركاء، في حين يحكم عباس الضفة الغربية بشراكة مع الإحتلال الإسرائيلي. كما أن التطورات الأخيرة التي رافقت زيارة أمير قطر (التي تعمل على تأهيل حماس وتسويقها للإسرائيليين والأمريكان) إلى غزة، تبعث برسالة هامة تفيد بأن الحصار بدأ بالإنحسار. غير أن الأهم لتعبيد طريق المُصالحة الفلسطينية، يكمُن في تفاهمات إقليمية أمريكية، وهو ما لا يُمكن تخيّله في ظل الإستقطابات الإقليمية القاتلة.
بغض النظر عن السياق العام الذي جاءت في إطاره دعوة فاروق القدومي إلى قيام كنفدرالية أردنية مع ما تبقى من الضفة الغربية، هناك في الأردن تيار يدعو لعودة الضفة الغربية والتراجع عن فك الإرتباط مع الأردن، دون الاكتراث لحساسية المسألة، وللتهديدات الناجمة عن هكذا سيناريو يرى كثيرون أنه يمثل "توطئة للوطن البديل".
هذا التيار نخبويّ ومعزول، ولا يمكن له الإدعاء بأنه يتحدث باسم جميع الأردنيين من أصل فلسطيني، غير أن الأخطر، أن دعوة القدومي وتلاقيها مع هذا التيار المعزول واستعداد عباس للتنازل عن حق العودة مجانا، قد تُذْكي تنافسا بين الأردنيين والفلسطينيين، لا يخدم أيا منهما. swissinfo