هل ثمة جديد؟
محمد أبو رمان
جو 24 : على الأغلب، كان "مطبخ القرار" في عمان يفضّل فوز الرئيس باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية لأسباب متعددة، في مقدمتها التفاهم الذي تشكّل معه، خلال الأعوام الأربعة الماضية، حول الملفات الإقليمية الحيوية؛ وثانياً لأنّ إشارات المرشح الجمهوري ميت رومني لم تكن مريحة للسياسيين في عمان، بخاصة الغزل الكبير الذي صرفه لإسرائيل، وتفضيله للحلول العسكرية ضد النظامين السوري والإيراني لا تتوافق مع رؤية عمان السياسية لخطورة مثل هذه الخطوات.
بالرغم من ذلك، لا توجد أوهام في سقف التوقعات بشأن ما يمكن أن يفعله أوباما في منطقة الشرق الأوسط في ملف التسوية السلمية؛ إذ ما تزال العقبات قائمة، بل يزداد الأمر تعقيداً مع التحالف الوثيق بين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، وهشاشة معسكر السلام الإسرائيلي. مع ذلك، هنالك توقعات أردنية بأن تعاود الإدارة الأميركية الكَرّة من جديد لتحريك مياه التسوية الراكدة، وهو في تقدير المسؤولين في عمان ما يخفف قليلاً من حجم المأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية في ظل الجمود الحالي، ويبقي الضغوط على إسرائيل قائمة، حتى لا تنفرد بحلول أحادية الجانب تضر بمصالح الأردنيين والإسرائيليين على السواء.
الملف الذي سيشهد تطورات مهمة، على المدى القصير، هو الثورة السورية. وبالرغم من تقارب رؤية الأردن وأميركا في المرحلة السابقة بشأن صعوبة التدخل العسكري وخطورته، وضرورة تركيز الجهد على محاولة الحل الدبلوماسي والأممي، وعدم إغراق سورية بالأسلحة، خشية من الفوضى والحرب الأهلية؛ إلاّ أنّ الأشهر الماضية شهدت متغيرات على درجة كبيرة من الأهمية، ربما تدفع بالولايات المتحدة إلى إعادة النظر في هذه المقاربة. ولعلّ القضية المفتاحية هنا تتمثّل في صعود "القاعدة" و"السلفية الجهادية" وانتشارهما، ما يشكّل، وفقاً لهذه القراءة، مصدر تهديد للمنطقة بأسرها، ويضعف تماماً فرصة الانتقال السلمي للسلطة في تلك البلاد.
الولايات المتحدة ومعها الأردن يفضلان الحل الدبلوماسي. وستسعى إدارة أوباما خلال الفترة القريبة القادمة إلى تعزيز قنواتها وأدواتها في محاولة للوصول إلى صفقة مقبولة مع الروس. لكن في حال فشلت الإدارة الأميركية في ذلك، فمن المتوقع أن تغير مقاربتها باتجاه تدخل أكثر في الوضع السوري؛ سياسياً من خلال إعادة هيكلة قيادة المعارضة السورية (وهي جهود بدأت فعلاً)، وتوحيدها وتعزيز الجانب العلماني فيها، وكذلك توفير دعم عسكري أكبر للجيش الحرّ بوصفه القوة العلمانية التي تديم المقاومة وتخلق تغييراً في ميزان القوى، لكن في الوقت نفسه تقف في وجه تمدد "القاعدة".
القناعة المهمة التي تعززت أخيراً في أوساط رسمية أميركية وأردنية هي أنّه كلما طال أمد الصراع عزز ذلك من حضور "القاعدة". ولذلك، فإنّ الوقوف بعيداً، والرغبة في عدم التدخل، لم يعد خياراً حكيماً ولا مفيداً، ولا بد من إعادة توجيه السياسات لتكون أكثر فاعلية في (أولاً) إسقاط النظام، و(ثانياً) الوصول إلى تفاهمات وضمانات لليوم التالي لما بعد الأسد. على صعيد ملف الإصلاح السياسي، لا توجد توقعات بأن يتغير مستوى الضغوط الأميركية على الأردن في هذا الملف، إذ ستبقى عند السقف الراهن المحدود، إلاّ إذا قلقت واشنطن من تداعيات الأزمة الاقتصادية الداخلية، فستزيد من جرعة تحريضها لمطبخ القرار والضغط عليه، من أجل إصلاحات سياسية أكبر، لتجنّب أي سيناريوهات خطرة على الاستقرار السياسي في الأردن، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات إقليمية.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
بالرغم من ذلك، لا توجد أوهام في سقف التوقعات بشأن ما يمكن أن يفعله أوباما في منطقة الشرق الأوسط في ملف التسوية السلمية؛ إذ ما تزال العقبات قائمة، بل يزداد الأمر تعقيداً مع التحالف الوثيق بين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، وهشاشة معسكر السلام الإسرائيلي. مع ذلك، هنالك توقعات أردنية بأن تعاود الإدارة الأميركية الكَرّة من جديد لتحريك مياه التسوية الراكدة، وهو في تقدير المسؤولين في عمان ما يخفف قليلاً من حجم المأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية في ظل الجمود الحالي، ويبقي الضغوط على إسرائيل قائمة، حتى لا تنفرد بحلول أحادية الجانب تضر بمصالح الأردنيين والإسرائيليين على السواء.
الملف الذي سيشهد تطورات مهمة، على المدى القصير، هو الثورة السورية. وبالرغم من تقارب رؤية الأردن وأميركا في المرحلة السابقة بشأن صعوبة التدخل العسكري وخطورته، وضرورة تركيز الجهد على محاولة الحل الدبلوماسي والأممي، وعدم إغراق سورية بالأسلحة، خشية من الفوضى والحرب الأهلية؛ إلاّ أنّ الأشهر الماضية شهدت متغيرات على درجة كبيرة من الأهمية، ربما تدفع بالولايات المتحدة إلى إعادة النظر في هذه المقاربة. ولعلّ القضية المفتاحية هنا تتمثّل في صعود "القاعدة" و"السلفية الجهادية" وانتشارهما، ما يشكّل، وفقاً لهذه القراءة، مصدر تهديد للمنطقة بأسرها، ويضعف تماماً فرصة الانتقال السلمي للسلطة في تلك البلاد.
الولايات المتحدة ومعها الأردن يفضلان الحل الدبلوماسي. وستسعى إدارة أوباما خلال الفترة القريبة القادمة إلى تعزيز قنواتها وأدواتها في محاولة للوصول إلى صفقة مقبولة مع الروس. لكن في حال فشلت الإدارة الأميركية في ذلك، فمن المتوقع أن تغير مقاربتها باتجاه تدخل أكثر في الوضع السوري؛ سياسياً من خلال إعادة هيكلة قيادة المعارضة السورية (وهي جهود بدأت فعلاً)، وتوحيدها وتعزيز الجانب العلماني فيها، وكذلك توفير دعم عسكري أكبر للجيش الحرّ بوصفه القوة العلمانية التي تديم المقاومة وتخلق تغييراً في ميزان القوى، لكن في الوقت نفسه تقف في وجه تمدد "القاعدة".
القناعة المهمة التي تعززت أخيراً في أوساط رسمية أميركية وأردنية هي أنّه كلما طال أمد الصراع عزز ذلك من حضور "القاعدة". ولذلك، فإنّ الوقوف بعيداً، والرغبة في عدم التدخل، لم يعد خياراً حكيماً ولا مفيداً، ولا بد من إعادة توجيه السياسات لتكون أكثر فاعلية في (أولاً) إسقاط النظام، و(ثانياً) الوصول إلى تفاهمات وضمانات لليوم التالي لما بعد الأسد. على صعيد ملف الإصلاح السياسي، لا توجد توقعات بأن يتغير مستوى الضغوط الأميركية على الأردن في هذا الملف، إذ ستبقى عند السقف الراهن المحدود، إلاّ إذا قلقت واشنطن من تداعيات الأزمة الاقتصادية الداخلية، فستزيد من جرعة تحريضها لمطبخ القرار والضغط عليه، من أجل إصلاحات سياسية أكبر، لتجنّب أي سيناريوهات خطرة على الاستقرار السياسي في الأردن، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات إقليمية.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)