انتحار سياسي
لا يخفى على أحد أن انسحاب بعض قوى المعارضة السياسية من مشهد الحراك الشعبي جاء ارتباطا باستحقاقات صفقات العملية الانتخابية التي تقتصر على بناء 'النموذج الأردني' للديمقراطية، المنسجم مع معادلة جلب المعونات والمساعدات الغربية المشروطة، دون إضافة أية أدوات غير رسمية لمطبخ صنع القرار.
هذه الصيغة تشتمل على طرفيّ المعادلة الأمثل لتلبية رغبات السلطة وتحقيق مصالح حكومة الظلّ، ولكن ما هي المكاسب التي قد تحققها القوى المنظمة -التي حسبت نفسها على المعارضة الوطنية- من استثمار غياب الاسلاميين لإيصال ممثليها إلى البرلمان المرتقب، الذي حُسمت نتائجه وتركيبته منذ الآن بفضل قانون الانتخاب ؟!
من الصعب على القوى التي قررت المشاركة في الانتخابات المرتقبة أن تبرر موقفها بعد نحو عامين من مطالبتها بتغيير قانون الصوت المجزوء، فرغم كل ما نظمته من فعاليات احتجاجية، تتجه بعض الأحزاب في نهاية الأمر للمشاركة بالانتخابات المزمع إجراؤها استنادا إلى هذا القانون، ما يعني انها ضربت عرض الحائط بكل جهودها لخلق حالة من الضغط الشعبي تحمل السلطة على إقرار قانون انتخاب ديقمراطي.
غياب الأحزاب -التي تعتبر نفسها ممثلة للمعارضة الوطنية- عن فعاليات الحراك الشعبي، في ذات الوقت التي تستغل فيه فرصة مقاطعة الاسلاميين للوصول إلى البرلمان، لا يمكن تفسيره سوى بأنه قرار بالانتحار السياسي استند إلى عشق المنصب النيابي.. فالثمن سيكون باهظا بعد أن تخسر هذه الأحزاب قواعدها الشابّة التي لا ترى في المشاركة بالانتخابات النيابيّة إلا صفقة لا تخدم أفكارها وتوجهاتهاالتي طالما آمنت بها ودافعت عنها.