هل نسيتم الطبقة الوسطى؟!
محمد أبو رمان
جو 24 : كما "وعد" (أو توعّد!) رئيس الوزراء عبدالله النسور، لن يفاجئ المواطنين بقرار رفع الأسعار عن السلع الرئيسة؛ فالحملة الإعلامية المكثّفة، التي قام بها خلال الأيام الماضية، حضّرت المناخ السياسي ليترقب رفع الأسعار، قبل نهاية الشهر الجاري، والحوارات داخل أروقة الحكومة وصلت إلى تحديد "ساعة الصفر"، بعد تقرير مبلغ "العوض" عن "الدعم المرفوع" للفرد (على الأغلب سيكون إما 70 أو 80 ديناراً سنوياً)، وسقفه الأعلى للأسرة (500 دينار سنوياً)، كما ترجّح مصادر "الغد".
الحديث هو عن تحرير الأسعار بالكلية (السولار، الغاز، الكاز، البنزين بنوعيه)، ليباع بكلفة السوق العالمي. إلاّ أنّ السعر المتوقع ما يزال غير معلوم، لأنّ "معادلة" تسعيرة المحروقات، غير معروفة، حتى لدى الخبراء والمتخصصين، بالرغم من "وعد" رئيس الوزراء للإعلاميين قبل أسبوعين تقريباً بكشف هذه المعادلة وإعلانها على الملأ، وهو ما لم يحدث، كما أنّ وعوده في إعلان بنود الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي على موقع وزارة المالية الأسبوع الماضي لم تتم!
انتقل النقاش العام من السؤال فيما إذا كان الرئيس سيرفع الأسعار أم يرحّل القرار، إلى التساؤل عن مضامين القرار وحجم الارتفاع في الأسعار من جهة، وعن تداعيات القرار السياسية والأمنية والاجتماعية من جهة أخرى.
قراءة ما بعد "ساعة الصفر" تذهب باتجاهين؛ الأول أنّ التداعيات ستبدأ بالتدحرج، وصولاً إلى احتجاجات واسعة على القرار، والثاني أنّه سيمر بسبب الدعم المقدّم، لكنّه سيرفع من منسوب "الاحتقان" والإحباط، ويدفع بالمزاج العام إلى حالة أشبه بـ"المرجل" الذي يغلي، ولن تطفئ ناره الانتخابات النيابية في صيغتها الموجودة، ما يعني "استدامة الأزمة السياسية"، وضعف القدرة على إدارة الأزمة الاقتصادية!
الموضوع الأكثر أهمية اليوم، الذي نفتقده فيما نقرأ من نقاشات، يتمثّل في حالة الطبقة الوسطى؛ فمثل هذه القرارات ستكون بمثابة "الضربة القاتلة" لجزء كبير من الطبقة الوسطى، ما يزال يكافح ويصارع للتكيف مع التحولات، والحفاظ على مستوى دخل قادر بصعوبة بالغة على الوفاء بالتزامات التدريس والإنفاق، وربما أقساط القروض الصغيرة.
صحيح أنّ انعكاسات القرارات ستكون صعبة على الطبقة العامة، سواء كانت الفقيرة أو الوسطى المتدنية (مع اختلاف التقديرات العلمية لمستوى دخل هذه الطبقات في الأردن)، إلاّ أنّ التعويض المالي لها سيكون مقبولاً ضمن "سقوف إنفاقها"؛ الطبقة الوسطى ستكون الأكثر تضرّراً من الرفع، (أولاً) لما ستلحقه هذه القرارات من ارتفاعات في أسعار السلع الأخرى، إذ ستصيب أغلب المواد والخدمات التي تعتمد عليها هذه الطبقة، و(ثانياً) لأنّ أغلب أفراد هذه الطبقة لن ينالوا شيئاً من الدعم البديل غير المجدي ولا المؤثر، ضمن "معادلة" هذه الطبقة من نفقات والتزامات والحدّ الأدنى لسقوفها الاستهلاكية.
الضربات القاسية (وربما القاضية لجزء منها) ستكون للطبقة الوسطى الأردنية، لأنّ "المعادلة" مختلة في الأصل، فجزء كبير من مصروفات هذه الطبقة يذهب باتجاه التعليم (لضعف التعليم الحكومي وترهله)، والمواصلات (لضعف القطاع العام) والسكن (لغلاء هذا القطاع العقاري مقارنة بمعدلات الدخل).
في ظل الأزمة المالية الخانقة والحلول السهلة والمباشرة التي تفكّر فيها الحكومة، والتزمت بها في الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فإنّ الطبقة الوسطى تبدو خارج الحسابات كليّاً، بالرغم من أنّ هذه الطبقة هي الأكثر تأثيراً وحضوراً وفعالية في الربيع الديمقراطي العربي، وهي التي تحمل مفاتيح الاستقرار السياسي والمستقبل الاقتصادي، وفي الوقت نفسه الاحتجاجات والغضب، فهي الأكثر قلقاً وترقباً في هذه اللحظة التاريخية الحرجة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
الحديث هو عن تحرير الأسعار بالكلية (السولار، الغاز، الكاز، البنزين بنوعيه)، ليباع بكلفة السوق العالمي. إلاّ أنّ السعر المتوقع ما يزال غير معلوم، لأنّ "معادلة" تسعيرة المحروقات، غير معروفة، حتى لدى الخبراء والمتخصصين، بالرغم من "وعد" رئيس الوزراء للإعلاميين قبل أسبوعين تقريباً بكشف هذه المعادلة وإعلانها على الملأ، وهو ما لم يحدث، كما أنّ وعوده في إعلان بنود الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي على موقع وزارة المالية الأسبوع الماضي لم تتم!
انتقل النقاش العام من السؤال فيما إذا كان الرئيس سيرفع الأسعار أم يرحّل القرار، إلى التساؤل عن مضامين القرار وحجم الارتفاع في الأسعار من جهة، وعن تداعيات القرار السياسية والأمنية والاجتماعية من جهة أخرى.
قراءة ما بعد "ساعة الصفر" تذهب باتجاهين؛ الأول أنّ التداعيات ستبدأ بالتدحرج، وصولاً إلى احتجاجات واسعة على القرار، والثاني أنّه سيمر بسبب الدعم المقدّم، لكنّه سيرفع من منسوب "الاحتقان" والإحباط، ويدفع بالمزاج العام إلى حالة أشبه بـ"المرجل" الذي يغلي، ولن تطفئ ناره الانتخابات النيابية في صيغتها الموجودة، ما يعني "استدامة الأزمة السياسية"، وضعف القدرة على إدارة الأزمة الاقتصادية!
الموضوع الأكثر أهمية اليوم، الذي نفتقده فيما نقرأ من نقاشات، يتمثّل في حالة الطبقة الوسطى؛ فمثل هذه القرارات ستكون بمثابة "الضربة القاتلة" لجزء كبير من الطبقة الوسطى، ما يزال يكافح ويصارع للتكيف مع التحولات، والحفاظ على مستوى دخل قادر بصعوبة بالغة على الوفاء بالتزامات التدريس والإنفاق، وربما أقساط القروض الصغيرة.
صحيح أنّ انعكاسات القرارات ستكون صعبة على الطبقة العامة، سواء كانت الفقيرة أو الوسطى المتدنية (مع اختلاف التقديرات العلمية لمستوى دخل هذه الطبقات في الأردن)، إلاّ أنّ التعويض المالي لها سيكون مقبولاً ضمن "سقوف إنفاقها"؛ الطبقة الوسطى ستكون الأكثر تضرّراً من الرفع، (أولاً) لما ستلحقه هذه القرارات من ارتفاعات في أسعار السلع الأخرى، إذ ستصيب أغلب المواد والخدمات التي تعتمد عليها هذه الطبقة، و(ثانياً) لأنّ أغلب أفراد هذه الطبقة لن ينالوا شيئاً من الدعم البديل غير المجدي ولا المؤثر، ضمن "معادلة" هذه الطبقة من نفقات والتزامات والحدّ الأدنى لسقوفها الاستهلاكية.
الضربات القاسية (وربما القاضية لجزء منها) ستكون للطبقة الوسطى الأردنية، لأنّ "المعادلة" مختلة في الأصل، فجزء كبير من مصروفات هذه الطبقة يذهب باتجاه التعليم (لضعف التعليم الحكومي وترهله)، والمواصلات (لضعف القطاع العام) والسكن (لغلاء هذا القطاع العقاري مقارنة بمعدلات الدخل).
في ظل الأزمة المالية الخانقة والحلول السهلة والمباشرة التي تفكّر فيها الحكومة، والتزمت بها في الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فإنّ الطبقة الوسطى تبدو خارج الحسابات كليّاً، بالرغم من أنّ هذه الطبقة هي الأكثر تأثيراً وحضوراً وفعالية في الربيع الديمقراطي العربي، وهي التي تحمل مفاتيح الاستقرار السياسي والمستقبل الاقتصادي، وفي الوقت نفسه الاحتجاجات والغضب، فهي الأكثر قلقاً وترقباً في هذه اللحظة التاريخية الحرجة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)