2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عن إبر التخدير والفقر الآتي

لميس أندوني
جو 24 : يجب أن اعترف بأنني كنت مخطئة؛ كنت أعتقد أن الجهات الرسمية لم تتعلم دروس هبة نيسان في عام 1989 ولا اتعظت من انتفاضة الخبز عام 1996، أنا أكتشف أنها لم تتعلم فقط، بل أصبحت خبيرة في أساليب الترهيب والترغيب.
أنا لست بالأهمية لدرجة الاعتقاد بأن أحداً منهم قد قرأ، أو ان أحداً منهم قد سمع أو استمع، لكنني مع ذلك أشعر بالذنب لأنني وعن دون قصد قد تواطأت، بالتنبيه والتحذير من تبعات رفع الأسعار وعدم البحث عن بدائل لرفع الدعم عن السلع الضرورية والمحروقات، إذ أن الدرس الوحيد الذي تعلموه هو السيطرة والتحكم.
المتواطئ الأكبر، كان الحراك المعارض، لأن صوته أعلى من أي كاتب منا، ولا يوجد أي وجه مقارنة بين أي مقال، و أهمية الحراك كتعبير عن الإرادة الشعبية، بما تمثلها من بث للمعاناة والمطالبات بالحقوق الشعبية.
فالجهات المعنية ، لم تتجاهل الحراك، بل درسته بِنِية تفكيكه وعزله وبذلك تُحد من امتداده الشعبي ومن تأثيره على القرارات الرسمية، وبذلك تم التعامل مع الحراك كمختبر تجارب لإيجاد أفضل السبل لمنع التململ الشعبي من التطور إلى حركة واسعة ومنظمة، تعيق خططا مرسومة لا تقبل التغيير والتأجيل.
إذ كيف يعقل ووسط كل ضجيج الحراك، وحتى تعبيرات الاستياء من أوساط كانت ولا تزال محسوبة على الدولة، يُجرى تمرير قوانين مصادرة التمثيل الشعبي، وترسيخ دور محكمة أمن الدولة بتجريم النشاط السياسي، وفرض قرارات جائرة ليس أولها ولن يكون آخرها رفع الدعم؟
السر في العناد الرسمي، دائماً يكمن في العقلية الأمنية و هيمنة التبعية على منطلقات صنع القرار، والمزيج بينهما خطير وقاتل، خاصة إذا خدم ذلك مصالح الفئات المتنفذة المستفيدة من غياب الشفافية والمساءلة التي تمنع نهب مقدرات الوطن والاستئثار بالقرارات والخيرات معا.
فقرار رفع الدعم ورفع الأسعار التدريجي، جاء بنصيحة أقرب إلى إملاءات غربية، فالشغل الشاغل لمعظم سفراء الدول الغربية في المنطقة، حتى من قبل ارتباط الأردن باتفاقية صندوق النقد الدولي، هو كيف يتم دفع دول ما يسمى في دوائرهم الرسمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، برفع الدعم الحكومي بالكامل عن السلع الأساسية والطاقة، بنهاية عام 2012 أو بداية 2013.
فرفع الأسعار التدريجي مهم بل وضروري، ليس رفقاً في قدرة تحمل المواطن عبء تدهور معيشته، لكن لتجنب الصدمة التي قد تدفع الناس إلى الشوارع يأسا وغضباً، أي أن كل التفكير الغربي والمحلي الرسمي في ما يختص بتمرير رفع الدعم يتركز على منع ردة الفعل، ضد سياسات التجويع، ودفع الفئات الشعبية إلى التعود على الجوع راضية مستكينة.
طبعاً الدول الغربية، تترك حرية لحكوماتنا في المنطقة، من "باب احترام السيادة " مثلاً، لاختيار الأساليب الأجدى لفرض ما تسميه عنوة "الإصلاح الاقتصادي"، فما ينطبق على بلادها لا ينطبق على دول ترضى بانتهاك حقوق شعوبها.
نعم لقد تعلمت الجهات الرسمية من هبة نيسان وانتفاضة الخبز، وبالأخص من الأولى، كما تعلمت المؤسسات الدولية المالية من انتفاضات الشعوب، ضد إجراءات التقشف، على الفقراء طبعاً، فتم ابتكار الدعم المستهدف، الذي يفقد قيمته مع غلاء الأسعار، وبدعة الرفع التدريجي للدعم.
فمن دون سياسة اقتصادية شاملة، لإعادة توزيع الدخل الحد الأدنى للعدالة، فلن يكون التعويض للفئات غير المقتدرة عن الدعم، سوى مُسكِّنٍ لن يطول مفعوله، وكله حتى تأتي الصحوة للواقع الصادم والقاسي،متأخرة ويكون أي زخم شعبي للصدمة قد زال واختفى، وتُسحب زمام المبادرة من يد الحراك والمعارض.
فبينما كنا نصرخ ونحذر كانوا يخططون، ويجهزون إبر التخدير والتسكين، ولكنني أشك، وآمل، اعتماداً على انتشار الفساد، أنها حقن منتهية الصلاحية وفاقدة المفعول.


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير