الجريمة والعقاب.. وقرارات الأجهزة الأمنيّة
جو 24 :
ليس من المنصف وصف الظروف والتطورات الاقليميّة بالصعبة، فالصعوبة مفردة تفترض وجود أفق ما، أو على الأقل مواجهة تحقّق ما قد تخاله ضربا من ضروب المستحيل. أقلّ ما يمكن أن نصف به معطيات الظرف الراهن، تعبّر عنه كلمة "الكارثة".
الوضع كارثيّ، بكلّ ما أوتيت المفردة من دلالة، وما يحدق بالأردن من أخطار يستوجب كلّ تفاصيل اليقظة والتأهّب، فالمنطقة برمّتها -كما يقال- "على كفّ عفريت".
وفي مثل هذه الظروف، لا بدّ للمنطق أن يفرض ذاته بقوّة، ومن دون مواربة أو مهادنة، فالمرحلة رهن بعبث شياطين الموت، الذين ناصبوا السلام والاستقرار أعتى صنوف العداء. إجراءات وقرارات صارمة، لا بدّ من فرضها لحماية أمن واستقرار المملكة، في مثل هذه الظروف العاتية.
ونظراً إلى الاعتداءات الأخيرة التي واجهتها البلاد، فمن المتوقّع -بل والمطلوب- أن نشهد قرارات وإجراءات صارمة، تحول دون وقوع أيّ تقصير أو اختراق، قد يتسبّب في زعزعة أمننا واستقرارنا.
ومن الاجراءات المطلوبة، ما يراعي أهميّة وضرورة التيقّظ الكامل لكافّة أفراد العناصر الأمنيّة. المرحلة لا تحتمل أيّة هفوة، أو غفلة قد تقود إلى ما لا تحمد عقباه.
ومن الطبيعي أن تصدر قرارات حاسمة -كتلك التي أصدرتها إدارة الأمن العام مؤخّراً- لضمان الجاهزيّة القصوى لمرتّبات الأجهزة الأمنيّة.. ولكن..
القرار الأخير المتعلّق بنظام العقوبات، والذي ينصّ صراحة على "ترميج" أيّ من عناصر الأمن، في حال استخدام هاتفه الخليوي، كان مجحفاً بعض الشيء.
العقوبة يفترض أن تتناسب بعدالة مع الذنب، ولا يستوعب المنطق اغتيال مستقبل أحد أبناء الوطن، ومصادرة قوت عياله، بسبب مكالمة هاتفيّة. الصرامة شيء، والمبالغة في القرارات شيء مختلف تماماَ.
الجنديّة تستوجب أعلى درجات الانضباطية.. تلك مسألة محسومة، بيد أن إلقاء أحد عناصر الأمن إلى قبر الجوع والفاقة، وإعدامه اجتماعيّا واقتصاديّاً بسبب مكالمة، لا يمكن وصفه إلاّ بالظلم. العقوبة مطلوبة، ولكن ينبغي أن تكون متناسبة مع الذنب المقترف.