صفحة جديدة
محمد أبو رمان
جو 24 : باستثناء صور القصف والدمار والشهداء والجرحى الذين يسقطون في غزة خلال العدوان الهمجي الإسرائيلي؛ فإنّ المشهد السياسي تغيّر في كثير من المعطيات الواقعية، سواء في المعادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو حتى في موازين القوى اليوم.
المعادلة الإقليمية الجديدة هي التي تشكّل رافعة حقيقية للمقاومة الفلسطينية اليوم في غزة؛ فثمة فرق كبير جداً بين مصر ما بعد الثورة وما قبلها، ليس لأنّ رئيس الجمهورية اليوم هو إسلامي، بل لأنّه منتخب، ويعكس المزاج الشعبي السياسي المصري، الذي لن يكون -بالضرورة- في الخندق المضاد للمقاومة. فأطنان الكتابات والتحليلات والاتهامات التي كتبت وقيلت في موضوع "الصفقة" بين الإخوان والكيان الإسرائيلي، بعد تعيين السفير المصري هناك، جميعها ذاب مع القرار الفوري والسريع الذي اتخذه الرئيس محمد مرسي بسحب السفير المصري من هناك، وبجملة المواقف المصرية الرسمية المعلنة.
الأهم من هذا وذاك أنّ دور مصر الباطني هو نفسه الظاهري، وما يتم في السرّ هو ما نراه في العلن، ولا نرى صفقات ولا مؤامرات تحت الأرض بين الحكومات العربية والغربية، كما حدث في عدوان العام 2008؛ فـ"مصر الديمقراطية" تشكّل رافعة سياسية للمقاومة.
الفرق ما بين حكومات الربيع الديمقراطي وغيرها بات واضحا للعيان. فوزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام، يزور غزة في ذروة التصعيد، ويدعم موقف الطرف الفلسطيني؛ وحكومة المغرب تقدّم دعماً إنسانياً وتتعاطف مع غزة. وهي مواقف وإن كانت تقتصر على الجانب السياسي والرمزي والاقتصادي، إلاّ أنّها تعكس إرهاصات حقيقية لتَشكّل نظام إقليمي جديد أفضل للقضية الفلسطينية، استراتيجيا وسياسيا.
نواة النظام الجديد تتأطّر حالياً عبر محاور وأطراف رئيسة تدرك أنّ المنطقة تغيّرت، وأن التحولات عصفت بكل المعطيات السابقة، وأنّ الدول التي تظل مستسلمة لحقبة الأحادية الأميركية أو الاستقطاب بين معسكري الممانعة والاعتدال هي دول تقرأ من كتاب في التاريخ، لا الواقع ومعطياته.
الأتراك، بقيادة رجب طيب أردوغان، ينسقون مع القطريين والمصريين، ومعهم في المقاعد الجانبية التونسيون، وبدرجة أقل الحكومة المغربية الجديدة. وهنالك إصرار لدى هذا المحور الجديد على إعادة هيكلة قواعد اللعبة الإقليمية، وعلى ملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن تراجع النظام العربي خلال الأعوام الماضية أو عدم قدرته على مواجهة التحديات ومصادر التهديد في المنطقة، وعلى بناء معسكر سياسي إقليمي جديد يكافئ القوى الحالية.
تتأسس نواة المحور الجديد على أنقاض النظام السابق والمحاور التي شكّلت حالة الاستقطاب في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً محور الممانعة (إيران وسورية وحزب الله وحماس) على وقع الثورة السورية. فسورية مشغولة بالوضع الداخلي، وإيران تفتقد القدرة على التأثير بعد الانفصال الاستراتيجي الذي حدث مع حركة حماس، فيما يواجه حزب الله المعادلة اللبنانية نفسها بعد صعود النزعات الطائفية المتبادلة.
أمّا محور الاعتدال، فهو في حالة "الموت السريري"، مثل عملية التسوية التي راهن عليها. وما يزال يتشبث بأوهام التسوية، فيما يزداد الطرف الإسرائيلي تعنتا. أما السلطة الفلسطينية، فوضعها يزداد صعوبة، وتواجه أزمات داخلية وتلاشي الأمل السياسي، وتفتقد إلى مشروع سياسي بديل لفشل التسوية السلمية!
ربما تتطور المواجهة بين إسرائيل وغزة، وتقوم إسرائيل بما قامت به سابقا من جرائم، لكن بلا شك فإنّ "حماس" لن تخسر سياسياً في حقبة الربيع العربي، بل هي أقوى إقليمياً اليوم. أما السلطة الفلسطينية ومعها "أطلال الاعتدال العربي"، فعليها إدراك حقيقة واحدة فقط هي أنّ المنطقة تغيرت، وهنالك صفحة جديدة، أهم معالمها صعود قوة غزة وتراجع دور الضفة. والمفارقة أنّ هذا يحمل في طيّاته أيضاً أمراً مقلقاً لمصير الدولة الفلسطينية المنشودة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
المعادلة الإقليمية الجديدة هي التي تشكّل رافعة حقيقية للمقاومة الفلسطينية اليوم في غزة؛ فثمة فرق كبير جداً بين مصر ما بعد الثورة وما قبلها، ليس لأنّ رئيس الجمهورية اليوم هو إسلامي، بل لأنّه منتخب، ويعكس المزاج الشعبي السياسي المصري، الذي لن يكون -بالضرورة- في الخندق المضاد للمقاومة. فأطنان الكتابات والتحليلات والاتهامات التي كتبت وقيلت في موضوع "الصفقة" بين الإخوان والكيان الإسرائيلي، بعد تعيين السفير المصري هناك، جميعها ذاب مع القرار الفوري والسريع الذي اتخذه الرئيس محمد مرسي بسحب السفير المصري من هناك، وبجملة المواقف المصرية الرسمية المعلنة.
الأهم من هذا وذاك أنّ دور مصر الباطني هو نفسه الظاهري، وما يتم في السرّ هو ما نراه في العلن، ولا نرى صفقات ولا مؤامرات تحت الأرض بين الحكومات العربية والغربية، كما حدث في عدوان العام 2008؛ فـ"مصر الديمقراطية" تشكّل رافعة سياسية للمقاومة.
الفرق ما بين حكومات الربيع الديمقراطي وغيرها بات واضحا للعيان. فوزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام، يزور غزة في ذروة التصعيد، ويدعم موقف الطرف الفلسطيني؛ وحكومة المغرب تقدّم دعماً إنسانياً وتتعاطف مع غزة. وهي مواقف وإن كانت تقتصر على الجانب السياسي والرمزي والاقتصادي، إلاّ أنّها تعكس إرهاصات حقيقية لتَشكّل نظام إقليمي جديد أفضل للقضية الفلسطينية، استراتيجيا وسياسيا.
نواة النظام الجديد تتأطّر حالياً عبر محاور وأطراف رئيسة تدرك أنّ المنطقة تغيّرت، وأن التحولات عصفت بكل المعطيات السابقة، وأنّ الدول التي تظل مستسلمة لحقبة الأحادية الأميركية أو الاستقطاب بين معسكري الممانعة والاعتدال هي دول تقرأ من كتاب في التاريخ، لا الواقع ومعطياته.
الأتراك، بقيادة رجب طيب أردوغان، ينسقون مع القطريين والمصريين، ومعهم في المقاعد الجانبية التونسيون، وبدرجة أقل الحكومة المغربية الجديدة. وهنالك إصرار لدى هذا المحور الجديد على إعادة هيكلة قواعد اللعبة الإقليمية، وعلى ملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن تراجع النظام العربي خلال الأعوام الماضية أو عدم قدرته على مواجهة التحديات ومصادر التهديد في المنطقة، وعلى بناء معسكر سياسي إقليمي جديد يكافئ القوى الحالية.
تتأسس نواة المحور الجديد على أنقاض النظام السابق والمحاور التي شكّلت حالة الاستقطاب في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً محور الممانعة (إيران وسورية وحزب الله وحماس) على وقع الثورة السورية. فسورية مشغولة بالوضع الداخلي، وإيران تفتقد القدرة على التأثير بعد الانفصال الاستراتيجي الذي حدث مع حركة حماس، فيما يواجه حزب الله المعادلة اللبنانية نفسها بعد صعود النزعات الطائفية المتبادلة.
أمّا محور الاعتدال، فهو في حالة "الموت السريري"، مثل عملية التسوية التي راهن عليها. وما يزال يتشبث بأوهام التسوية، فيما يزداد الطرف الإسرائيلي تعنتا. أما السلطة الفلسطينية، فوضعها يزداد صعوبة، وتواجه أزمات داخلية وتلاشي الأمل السياسي، وتفتقد إلى مشروع سياسي بديل لفشل التسوية السلمية!
ربما تتطور المواجهة بين إسرائيل وغزة، وتقوم إسرائيل بما قامت به سابقا من جرائم، لكن بلا شك فإنّ "حماس" لن تخسر سياسياً في حقبة الربيع العربي، بل هي أقوى إقليمياً اليوم. أما السلطة الفلسطينية ومعها "أطلال الاعتدال العربي"، فعليها إدراك حقيقة واحدة فقط هي أنّ المنطقة تغيرت، وهنالك صفحة جديدة، أهم معالمها صعود قوة غزة وتراجع دور الضفة. والمفارقة أنّ هذا يحمل في طيّاته أيضاً أمراً مقلقاً لمصير الدولة الفلسطينية المنشودة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)