jo24_banner
jo24_banner

دبلوماسية النفط مقابل الفاتحة

ماهر أبو طير
جو 24 :

عرض السفيرالإيراني في عمان، الذي جاء فيه أن بلاده مستعدة لتزويد الأردن بالنفط لثلاثين عاما بشكل مجاني، حقق غايته الأولى، فأغلبية الناس تقول اليوم بعاطفة..لماذا نعادي إيران، ولماذا لا نتجاوب معها، ولماذا لا نختبر جدية العرض، ولماذا نخسر كل شيء؟!.

الأردن ذات يوم قبل سبع سنوات تقريباً، انتقد ايران، وقال ان هناك هلالا شيعياً يتشكل قاصداً ايران والعراق وسورية ومناطق خليجية وصولا الى لبنان وفلسطين، والكلام آثار يومها نقداً بالغاً وهجمة على كل المستويات.

البلد امام هلالين، الهلال الشيعي، اي معسكر إيران العراق سورية حزب الله، والثاني الهلال السني السياسي الجديد الذي يقابله أي هلال قطر تركيا مصر حماس والإخوان المسلمين في كل مكان بما في ذلك تونس وليبيا والمغرب.

بعيدا عن الهلالين الشيعي والسني، تظهر دول المعسكر الثالث، اي الدول الكبرى مثل السعودية وغيرها من دول عربية، باتجاه محور واشنطن، وهي تتفرج بحياد على مشهد مكاسرة الهلالين في المنطقة، والتي تجلت ذروتها العميقة في غزة، ونتائجها الظاهرة على الاحتلال.

الاردن غير قادرعلى فتح ثغرة في سياساته الخارجية، فلا هو قابل للانضمام لمعسكر الهلال السني الذي يتشكل، ولاهو قادرعلى ترك المعسكر الخليجي الأمريكي الذي لم يعد يقدم له شيئا، ولا هو قادرعلى الالتحاق بالهلال الشيعي لاعتبارات كثيرة.

عرض السفيرالايراني في عمان، محرج جداً، حتى لو كان دعائياً، فهو يقول للناس ان الدولة تترك عرضاً مغرياً مقابل لاشيء من الآخرين، وهي دعوة لتغيير موقف الاردن من الملف السوري، واحراج ايراني مقصود للدول العربية التي تخلت عن الاردن.

لا يفيد عرض السفير بتحريك «غيرة» الدول الخليجية لمساعدة الاردن، لأنها تعرف ان العرض تكتيكي ولم يرد على لسان الرئيس الايراني مثلا، ولم يأت في سياق زيارة رسمية الى طهران، او زيارة مسؤول ايراني الى عمان، بل عبر الإعلام فقط، وهذا غير كاف لتحريك «حميّة» بعض الدول الخليجية.

ثم ان توظيف العرض لتحريك دول خليجية لن ينجح، لأن هذه الدول تعرف ان الاردن غير قادر اصلا على الاقتراب من الخط الايراني ابدا، لاعتبارات كثيرة.

عرض السفير بالتأكيد رفع من اسهم إيران، واثار تساؤلات وجدانية عن هذا العداء غير المفيد، وهذا واقع تأسس تحت وطأة الفقر والحاجة هنا، هذا على الرغم من ان الجهة التي قدمت العرض تعاني اصلا من مصاعب اقتصادية خطيرة، ولا تحل مشاكل من عندها، فكيف بمشاكلنا؟!.

المفارقة ان الاردن ليس مع احد، معاداة الهلال الشيعي، لم تجلب له التفاتة الهلال السني الجديد، وهاهو المراقب العام لجماعة الإخوان في الاردن د.همام سعيد يستفزه العرض لأن فيه لعبا شيعيا في ميدان الهلال السني، من جانب ايران، ولا يجد مخرجا لنقد العرض سوى القول ان ربط العرض بزيارة قبور الشهداء، فيه مخالفة لشرع الله!!.

القصة ليست قصة مخالفة لشرع الله، لكنها حساسيات التنافس بين معسكرين، فالأولى اذن ان يقف الى جانب الاردن الهلال السني عبر تدفق الغاز من مصر، ومساعدة الأردن ماليا من قطر وبقية الدول الثرية المحسوبة على المعسكرات المناوئة للهلال الشيعي.

هذا موسم تشتد فيه «المكاسرة» بين الهلالين الشيعي والسني، تارة عبر جبهة غزة، وتارة عبر الاردن، وتارة عبر البحرين، وهذه اشد لحظات السياسة العربية الخارجية غموضا وتناقضا، وهي لحظات ثقيلة تفرض على كل دولة ان تختار وتحتمل كلفة اختيارها.

هل قراءة سورة «الفاتحة»على روح سيدنا جعفر الطيّار ستجلب لنا نفطاً مجانياً لثلاثين عاما؟!

بالتأكيد القصة أعمق من ذلك بكثير!.
(الدستور)

تابعو الأردن 24 على google news