مصر لن تعود إلى الديكتاتورية
انقسام الشارع المصري حول قرارات الرئيس محمد مرسي الاخيرة هي انعكاس للانقسام في اللجنة التأسيسية للدستور بين الاخوان والسلفيين من جهة وبين ممثلي التيارات القومية واليسارية والعلمانية والتي أدت الى انسحاب هذه التيارات قبل ايام فقط من انتهاء المهلة التي حددت لانتهاء اعمال اللجنة في الثاني من الشهر المقبل .
عبارات ( تحصين قرارات رئيس الجمهورية من اي نقض لها من قبل القضاء ) التي وردت في الاعلان الدستوري أغضبت الشارع وأدخلت مصر في ازمة جديدة لكنها كشفت عمق الجدل القائم هناك حول طبيعة الدولة التي سيقررها الدستور الجديد . هل هي مدنية ام دينية ؟ وهو جدل يدور عمليا في بقاع عديدة من العالم العربي منذ بداية الثورات والانتفاضات قبل عامين .
ومع ان الرئيس المصري قد اعلن مرارا بانه يؤمن بالدولة المدنية الديموقراطية الا ان إعلانه الدستوري السابق الذي تراجع عنه تحت وقع الاحتجاجات الشعبية وكذلك إعلانه الاخير اظهر ضيق المصريين باي محاولة لعودة الديكتاتورية حتى لو قدمت لهم بورق السوليفان ، فمحاولة مرسي تركيز السلطة والتشريع بيديه ولو بصورة مؤقتة وتحصين قراراته تواجه بنزول اعداد هائلة من المصريين الى الشوارع الذين يرفضون مثل هذه المحاولة مع ان الاعلان الدستوري تضمن بنودا تنحاز الى جرحى الثورة ومطالب إقصاء النائب العام الذي برأ أنصار القمع في الايام الاخيرة لعهد مبارك .
من ناحية اخرى تظهر الاحداث الراهنة في مصر ان وجود التيارات الاسلامية في السلطة بدأ يفقدها الكثير من قوتها المعهودة في الشارع ، فيما تزداد قوة أحزاب وتيارات المعارضة وتتوحد صفوفها . ويتهم قادة المعارضة مرسي بان إعلانه الدستوري يهدف الى الحفاظ على المكاسب الاولى التي تحققت لحزب الحرية والعدالة في بداية الثورة ، وبانها تأتي لتقطع الطريق على قرارات متوقعة من المحكمة الدستورية بحل اللجنة التأسيسية للدستور وكذلك مجلس الشورى وفي كلاهما يحتل الاسلاميون الأغلبية وكانت المحكمة قد حلت من قبل مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الاخوان والسلفيون .
ويزيد من مأزق الاسلاميين في السلطة تدهور الأوضاع الاقتصادية وعجز الحكومة عن حل مشاكل البطالة والفقر حيث توقع الفقراء ان تحل الثورة مشاكلهم بعصا سحرية . ومع ان قوى المعارضة ستواجه نفس المأزق لو انها في الحكم الا انها تستغل الأوضاع الاقتصادية لتشدد هجومها على الاخوان وحكومتهم ، وهذا جزء من اللعبة السياسية الجديدة في مصر التي تكرس وجود حكومة ومعارضة في الحياة السياسية المصرية وفي ذلك حصانة للبلد من عودة الديكتاتورية .
لقد منحت ثورة ٢٥ يناير في مصر فرصة تاريخية للإسلاميين للوصول الى الحكم ، وبات عليهم امام ما يواجهونه من معارضة وتحديات ، ان يدركوا بأنفسهم بان حقائق الحكم ووقائعه هي غير العمل المعارض في الشارع وبان وظيفة الدولة في العصر الحديث تكون مقبولة فقط من الراي العام في اطار المفاهيم الديموقراطية والتعددية ولم يعد هناك مكان لمفاهيم تركيز السلطة بدعوى الحفاظ على الوطن والشعب .
(الراي )