jo24_banner
jo24_banner

«الأمل في حياة المصلحين.. البنا مثالا»

سالم الفلاحات
جو 24 :

لا يحول بين الداعية والمصلح وبين النجاح الا اليأس وفقدان الامل مهما كانت الجهود التي بذلها، وان كان بعضهم لم يعمل للمشروع الكبير الذي ينشده ما يستحق الذكر لو تفحصه ودقق فيه بحيادية، وصدق الله العظيم: (حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا).
لو عرفت مريضا عزيزا تدرج من السكون التام الى الحركة البسيطة لداخلك الامل والسرور، ولو انتقل من الصمت الى التلفظ ببعض الكلمات والاشارات بعد اسبوع لاستبشرت اكثر ولو اكل لقمة واحدة او حاول الجلوس او المشي خطوة واحدة لتيقنت انه سيتعافى تماما حتى لو طال الزمن وهكذا الحال في بناء المجتمعات وتحولاتها.
وسبحان الله العظيم الذي يتلو علينا من نبأ موسى وفرعون بالحق، ومن حال ابراهيم عليه السلام، ومن حال نوح ولوط عليهما السلام، واخيرا من حال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار فقال: (لا تحزن ان الله معنا).
وقال لأصحابه في اصعب حال في مكة او في الخندق في غزوة الاحزاب، والله ليتمن الله هذا الامر، ولتفتحن قصور كسرى وقيصر وقصور اليمن، ولن تغزوكم قريش بعد العام وستغزونهم، ولتفتحن القسطنطينة ورومية و..
خلاب المظهر دقيق العبارة على الرغم من انه لا يعرف لغة اجنبية، حاول بعض اصحابه ان يترجم لي اهداف دعوته، لكنه رأى الحيرة على ملامحي، فقال قولوا له هل قرأت عن محمد؟ قلت نعم، قال: هذا هو ما نريده، وكان في هذا الجواب ما اغناني عن الكثير هذا ما قاله الصحفي الامريكي روبرت جاكسون عن الاستاذ البنا رحمه الله.
البنا كان يقول من سعة خياله وسعة امله: حقائق اليوم احلام الامس، واحلام اليوم حقائق الغد. وكان ما قال حقا هذا وقد دفنته النساء مع ابيه وحيدا فقط، لكن دعوته وصيحته وامله تحققت قبل ان يموت آخر رجل عاش معه والحمد لله رب العالمين.
نعم امتدت يد الغدر فأفنت جسده النحيل الذي وصفه قبل انطلاق دعوته، لكنها بذلك أحيت وخلدت دعوته وروت شجرة النهضة بدمائه وهي لا تعلم في شبط 1949، بعد اربع سنوات من استشهاده قال اللواء محمد نجيب عنه: انه من الذين لا يرقى النسيان الى منازلهم؛ لأنه لم يعش لنفسه، بل عاش للناس وعمل للصالح العام، وصدق فيما قال.
كان البنا يردد: ان دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعــــــــــــــــــــــة.
كتب موضوع انشاء عند تخرجه تحت عنوان «اشرح اعظم آمالك بعد اتمام دراستـــــــــــــــك» فكتب يقول: اعتقد ان خير النفوس تلك النفوس الطيبة التي ترى سعادتها في اسعاد الناس وارشادهم، وتستمد سرورها من ادخال السرور عليهم، وذود المكروه عنهم، وتعد التضحية في سبيل الاصلاح العام ربحا وغنيمـــة، والجهاد في الحق والهداية على توعــر طريقهما وما فيه من مصاعب ومتاعب راحة ولذة، ولا تحسب ساعة اسعد من تلك التي تنقذ فيها مخلوقا من هوة الشقاء الابدي والمادي، وترشده الى طريق الى الاستقامة والسعادة.
واعتقد ان العمل الذي لا يعدو نفعه صاحبـــه، ولا تتجاوز فائدته عامله قاصر ضئيل، وخير الاعمال واجلها ذلك الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره من اسرته وامته وبني جنسه، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره، وعلى هذا السبيل سلكت سبيل المعلمين، لاني اراه ساطعا يستنير به الجمع الكثير، ويجري في هذا الجم الغفير، وان كان كنور الشمعة التي تضيء للناس باحتراقها.
ان اعظم آمالي بعد اتمام حياتي الدراسية أملان:
خاص، وهو اسعاد اسرتي وقرابتي والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت الى ذلك سبيلا، والى اكبر حد تسمح به حالتي ويقدرني الله عليه.
وعام، وهو ان اكون مرشدا معلما اذا قضيت في تعليم الابناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت الليل في تعليم الآباء هدف دينهم ونابع سعادتهم تارة بالخطابة والمحاورة واخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.
وقد اعددت للأول معرفة بالجميل وتقديرا للاحسان (وهل جزاء الاحسان الا الاحسان)، ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية الثبات والتضحية وهما ألزم للمصلــــح من ظله وما تحقق بهما مصلح فأخفق اخفاقا يزري به او يشينه، ومن الوسائل العملية:
* درس طويل سأحاول ان تشهد لي به الاوراق الرسمية.
* وتعرف بالذين يعتنقون هذا المبدأ ويعطفون على اهله.
* وجسم تعود الخشونة على ضآلته وألف المشقة على نحافته.
* ونفس بعتها لله صفقة رابحة، وتجارة بمشيئة الله منجية، راجيا منه قبولها سائلا اتمامها ولكليهما عرفانا بالواجب وعونا من الله سبحانه اقرؤه في قوله تعالى: (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم).
ذلك عهد بيني وبين ربي اسجله على نفسي واشهد عليه استاذي في وحدة لا يؤثر فيها الا الضمير وليل لا يطلع عليه الا اللطيف الخبير: (ومن اوفى بعهده من الله فسيؤتيه اجرا عظيما) انتهى.
تراه موضوع انشاء لنيل درجة النجاح ام هو ميثاق عمل وخطة لنفسه ولغيره، وهو لم يتخرج بعد؟ هل كتبها كلمة ذهبت من توه ام انه التزم بما كتب في مسيرته الاصلاحية، وهل غادره الامل يوما حتى وان تكالبت عليه الدنيا يومذاك؟
ان المسافة بين الواقع والمأمول اليوم اقرب بكثير مما كانت عليه في 1928، وهل في ذلك ادنى شك؟ اما الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، والذين يقعدوا ويطالبون الآخرين بالقعود، وتنطلق السنتهم بالتيئيس؛ بحجة الواقعية والحرص، فهم خارج اطار المصلحين والدعاة والبناة، وهل سيبزغ فجر صادق الا بعد ظلام دامس، فالعمل العمل.
(السبيل)

تابعو الأردن 24 على google news