jo24_banner
jo24_banner

إسقاط الإعلان أو إسقاط الإخوان ؟

لميس أندوني
جو 24 : منذ اللحظة الأولى لتجمع المحتجين في ميدان مصطفى محمود، لبدء المسيرة تجاه ميدان التحرير، تصاعدت شعارات " الشعب يريد إسقاط النظام"، وظلت تتردد، وإن كانت على فترات متقطعة، ولكن الحديث مع المتظاهرات والمتظاهرين يكشف صورة أكثر تعقيداً.
فليس كل من شارك، أو اعتصم في ميدان التحرير، يسعى إلى إسقاط النظام، بمعنى "حكم الإخوان"، وإذا كان الكثيرون يتمنون ذلك، ولكن هناك قلق أولاً من "عودة حكم العسكر"وثانياً من اصطدام دموي، خاصة في ظل انقسام مجتمعي واضح ومتعمق إلى فريقين "مع الإخوان وضد الإخوان ".
زينة، شابة صوتت في الانتخابات الرئاسية، لصالح حمدين صباحي، الذي قاد مسيرة ليلة الثلاثاء، تقول إنه لا يعنيها إسقاط محمد مرسي، لكنها لن تقبل بأن تصمت على عودة الدكتاتورية إلى مصر، فكون الرئيس منتخباً لا يعطيه الحق في الاستئثار بالسلطات قائلة: " لن نسمح لمرسي أن يصبح موسوليني"، في إشارة إلى بنيتو موسوليني الزعيم الفاشي الذي وصل السلطة من خلال صناديق الاقتراع وحكم إيطاليا بين عامي 1922- 1943.
شاب آخر وصف نفسه بأنه ناصري، قال لي: "نحن هنا لإسقاط الجمعية التأسيسية وإسقاط الإعلان الدستوري، لكن إذا لم يتراجع الرئيس عن قراره فإننا على استعداد أن نستمر حتى إسقاط النظام إذا تطلب الأمر"، مفصحاً لي أنه يتمنى ذلك.
لا شك أن التيار العلماني، بمكوناته المختلفة، وجد فرصة لم يكن يحلم بها في التحشيد ضد الإخوان، خاصة أن الإعلان الدستوري يحمل بذور إجهاض الديمقراطية والتعددية، بما تضمنه من تحصين لقرارات الرئيس ولمجلس الشورى من المساءلة القانونية، أي بالمعنى السياسي ترسيخ هيمنة الإخوان على مؤسسات الدولة.
لكن الانقسام العمودي الحاصل في المجتمع المصري، الذي يهدد السلم الأهلي، يبقى عاملاً حاسماً في تحديد مدى استعداد جبهة الإنقاذ الوطني، التي تشكلت لمواجهة إجراء مرسي الأحادي الجانب، في المقابل فإن القبول بالإعلان الدستوري هو توطئة لعودة الاستبداد.
لذا يبقى الرهان على مقاومة سلمية، قد تصل إلى العصيان المدني، لدفع الرئيس إلى التراجع والبدء بحوار وطني، هذا إذا لم يحدث الصدام الذي تعيشه مصر في ظله وفي خشيته.
تبرير الإخوان بأن الإعلان لا بد منه لتطهير الجهاز القضائي، من رواسب النظام السابق، يحمل إشكالية قانونية وسياسية، فإخضاع القضاء، لقرارات رئاسية محصنة هو في ذاته ضرب لاستقلاليته ونزاهته، ورغم أن الإعلان مؤقت، فإن قراراته، بما فيها التعيينات غير مؤقتة، وتصب في صالح احتكار السلطة وتقويض فصل السلطات.
وإذا كان بعضهم يلوم التيارات العلمانية، بجعلها معركة بين المعسكر العلماني والإسلام السياسي، فإن ما يصدر عن الإخوان، على مواقعهم الإلكترونية والتويتر، هو في الكثير منه تهديدات "إخوانية" صرف تضع معارضي الإعلان الدستوري في صف عصيان ليس النظام فحسب بل الله والدين، وفي هذا مؤشر خطر.
فالإخوان يريدون الحفاظ على نصرهم الشرعي في الانتخابات، لكن عليهم أن يفهموا أن الانتخابات ليست رخصة للهيمنة على السلطة، وبقية القوى تريد أن تحمي مكتسبات الثورة ومشروع حلم الدولة المدنية، والمواطنة المتساوية، وشعار الثورة الأساس " عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، لكن ليس بوسائل تغلف الطريق على إرساء فكرة وممارسة التعددية.
الشعار في ميدان التحرير تحول إلى "عيش، حرية، إسقاط التأسيسية"، أي الجمعية التأسيسية المنوطة بكتابة الدستور، التي أصبحت عنواناً لمشروع ، يخشى الكثيرون، أنه تأسيس لدولة دينية، ووأد لحلم الحرية والعدالة السياسية والاجتماعية، وهذا مفهوم، لكن المهم، أن لا تصل الأمور إلى مجرد رفض بأثر رجعي لنتيجة الانتخابات، فالعمل على إسقاط الإخوان، بناء على التناقص الأيديولوجي المحض يجب أن لا يكون هو المحرك الرئيسي، إذا كنا نسعى إلى مجتمع التعددية.
لكن الكرة تبقى في ملعب الإخوان، فما يحدث في مصر هو أكبر امتحان، فإذا استمرت الإجراءات للاستئثار بالسلطة، فإنهم يجب أن يواجهوا معركة تتعدى حدودها مصر، فالإعلان الدستوري لا يخص مصر وحدها، لأنه رسالة إقصاء تنسف أسس الانتقال إلى نظم تعددية، إذا أصبحت الانتخابات وسيلة لاحتكار السلطة - هذا هو جوهر الصراع في مصر وهو يخصنا جميعاً .


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير