jo24_banner
jo24_banner

تقرير ديوان المحاسبة ودُوار الأرقام!

حلمي الأسمر
جو 24 :

قرات بشكل سريع ومسحي أهم ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة الأخير، وأصبت بدوار «الأرقام» لأن ثمة عداء مستحكم بيني وبين الأرقام، بدأ من جدول الضرب وأنا في الصف الثالث ابتدائي، خاصة جدول ضرب الأرقام من 6 وطالع، وقد رافقني هذا الدوار بقية حياتي، فأي مبلغ يزيد عن الألف دينار، يحدث عندي «دوخة» تتلوها خربطة تشبه تشابك كرة صوف مع قط شقي، فما بالك حين يتعلق الأمر بمبالغ تتعدى الألوف المؤلفة إلى الملايين والمليارات؟
المهم، ما استوقفني أكثر في التقرير جملة من الملاحظات أجملها فيما يلي..
أولا/ يستحق التقرير وطاقمه كله أن نرفع له القبعة، أو الشماغ، فهم يبذلون جهدا مهنيا جبارا، ويعملون باحتراف وطول بال منقطع النظير، استنادا إلى قانون الديوان، حيث يعملون بحرفية ودأب أين منه دأب النمل وصبره، وهذا العمل المشرف الذي ينجزه الديوان كل عام يبرز وجها حضاريا للأردن، ويعد مفخرة بحق، حيث يظهرنا كدولة لديها جهاز رقابي صارم وحقيقي، يشبه ما يسمى «مراقب الدولة» في كيان العدو الصهيوني، وما يسمى بقاضي الدولة في الدول المتقدمة، حيث يتمتع المراقب والقاضي بحرية الوصول إلى كل المعلومات في الدولة، ويتأكد من سلامة التزامها بالقانون، علما بأن ديوان المحاسبة لدينا مختص بالجانب المالي والأرقام فقط، في حين يختص المراقب والقاضي بمراقبة كل الأنشطة الخاصة بالمسؤولين، مالية كانت أم سياسية، ومع هذا لنا أن نفخر بوجود دائرة كديوان المحاسبة في بلادنا، ونرجو أن يتم تعزيز كادرها وإيلائهم كل اهتمام وعناية، فهم الحراس الأمينون على أموال الناس!
ثانيا/ لمست من مطالعتي لبنود رواتب ومصروفات كبار الموظفين، أننا نعيش في بلد لا ينتمي إلى منظومة الدول النامية، أو دول العالم الثالث، فالأرقام التي تتحدث عن رفاهية هؤلاء، تقول أننا بلد من العالم الأول، حيث ينافس راتب مدير عام دائرة راتب رئيس دولة من دول العالم الأول، لا الثاني ولا الثالث، وهي مفارقة غريبة وتحتاج لبحث معمق، حيث تتسع الهوة بين رواتب تلك الطبقة وبين رواتب بقية أبناء الشعب، لتزيد عن حفرة الانهدام التي تفصل بين قارتين، وهو أمر مهول ويكاد يكون غير قابل للتصديق، فليس معقولا أن يبلغ راتب مدير واحد رواتب مائة موظف مدني أو عسكري، هذا فضلا عن المكافآت والبدلات ومصاريف السفر والضيافة، وما خفي أعظم بكثير!
ثالثا/ لاحظت تكرار عبارات تفيد بعدم امتثال المؤسسات والشركات المملوكة للحكومة أو المساهمة فيها، والجامعات الحكومية، بتوصيات الديوان، تعقيبا على مخالفاتها، رغم تكرار المخالفات، وكأن عمل الديوان غير موجود، حتى لتشعر أن لدى المخالفين سلطة مطلقة في فعل كل ما يريدون دون الاهتمام بالقانون وما يفرضه عليهم، ولا يستثنى من هذا إلا ما يطبق على صغار الموظفين بالطبع!
رابعا/ ما يعلق بقانون الدين العام، ثمة امر غير مفهوم ومثير للفزع، من حيث مخالفة بنوده وكثرة التعديلات عليه، وما رافق هذا الأمر من قفز أرقام المديونية قفزات فلكية خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع ما يشكله هذا الأمر من خطر على «هيبة الدولة» ومركزها المالي، حيث تشعر أن القائمين على هذا الأمر يصرفون صرف من لا يخشى العاقبة، وهي وخيمة كما يعلم الجميع!
خامسا/ تضمن التقرير قضايا فساد لا شك فيها، تقتضي المساءلة القانونية، ونحن ننتظر أن تجد طريقها إلى القضاء، فضلا عن وجود هدر مهول في المال العام، يرتقي إلى مرتبة الفساد أيضا!
أخيرا، تقرير الديوان الأخير، ومصيره المنتظر، هو ما سيحدد إن كانت «الدولة» جادة في البحث عن طريق للخلاص من الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، أو أنها غير معنية بعلاج المريض، المهدد في كل لحظة بالموت السريري!

تابعو الأردن 24 على google news