تربويون لجو24: نتائج التيمز اثبتت استمرار تراجع التعليم.. ولا بدّ من لجنة ملكية وترتيب الاولويات
جو 24 :
أحمد الحراسيس - ايجابية واحدة حتى الآن لنتائج اختبار التيمز التي أظهرت تراجع مستوى طلبة الصف الثامن الأردنيين في مادتي الرياضيات والعلوم، وهي أننا عرفنا حقيقة مستوى التعليم العامّ لدينا؛ طلبتنا يعانون ضعفا شديدا في الموادّ الأدبية بحسب تصريحات وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ذنيبات تماما كما يعانوه في المواد العلمية..
وكي نكون عمليين أكثر، فلا بديل عن استنفار كافة أجهزة الدولة المعنية ومؤسساتها لانقاذ التعليم من حالة التداعي التي يعانيها والبحثّ عن حلّ متوسط وطويل المدى لهذه المشكلة، ولعلّ اعتراف الوزير ذنيبات بالمشكلة هي أولى خطوات الحلّ وأهمّها، ولكنّها تحتاج لخطوات كثيرة بعدها..
وفي هذا السياق، يؤكد تربويون وخبراء أكاديميون أهمية تضافر الجهود لتحقيق هدف واحد فقط، وهو تدارك التعليم ومنع انهياره بشكل كامل، وتركيز الجهود على الغرفة الصفية والمعلمين وعلى المناهج التعليمية.
المعاني: التراجع مستمر
ويقول وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي الأسبق الدكتور وليد المعاني إن النتائج كشفت استمرارا بالتراجع في مستوى طلبتنا الممتحنين، وهو ما يشير إلى خلل في أساليب التدريس أولا، وأن المناهج التي يجري التدريس على أساسها ليست على ما يرام ثانيا.
وأضاف المعاني لجو24: "لقد عشنا خلال السنوات الماضية حالة من الوهم الكبير بعد أن جرى اخبارنا أن أمور التعليم لدينا بخير وأننا نقفز خطوات متقدمة على سلّم التطوير، لكن جهة دولية محايدة ومعروفة جاءت لتقول لنا عكس ذلك تماما وتخرجنا من حالة الوهم تلك، وهو ما يستوجب منّا مراجعة أنفسنا للوقوف على مواضع الخلل واصلاحها بشكل حقيقي دون اجراءات تجميلية".
وحول سُبل الخروج من تلك "المصيبة" كما وصفها الوزير الأسبق، قال المعاني: "نحن في الأردن لن نعيد اختراع العجلة، هنالك أساليب وخطط معروفة اتبعتها الدول التي كانت متأخرة حتى نهضت وتجاوزتنا، ولا بدّ من الاطلاع على تلك الخطط للاستفادة منها في حالتنا أيضا".
ودعا المعاني إلى مراجعة أساليب التدريس التي يعتمدها المعلمون في الغرفة الصفية والابتعاد عن أسلوب نقل المعرفة بشكل مباشر دون تحفيز الطالب على التفكير والابداع ونهج التلقين، مشددا في ذات السياق على ضرورة إعادة تأهيل المعلمين وتحفيزهم بالمكافآت الادارية.
وأيّد المعاني توصية لجنة الموارد البشرية بإعطاء دبلوم للأشخاص الذين يرغبون بالانخراط في سلك التعليم، مشيرا إلى أن تلك التوصية من شأنها اخراج معلّم جاهز للتعامل مع الطلبة ونقل الخبرة والابداع لهم.
ولفت المعاني إلى ضرورة أن يصاحب تأهيل المعلم تطوير حقيقي للمناهج أيضا، مبيّنا أن عملية الاصلاح الشامل لا يمكن أن تتمّ خلال عام أو اثنين، بل يجب أن تكون خطة متكاملة طويلة المدى إلى جانب اجراءات عاجلة على المدى القصير تنقذ ما يمكن انقاذه.
المعاني أكد ضرورة عدم الاستسلام لليأس والاحباط في هذا الملف، مشددا على ضرورة أن يدرك الناس خطورة الأوضاع التي نعيشها وأهمية تضافر جهود الجميع من أجل انقاذ التعليم.
الرواشدة: لا بدّ من لجنة ملكية
نقيب المعلمين الأسبق والنائب السابق مصطفى الرواشدة اتفق مع الوزير المعاني في العديد من النقاط وعلى رأسها أن الامتحان أثبت تراجع المستوى العام في التعليم، وهو ما قال انه دليل على فشل جميع السياسات التعليمية السابقة.
ودعا الرواشدة إلى تشكيل لجنة ملكية لانقاذ واصلاح التعليم على غرار اللجنة الملكية لتطوير القضاء، حيث أن التعليم هو الأساس لبناء المجتمعات والدول وقد وصل "مرحلة الخطر" في الأردن.
وقال الرواشدة لجو24: "إن مشكلة التعليم العام في الأردن نابعة من قلة الاهتمام بالغرفة الصفية والمعلمين، وبالرغم من وجود برنامج لتدريب وتأهيل إلا أنني أؤكد أنه لا زال قاصرا وأثره على الغرفة الصفية في كثير من المواقع صفر"، مشيرا إلى عدم التركيز على مهارات التدريس بعيدا عن التلقين.
ولفت الرواشدة إلى ضرورة تقديم مزيد من الدعم للغرفة الصفية التي هي أساس العملية التعليمية، ويكون ذلك بدعم المعلمين ماديا وتخفيف "الأنصبة" عليهم وتوزيع المواد عليهم كلّ حسب اختصاصه، مشيرا إلى أن ذلك الأمر سيجعل المهنة جاذبة ويرفد الوزارة بالكفاءات.
واضافة للارتقاء بالغرفة الصفية، رأى الرواشدة ضرورة أن يرافق ذلك الأمر تطوير حقيقي للمناهج، وبخاصة كتب المواد العلمية.
الرواشدة أكد أن وزارة التربية والتعليم والحكومة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الكارثة التي تحيق بقطاع التعليم العام، حيث أنها الجهة الوحيدة التي تملك اتخاذ القرارات ولا تشارك أحدا في ذلك، داعيا إلى اشراك أطراف العملية التعليمية كلها والمجتمع في اتخاذ القرار بدلا أن تظلّ تلك الأطراف مجرّد متلقٍّ للقرارات والتعليمات.
وقلل الرواشدة من حجم تفاؤله بإمكانية انقاذ التعليم مما هو فيه "إذا بقي الاصلاح كما هو عليه الآن، فإذا لم نعالج هذه الأمور سيكون الاصلاح مجرّد كلام في الهواء".
العتوم: اعادة ترتيب الأولويات
النائب الحالي وأمين سرّ نقابة المعلمين سابقا، هدى العتوم، اعتبرت أن النتائج كانت طبيعية ومتوقعة للمراقب، حيث أن القائمين على شؤون التعليم ووزارة التربية لا تعطي الغرفة الصفية الأولوية، كما أن النظام التعليمي في المملكة يركّز على الشكليات أكثر من الأمور الجوهرية.
وأكدت العتوم لجو24 على ضرورة مراجعة "أولوية الانفاق" لدى وزارة التربية والتعليم، مشيرة إلى أن الوزارة تصرف المنح الواردة لدعم التعليم في غير محلّها وخارج الغرفة الصفية، حيث تستحوذ أكاديمية الملكة رانيا العبدالله على جزء كبير من ذلك الدعم بالرغم من كون الاكاديمية تحصل على تمويل خارجي خاص.
ولفتت العتوم إلى أن الوزارة قامت أيضا بصرف مبلغ 12 مليون دينار على تركيب أجهزة مراقبة الدوام "البصمة" والكاميرات في المدارس، رغم حاجتها الماسة لاستثمارها في الغرف الصفية التي لا يجد كثير من المعلمين مكانا للوقوف فيها، بالاضافة لعجز المعلمين عن ضبط وتدريس 50-60 طالبا في الصفّ الواحد.
وقالت العتوم إن نصاب المعلمين المرتفع يؤثر سلبا على أدائهم في الغرفة الصفية نتيجة التعب والارهاق الذي يصيبهم، متسائلة عن الزوائد التي قالت الوزارة إنها قامت بتذويبهم وربما وصل عددهم إلى 10 آلاف معلم، ولماذا لم ينعكس ذلك العدد على تخفيض أنصبة المعلمين.
وأشارت العتوم إلى عدم وجود دلائل على نية الوزارة الارتقاء بالتعليم، خاصة وأنها لا زالت تتبع سياسة دمج تخصصات المعلمين، حتى أصبح مدرس الفيزياء يعلّم الرياضيات أحيانا واستاذ الكيمياء يعلّم مادة الفيزياء في أحيان أخرى.
وحول ملفّ تأهيل وتدريب المعلمين حديثي التعيين، أكدت العتوم أن معظم وربما جميع المعلمين يتخرجون من الجامعة ويباشرون عملهم كمدرسين وليس لديهم أي خبر إلا ما كان يشاهده من معلميه الذين درّسوه عندما كان طالبا.
وتساءلت النائب العتوم عن علاقة أكاديمية الملكة رانيا العبدالله بتدريب المعلمين، وهل هو مسؤوليتها أم مسؤولية الوزارة، مشيرة إلى أن الوزارة تخلّت بشكل تامّ عن التدريب رغم أنها تملك ما لا تملكه الأكاديمية من مقوّمات.
وأكدت العتوم على أن المدة المقررة للتدريب غير كافية أبدا وربما لا يستفيد منها أحد، حيث أن المعلم المعيّن يفترض أن يتعرف خلالها على الأنظمة والقوانين والاستراتيجيات، داعية إلى زيادة مدتها وجعلها الزامية منذ بداية العطلة الصيفية ويتم تقسيمها "شهران نظري، وشهر للتطبيق العملي".
العتوم رأت ضرورة أيضا بتطوير المناهج العلمية بشكل حقيقي وبعيدا عن التشويه الذي طال المناهج الانسانية، مشيرة إلى أن الوزارة اقتصرت في قراراتها على تنظيم امتحان شهادة الثانوية العامة وضبط الامتحان والغاء التخصصات ودمجها وتعديل المناهج والغاء علامة الرحمة، وكأن الهدف من كلّ تلك "الاجراءات الادارية" تقليل أعداد الناجحين في التوجيهي".
ولفتت العتوم إلى تعاطي وزارة التربية والتعليم مع قطاع التعليم الخاص الذي يجري الضغط عليه بشكل غير منطقي، حتى أدى ذلك الأمر لترحيل الطلبة إلى المدارس الحكومية غير القادرة أصلا على استيعابهم، معبّرة عن استغرابها من ذلك الأمر بخاصة وأن الوزارة لا توفّر خدمة منافسة في مدارسها بل وتعاني من مشكلات عديدة.
ودعت العتوم إلى تشكيل مجلس موحّد للتعليم العامّ والعالي والتقني، وترسيخ التشريعات واستقرار سياسات التعليم، معبّرة عن عدم تفاؤلها بانقاذ التعليم اذا ما بقيت الأمور على حالها.
دعاس: سياسات تجهيل.. ولا نهوض بالأمريكان
ومن جانبه، قال منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" الدكتور فاخر دعاس إن الأردن لم يكن متميزا في اختبارات "التيمز" لكنه كان مقبولا، غير أن النتائج الأخيرة تجعلنا نتحقق أكثر من كون التعليم لدينا تراجع بمستويات كبيرة.
وأضاف دعاس لجو24 إن أهم أسباب ذلك التراجع هو أسلوب التدريس والمنهاج المقرر للتدريس، حيث أصبحنا نتحول باتجاه "التجهيل أكثر من كوننا نرتقي بالتعليم"، مشيرا إلى أن المناهج تعرضت لعبث كبير استهدف تفريغها من محتواها العلمي بذريعة "تخفيف الحشو".
وقال دعاس: "المادة العلمية في الكتاب المدرسي أصبحت قليلة جدا ولا تتناسب وقدرات الطلبة، ففي اللغة العربية مثلا كان طلبة الصف الرابع يدرسون أربع قواعد في الفصل الأول ومثلها في الثاني، لكنها صارت قاعدتان في الفصل الأول ومثلهما في الثاني، والأمر ذاته ينسحب على مواد الرياضيات والعلوم التي اختبرها امتحان التيمز".
وأشار دعاس إلى أن التلقين لم يعد يتوقف حدّ نقل المعلومة وتحفيظها للطلبة، بل تجاوزه نحو ابتداع نهج "أوراق العمل" وهي ورقة اسئلة توزّع على الطلبة قبل الامتحان وتكون شبيهة بما سيضمنه المعلم في الاختبار، "فصار لدينا تلقين للمعلومة وحتى الاسئلة، وبشكل يحدّ من قدرات الطالب العقلية ويعوّده على عدم التفكير والابداع".
ورغم تأكيده على ضرورة اخضاع المعلمين حديثي التعيين لدورات تدريبية، غير أن دعاس انتقد آلية التدريب المتبعة حاليا، مشددا على ضرورة احداث تغيير عليها وأن لا تكون بإشراف الـUSAID، "فالملفّ وطني وسيادي لا بدّ أن يديره أردنيون وطنيون بامتياز ودون تدخل من أية جهة".
واختتم دعاس حديثه بالتأكيد على أن "لا تفاؤل بحدوث أي اصلاح، بل نحن أمام مزيد من الانهيار طالما ظلّ أمرنا بيد الـUSAID وقرار التعليم يخضع لتوجيهات أو تدخلات من الأمريكان".