بين منزلين: الصفدي والمعشّر
ثمة أهمية خاصة للقاءين الأخيرين للملك مع شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة غير الإسلامية (في منزل كل من أيمن الصفدي ورجائي المعشر). فما تسرب منهما عبر المواقع الالكترونية يكشف عن حوارات صريحة وجريئة وعميقة، وتبادل لوجهات نظر، والنتيجة الرئيسة أنّ الملك ومن حضر جميعاً خرجوا بانطباعات إيجابية.
بالضرورة ليست هي المرّة الأولى التي يلتقي فيها الملك معارضين، أو يستمع لأحاديث ورؤى نقدية للوضع الراهن وللسياسات العامة، فأغلب لقاءاته يكون فيها أصحاب هذه المواقف والآراء، لكن قيمة هذين اللقاءين تحديداً تتمثّل في أنّ الحضور كانوا من ألوان سياسية معروفة وواضحة، في كل لقاء مجموعة لكلّ منها طرحه السياسي الخاص. والأهم من ذلك أنّ أغلب المشاركين هم من الشخصيات التي غالباً ما يتم تجاوزها أو لا يفكّر فيها – تقليدياً- عندما ترتّب مراكز القرار مثل هذه اللقاءات، فما حدث في اللقاءين السابقين بمثابة اختراق سياسي نوعي.
النتائج إيجابية خفّفت من درجة الاحتقان وبنت جسوراً من التواصل، وخرج الجميع من الأفكار النمطية الاتهامية، وهي نتائج أقل بكثير من الفائدة المرجوة فيما لو أنّ الحكومات بادرت إليها مسبقاً، ولو أنّها تنبّهت إلى خطورة انسداد قنوات الحوار السياسي المعمّق مع الجميع، والاستماع إلى الأطراف المختلفة في المشهد لما وصلنا إلى الظرف الراهن!
أجزم أننا لم نكن لنصل إلى الأزمات الراهنة لو أنّ الحكومات لم "تتترس" حول أفكار مسبقة جاهزة تدين هذه الخطابات والشخصيات وتحكم عليها بطريقة عدائية، أو الاكتفاء بتقارير لا تحمل إلاّ معلومات منقوصة ومبتورة من المشهد، تذهب نحو قراءة مختزلة وقاصرة للحراك الشعبي وللمطالب المختلفة.
كان عنوان المقاربة الرسمية هو "إنكار" العوامل الموضوعية التي أدت إلى صعود الحراك أو المطالب الإصلاحية، واقتصرت المبادرات على جماعة الإخوان المسلمين، مع أنّها – بالرغم من حجمها الكبير- تمثّل طرفاً واحداً من أطراف المعارضة السياسية، وتعكس مطالب سياسية بالأساس. في المقابل؛ تجاهلت "مطابخ القرار" خطابات وقوى صاعدة تتأسس على شروط موضوعية، ما أنتج خطأً فادحاً في قراءة المطالب الإصلاحية، وبالتالي دفع إلى التأزيم وتصعيد السقوف خلال الآونة الأخيرة.
في لقاء الملك تمّ الحديث في "المحرّمات الرسمية" كافةّ؛ الفساد، الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الملف السوري، البدائل الممكنة لحالة الانسداد الحالية، الأسعار والبطالة وقصور مشاريع التنمية في المحافظات. الخ.
البركة الأولى تمثّلت بتوجيهات ملكية بإطلاق سراح المعتقلين وبكشف حجم الضرب والإهانة التي تعرّض لها المعتقلون، وإعلان الملك رفض توقيف المواطنين بسبب آرائهم السياسية، والتوافق على التواصل وتقديم البدائل العملية. هذه الانطباعات الإيجابية لمستها من تواصلي مع الأصدقاء خالد رمضان وخالد كلالده ومبارك أبو يامين، وقراءة ما كتبه كل من محمود الحياري وعلاء الفزّاع وأدهم غرايبه، وأتمنى أن تستمر هذه اللقاءات ونرى حواراً مماثلاً بين الملك ونشطاء حراك الطفايلة، وأن يسارع مطبخ القرار إلى تدشين قنوات الحوار من جديد مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين، فالمقاطعة لا تعني القطيعة، والاختلاف لا يؤدي بالضرورة إلى الصدام والصراع.
الاختلاف طبيعي، المهم بناء قواعد إدارة الاختلاف وعدم تحوّله إلى أزمات سياسية وانسدادات، في الأفق، كما هو الوضع الراهن.
هذه النخب الشبابية هي التي تمثّل روح المستقبل وتحمل مشاعل الإصلاح والتجديد وهي القيادات السياسية القادمة. أمّا الذين يتمسكون برفض التغيير ويصرّون على المقاربات الخشبية التقليدية، وعلى التهوين من الهزّات العنيفة والتغيرات الكبيرة الجارية، فلم يعودوا قادرين على تقديم النصح النافع، بل ستكون آراؤهم وبالاً على الدولة والمستقبل!
( الغد )