الأردن والضفة: حدود أم جبهة ؟
لا يجوز ان نصدق الرواية الاسرائيلية التي تصدر بين وقت وآخر حول التفجيرات التي تجريها في منطقة الأغوار على الجانب الاخر في الضفة الغربية المحتلة ، وهي الرواية التي تم تداولها حول التفجيرات التي أجرتها اسرائيل امس .
فما يحدث بين وقت وآخر من تفجيرات إسرائيلية على الجانب الاخر من النهر ليس مجرد ازالة ألغام ، وفي العام الماضي كان دوي هذه التفجيرات يهز المنازل في غرب عمان ، وقد كنت بمنطقة الكفرين عندما كان دوي الانفجارات يهز الارض وكانه زلزال ، فالتفجيرات القوية التي تكررت ناجمة عن تحويل منطقة جنوب البحر الميت الى ساحة تجارب في عمق الارض لأنواع من الاسلحة غير التقليدية وهو ما يحدث ارتجاجات تمتد حتى جبال عمان .
ومن المفارقات المضحكة المبكية في ذلك اليوم من العام الماضي ان احدى وسائل الاعلام المحلية ذكرت تعليقا على الموضوع زاعمة بان الاهتزازات والاصوات ناجمة عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية تجريها الحكومة لترويع الناس وتخويفهم من مواصلة الاحتجاجات والمسيرات .
بعد ما اعلن أخيرا عن خطة استيطانية كبيرة ستباشر سلطات الاحتلال تنفيذها جنوب القدس المحتلة بحيث تمتد حتى شواطئ البحر الميت لتقسم الضفة الى قسمين ،شمالي وجنوبي ، كما يقول ياسر عبد ربه ، وبعد الاعلانات المتكررة لحكومة نتنياهو عن قرب البدء ببناء الجدار العازل على امتداد منطقة الأغوار .
فان حكاية الألغام تأتي في سياق العمل لتمهيد الارض استعدادا للمباشرة في اقامة الجدار والمستوطنات اي تهويد منطقة الأغوار . وهو ما يعني انتهاكا واضحا لاتفاقية السلام التي رفض الاردن فيها تخطيط الحدود مع اسرائيل في تلك المنطقة ، لان الضفة الغربية ارض تابعة لدولة فلسطين المنشودة وبالتالي سيتم ترسيم الحدود مع فلسطين وليس مع اسرائيل .
إن بناء المستوطنات وامتدادها من جنوب القدس المحتلة الى البحر الميت والأغوار سيخلق واقعا خطيرا لا يهدد فقط فرص اقامة الدولة الفلسطينية انما يضرب في العمق المصالح الأمنية والوطنية للأردن ، لان الضفة الغربية تشكل عمقا لهذه المصالح وتحويل الأغوار الى حدود إسرائيلية لم يتم الاعتراف بها كحدود في معاهدة السلام سيحولها الى جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات والحسابات الخطرة .
من المؤسف ان نشغل انفسنا ، كأردنيين وفلسطينيين ، بين حين وآخر ببالونات اختبار خبيثة مثل الكونفدرالية مع كانتونات مفترضة او بالوطن البديل ، وحتى الجري خلف وهم وجود عملية سلام . بينما الاحتلال منشغل على مدار الساعة بالانتهاء من تنفيذ مخططاته في ضم وتهويد الضفة والقدس قبل نهاية العقد الحالي ، وفرضه كأمر واقع وربما بمصاحبة سيناريوهات اخرى سياسية وعسكرية ضد الاردن وفلسطين .
الان وبعد ان أطفئت شموع الاحتفالات بقبول الامم المتحدة فلسطين دولة غير عضو ، فان لا شيء مهما على المستوى الفلسطيني اولا، والأردني ثانيا، والعربي ثالثا ، من ان توضع الخطط وتعد الحملات السياسية والدبلوماسية والنضالية من اجل طرح خطر الاستيطان في جميع الساحات والمنتديات وعلى مستوى العلاقات العربية مع امريكا وأوروبا .
لقد نجحت اسرائيل وحدها في تجنيد الغرب وحتى العرب ضد ايران ومفاعلها فهل سينجح العرب بعددهم وإمكاناتهم وعلاقاتهم وأموالهم وأرصدتهم في وضع ملف الاستيطان على رأس قضايا الأمن والسلام في العالم داخل مجلس الأمن وخارجه ؟
اذا لم ينجحوا في ذلك فمن اين لهم ان يتجنبوا حالة التدمير الذاتي التي يعيشها العالم العربي وهو ينحدر نحو مزيد من التطرف هروبا من مشاعر الذل والهوان وسلب الحقوق وامتهان الكرامات والمقدسات في فلسطين وغيرها .
(الراي)