بانوراما الحراك.. بين عزلة "الحسيني" وإعلان موسم الهجرة إلى الجنوب
كتب تامر خرمه
حالة أشبه ما تكون بالعزلة هيمنت على فعاليّة الجمعة في وسط البلد، حيث اقتصرت المشاركة على عشرات النشطاء الحراكيّين في ظلّ تخلّي القوى التقليديّة عن "جمعة الحسيني" منذ انتهاء هبّة تشرين، أضف إلى ذلك سوء الأحوال الجوية التي لم تشجّع المواطنين على المشاركة في تلك الفعالية.
وربما لا يكون وسط البلد هو المكان الأمثل لإقامة الفعاليّات الاحتجاجية بعد أن استلمت الحراكات الشبابيّة والقوى الناشئة زمام المبادرة إثر انحسار التواجد الحزبي في الشارع.. فرغم القيمة الاعتباريّة التي اكتسبها "الحسيني" خلال الربيع الأردني -باعتباره أبرز محطات العمل الجماهيري- إلا أنّه استنفد دوره ونقل رسالة الحراك "من زمان" إلى النظام والناس على حدّ سواء.
ونظرا لاختلاف أولويّات الحراكات الشبابيّة والقوى الناشئة -التي تعتبر تفكيك بنية قوى الاستبداد حدّا أدنى لمطالبها- عن تلك الأولويّات التي طرحتها القوى التقليديّة باعتبار تغيير قانون الانتخاب يشكّل حجر الرحى في تحقيق الإصلاح المنشود، فإنّ وسط البلد لن يكون المكان الأمثل بالنسبة للجنة الحراكات، أو لأيّة صيغة ائتلافيّة قد تجمع القوى الناشئة التي لا يمكن ضمان استمراريّتها دون البحث عن وسائل وآليّات العمل مختلفة يكون من شأنها كسر طوق النخبويّة الذي مازال يقيّد الحراك الشعبي.
استنهاض الشارع يشكل المهمّة الرئيسة أمام هذه القوى التي تطرح نفسها كبديل عن الأطر الكلاسيكيّة، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه عبر فعاليّات روتينيّة تقتصر المشاركة فيها على بعض النشطاء.. ما يعني انّ على هذه القوى نقل فعاليّاتها إلى داخل الأحياء الشعبيّة، والبدء بعقد الحوارات واللقاءات التي لا تقتصر على النخب.
هذا ما أدركه نشطاء الحراك وشبيبة الأحزاب السياسيّة في الكرك، حيث سبقت فعاليّة الجمعة عدّة لقاءات وحوارات مع مختلف القوى والفعاليات الشعبيّة التي عبّرت عن إيمانها بتوحيد الجهد وتفعيل العمل المشترك من خلال طرق أبواب الناس والتحدث بلغتهم.
كما كان لصورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي رفعها المشاركون في فعالية الجمعة رسالتها الواضحة، التي تلخص المطالب الشعبية فيما يتصل بشعار العدالة الاجتماعيّة، بالإضافة إلى مواقف الحراك من مجمل القضايا القوميّة.
اللقاء التشاوري الذي ضمّ حراك معان والطفيلة والكرك والعقبة قبل فعاليّات الجمعة، تقرّر خلاله عقد اجتماعات دورية بين هذه الحراكات للتنسيق فيما بينها وتوحيد جهودها، فكان شعار "لا للقبضة الأمنية" هو العنوان الذي اتفقت عليه كافة حراكات الجنوب في جمعة قد تشكل بداية مرحلة مختلفة يتمكن خلالها الحراك من استنهاض الشارع.
ولا ننسى ان قضيّة المعتقلين السياسيين شكّلت مجدّدا محور التقاء كافة القوى التي نجحت في مدن ومحافظات الجنوب بالارتقاء إلى درجات أعلى من التنسيق فيما بينها.. وهنا يمكن القول بأن السلطة لعبت دورا أساسيّا في دفع الحراك إلى مستويات متقدّمة -بلغ فيها أهمّ محطّاته- من خلال تعنّتها وإصرارها على اللجوء إلى ذات الأساليب البائدة في مواجهة المطالب الشعبيّة !!