حلم على أعتاب العام الجديد
لو اردنا احصاء القمم والاجتماعات العربية منذ عهود الاستقلال قبل اكثر من نصف قرن لوجدناها بالمئات ، ولو اردنا أرشفة القرارات التي صدرت عن هذه الاجتماعات على مستوى القمة وعلى المستويات الدنيا الأخرى ، حكومات ووزارات ولجان لوجدنا ان ذلك يحتاج الى حاويات بعدد تلك الموجودة في جبل علي في دبي ، لا شيء جديا في العمل العربي المشترك وعلى العكس هناك درجة عالية من المهارة والقدرة على مخالفة ما يتم الاتفاق عليه .
حتى اليوم ومنذ بداية القرن الماضي ثبت ان مصائر العرب تخطط في دوائر العالم الغربي وأنها تنفذ وتصبح حقائق ديموغرافية وسياسية على يد العرب انفسهم بل انها تتحول الى مكتسبات وطنية . هذا ما كان في اتفاقية سايكس - بيكو ، وحتى الجامعة العربية هي من مواريث الاستعمار البريطاني لهذا يتمسك بها الجميع لانها ليست جامعة انما اطار كرس القسمة والانقسام . الغرب يعرفنا اكثر مما نعرف انفسنا .
في عام ٢٠٠٦ كتب رئيس مجلس العلاقات الامريكية ريتشارد هيس مقالة في ( الفورن أفيرز) بان الشرق الاوسط دخل مرحلة جديدة . سينتشر فيها الفوضى والتطرف وسيزداد نفوذ اسرائيل وإيران وستبقى الجامعة العربية ضعيفة وستتيح العولمة والتكنولوجيا الفرصة لوجود الحركات المتطرفة . ويرجع هيس اسباب ذلك الى غزو العراق وفشل السلام العربي الاسرائيلي ووجود الأنظمة المستبدة .
في عام ٢٠١٢ نجد ان العالم العربي هو على الصورة التي تنبأ بها هيس ، الذي يعتبر من كبار المحافظين الجدد في عهد بوش ، انهم يعرفون أنظمة العرب وأحوالهم لدرجة قراءة مستقبلهم ، والسبب في رأيي واضح ، وهو ان الأنظمة وضعت كل أوراقها في يد الأجنبي ولم تترك لشعوبها الا الوعود والفقر والفساد وعادة الاتكال على القوى الاجنبية وثقافة التعصب التي تجعل العمل العربي المشترك مستحيلا .
لا اعتماد على إرادة الشعوب ولا ثقة بها ولا رؤية لمصالح الأوطان الا من خلال الشركات الكبرى العالمية وبنوكها وخبرائها، والنتيجة ان مصائرنا اصبحت في علم الغيب بعد ان تحولت الجامعة العربية الى مهنة التسول على أعتاب مجلس الأمن ، فهو الذي يقوم بدورها في حل أزمات العرب ووقف سفك دماء الأنظمة لشعوبها ، ومنه يستجدى الأمن والأمان وحتى انه بدونه لا يستطيع الهلال الأحمر والصليب العمل لإيصال الغذاء والدواء الى المنكوبين بقتال الأخوة في حلب وحمص حماة !!
لن تكون ديمقراطية في الدول العربية ولا مشاريع عمل مشترك تقيم بناء عظيما للأمن والاستقرار والتنمية والاختراع والنهضة الحديثة، ان لم تحترم هذه الامة وأنظمتها العقل والفكر وتقيم مراكز البحث ، وتعمل لمصالح شعوبها بناء على استنهاض عادة العمل والانتاج ومنافسة الشعوب الاخرى في الصناعة والعلوم والتجارة والأسواق .وليس من خلال ثقافة الاستهلاك الأعمى المدمرة للروح والإرادة والذات ، هذه الثقافة التي ترعرع في ظلها الفساد الاكبر.
على أعتاب العام الجديد لا املك الا هذا حلم ، الذي اتمنى ان يكون واقعا في عام ٢٠٥٠ ، واحول المسؤولين العرب الى الوقوف امام ما يقوله الصينيون منذ عقدين ، بانهم يعملون من اجل ان يكونوا قوة سياسية واقتصادية عظمى في عام ٢٠٥٠ وهم بالفعل سائرون نحو انجاز هدفهم ... السنوات ليست عقبة امام نهضة الشعوب ان امتلكت الارادة ، العقبة هي في روح الاستسلام للتبعية والاستمتاع بركوب العربة الاخيرة في قطار الحضارة .
(الراي )