تغيير المعادلة !
قرار مدّعي عام هيئة مكافحة الفساد بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لرئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات وليد الكردي، المقيم حالياً في لندن (بحسب الخبر، الذي نشرته "الغد" أمس) يمثّل خطوة مهمة ذات أبعاد سياسية وإعلامية، أكثر منها اقتصادية وقانونية.
هذا القرار جاء متأخرا قرابة 10 أشهر. لكننا بانتظار خطوات أخرى لتأكيد جديّة الدولة في حماية مواردها واستعادة الحقوق الاقتصادية والقانونية في أحد أبرز الملفات التي شغلت، وما تزال، الرأي العام، وهو موضوع الفساد.
قيمة القضية ليست حصرية بملف الفوسفات، بالرغم من أهميته وما يثيره من حزن شديد لطريقة التعامل مع أحد أبرز وأهم مصادرنا الطبيعية، وما شابها من اختلالات وشبهات كبيرة، سواء في عملية البيع او حتى الإدارة بعيداً عن أي نوع من أنواع المحاسبة والمساءلة والشفافية؛ إنّما للأسف عند النظر إلى جملة كبيرة من القضايا التي استفزّت الرأي العام خلال الأعوام الماضية، فأغلبها تمّت إدارته بالطريقة نفسها، وبالغموض ذاته!
بانتظار فتح ملف الفوسفات وتفاصيله المثيرة، فالهدف أن نتعلّم دروساً جديدة، مثل تلك التي تعلّمناها في الكازينو وملف توسعة مصفاة البترول، وقضايا الفساد الأخرى، إذ إنّ مثل هذه التفاصيل تساعد كثيراً في إغلاق الأبواب والنوافذ التي يدخل منها الفساد إلى بيتنا، كما حصل خلال السنوات الماضية.
ثمة ملفات لا تتجاوز أصابع اليدين أرهقت الدولة وقزّمتها لدى الرأي العام والمواطنين جميعاً، جرى تحويل بعضها إلى القضاء، إلاّ أنّنا لم نسمع (حتى الآن) أخباراً أخرى عنها، مثلما حدث في ملف مؤسسة موارد التي شغلت الرأي العام، ووضعت ديوناً كبيرة على الحكومة، ولم تتحرّك قيد أنملة منذ جرى سجن أحد أبرز المشتبهين فيها.
لن يتأكّد المواطن بأنّنا تعلّمنا الدرس، إلاّ عندما يرى رؤوساً كبيرة، تدفع ثمن الفساد والإفساد في المال العام والعبث في موارد الدولة وأموال المواطنين، فهذا هو عنوان دولة القانون والعدالة، وهو سرّ استعادة هذا الشعور الذي يؤثّر كثيراً على العلاقة بين الدولة والمواطنين، وفي إصلاح ما انكسر وتجبيره.
معالجة موضوع الفساد تتجاوز الأبعاد القانونية والقضائية والمالية، على أهميتها، فلها جانب رمزي وسياسي وشرعي كبير يتمثّل بإصلاح العلاقة بين الدولة والمواطنين واستعادة الثقة المفقودة، فالفساد كان بمثابة اخطبوط كبير كاسر يتربع على كتفي الدولة، ويرهقها ويكسّر من عزيمتها، ويهشّم صورتها، وإذا أردنا بالفعل إصلاح العلاقة والصورة وتغيير المعادلة، فعلى الدولة أولاً أن تحاسب هذا الاخطبوط، وأن تدوسه تحت أقدامها، وأن تبعث برسائل واضحة وصريحة للرأي العام والجميع تحمل في طيّاتها ضمانات مهمة، أنّ ما وقعنا فيه من خطايا لن يتكرر في المستقبل.
لتحقيق ذلك، المطلوب أن نرى نتائج واقعية ملموسة في أعمال هيئة النزاهة الوطنية، من تشريعات وسياسات وآليات لحماية المال العام، وأن نرى قريباً جداً تشكيل لجنة مراجعة ملف الخصخصة وكشف الأخطاء التي وقعت فيه، فمثل هذه الخطوات ستكون مهمة وحاسمة وضرورية لفتح صفحة جديدة في المستقبل.
(الغد )