عن الغائب والمغيب
أهم ما يلفت النظر في معظم الشعارات الانتخابية، ليس سطحيتها وخلوها من المضمون، بل أن أحداث العامين الفائتين، بما فيها سخرية الناس من مجلس نواب المنحل، لم تزده إلا أهمية كوسيلة لزيادة النفوذ والانتفاع الشخصي، وكل الشعارات والمسيرات لم تغير من أهداف وعقلية المرشحين شيئاً.
معظم المرشحين، يستحقون التهنئة، لأنهم اكتشفوا ويبدو منذ البداية، أن كل النقاش حول طبيعة قانون الانتخاب ليس أكثر من جدل عقيم ، وقد يكون مضيعة للوقت، أما "المعارك السياسية" حول النهج الاقتصادي، والفساد، و رفع الأسعار والمسائلة والمحاسبة، والحريات فهي جزء من مسلسل تركي مدبلج، عن عالم افتراضي متخيل لا يمت للأردن بصلة.
واضح أنهم كانوا على ثقة بأنه لن يتغير شيئاً، فلماذا عليهم أن يتغيروا؟ بل بالعكس الأمور عادت إلى نصابها الطبيعي، فلما لا يزداد الشخص وجاهة ونفوذاً وسلطة ، وربما وقد لا نعرف، يزداد ثروة على ثروة؟
العائلات والعشائر عادت للتنافس عن من سيكون له الحظوة بلقب جديد، أو بتجديد اللقب والمركز معاً، وبناء على نفس القيم والتوقعات ووفقاً لنفس الممارسات، بعيداً عن الواقع المعاش، بل وقد تكون هروباً منه، لأن لقب النائب ، للأسف، لا يقترن من بعيد أو من قريب، بالنسبة للكثيرين، بمسؤولية تحمل العام و المشاركة بصنع قرارات، أو على الأقل التصديق على قرارات مصيرية وحياتية، استراتيجية ويومية.
بعضهم منهم يعيد الكرة ،ويرشح نفسه مرة ثانية، لا يأبه ولا يؤنبه من تبعات تصويته لقرارات وإجراءات، فرطت بمقدرات الوطن و خربت بيت المواطن الفقير، و دفعت فئات أوسع إلى مشارف الافقار والتفقير.
لا الثورات العربية، ولا الحراك الشعبي، و لا ظهور مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية في الأثير العربي ، غيرت شيئا، في تقديس مركز النائب كرمز وجاهة و قوة فردية، كجواز سفر إلى مراكز اجتماعية تضع الشخص مع "علية القوم وأغناهم"، وعلى موائد وزراء ورؤساء، تميزه عن باقي قومه.
ولن أدخل بتذكر والتذكير تضحيات من ثار من أجل الحريات والعدالة في العالم العربي، لأنني سأفقد أي أمل ولن أقدر على متابعة كتابة المقال، و تخرسني موجة من العدمية.
في الوقت نفسه أغلبية المرشحين على حق، فلم يتغير شيئاً، والدليل الأكبر أن البرلمان السابق، رغم سوء صيته، سواء نتيجة للتزوير في الاقتراع، أو للأداء المخجل، فرض، ليس بشطارته وإرادته بالطبع، أجندة المرحلة المقبلة، فقد تصدى "بشجاعة" للمطالب الشعبية ولم يخفه شباب الحراك أو شعاراتهم، ولما لا؟ صحيح أن المجلس تم تسريح قبل موعده، ولكن أعضائه كسبوا مكانة نائب سابق، وقد يكون لاحقا، بينما عدد لا بأس به من شباب الحراك أصبحوا " أصحاب سوابق" وخريجي "سجون".
قد يكون لما آلت غليه الثورات العربية، من عنف واستقطابات حادة ، و تناحرات مجتمعية، بسبب عقود من الاستبداد وتدخلات خارجي عاملا قد يفسر عدم تحسن، بل قد يفسر تراجع إلى عادات وقيم سياسية، اعتقدنا أن بدء الانتفاضات أزف أفولها ونهايتها.
سأكتف هنا بالتعليق ومحاولة رصد الظاهرة ، وأترك التحليل لمقالات لاحقة، لكن لا يمكن المرور دون ملاحظة حالة هبوط محزنة، لأنها تبعت ما اعتبرناه بداية حالة نهوض بل وسميت بداية نهضة، فما كان مقبولا قبل عامين أصبح صادماً و غير محتمل اليوم.
أبغض أن أدخل السنة الجديدة بنفس متشائمة، فليس من حقي أن افقده ولم أفقده.
لكن من واجب الكاتب مواجهة نفسه والقارئ بما يحدث دون تنميق أو تجميل، فلا يمكنني الاحتفاء بظاهرة غياب هموم الناس والوطن، بغض النظر عن موقفي من المشارك أو مقاطعة الانتخاب، خاصة أن الفقير فينا، ومن سيضحى فقيراً، يبدأ السنة الجديدة معذباً بوعيه بالغلاء القادم ومن لسعة برد أو قرصة جوع، مستثنى ومهمش في طموحاته وآلامه من العرس ديمقراطيا كان أو غير ديمقراطي.
(العرب اليوم )