jo24_banner
jo24_banner

التزام الحكومة باستراتيجية تنمية الموارد البشرية شفوي

التزام الحكومة باستراتيجية تنمية الموارد البشرية شفوي
جو 24 :
أخبار الأردن - أحمد الحراسيس - ستة أشهر كاملة مضت على الاحتفال المهيب الذي شهده الأردن تحت الرعاية الملكية لاطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، فيما بدا أن الزمن قد توقّف عند اللحظة التي تسلّمت فيها حكومة الدكتور هاني الملقي التقرير وتوصيات لجنة اعداد الاستراتيجية الوطنية..

منذ تلك اللحظة، وما زلنا نسمع جعجعة حكومية ولا نرى طحنا في سياق تنفيذ ما جاء من توصيات في الاستراتيجية التي انضمت الى اخواتها في ادراج وارفف المسؤولين الذين يفضلون ان ينفذوا استراتيجياتهم هم (..) واجتهاداتهم التي غالبا ما يثبت فشلها وعجزها عن السير بنا الى الامام ولو خطوة واحدة . حكومة الدكتور الملقي قامت مشكورة (..) في استعراض توصيات اللجنة والمصادقة عليها دون اجراء أي تعديل، ولكن هذه الحماسة لم يتبعها اي اجراء تنفيذي على الارض ،بل ان بعض الوزارات اتخذت قرارات تتناقض تماما مع ما جاء في الاستراتيجية من توصيات ورؤى .

علّ قائلٍ: يكفيكم في وسائل الاعلام تهويلا ومبالغات ،الحكومة تقوم بواجباتها ،وهي ملتزمة تماما بالاستراتيجية وما جاء فيها ، ولكن تطبيقا وتنفيذ توصياتها يحتاج الى بعض الوقت ،الحكومة لا تملك عصا سحرية ،ولا يجوز ان يظل الاعلام منشغلا بالنصف الفارغ من الكأس ،لماذا يتجاهل دائما النصف الممتلئ منه؟

وحتى نخرج من دائرة الاتهام تلك ،ولغايات توضح الاسباب التي دفعتنا للاعتقاد بان التزام الحكومة بالاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية كان شفويا لا اكثر ولا اقل ،سنقدم مثالين اثنين في قطاع التعليم العالي ،ومن خلالهما يمكن ان ندرك شكل التعاطي غير المنسجم مع نص وروح ما قدمته الاستراتيجية من توصيات :

الغاء الموازي

في البداية لا بدّ من تذكير الدكتور الملقي أن ادارة شؤون الدول تختلف تماما عن ادارة الشركات؛ وإن كان المستثمر يبحث عن مضاعفة أرباحه المادية دونما أي اعتبارات أخرى، فإن الحكومات تبحث عن تنمية الموارد البشرية لديها لتكون قادرة على بناء الأوطان والنهوض بها وباقتصادياتها وسياساتها..

لقد أوصت الاستراتيجية بتغيير نظرة الجامعات للطالب من كونه "صرافا آليا" إلى "استثمار"، وذلك عبر الإلغاء التدريجي للبرنامج الموازي، ولتعويض الجامعات عن الخسائر المادية التي ستلحق بها نتيجة إلغاء هذا البرنامج الشائه ، فقد نصّت الاستراتيجية على إعادة هيكلة الرسوم الجامعية تدريجيا مع تقديم دعم حكومي أيضا تدريجي يبدأ من 17 مليون دينار في العام الأول وينتهي بعد ثمانية سنوات بـ134 مليون دينار.. والحقيقة أن ذلك المبلغ ليس كبيرا اذا كان مرادنا هو النههوض بالجامعات وتحسين سوية مخرجاتها ،والاستثمار بالقوى البشرية المؤهلة لدخول سوق العمل .

يبدو الرئيس الملقي الذي يبني برنامجه الاقتصادية برمته على قاعدة الجباية ومن بعده وزير التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي يرفضان تماما فكرة إلغاء البرنامج الموازي، فلماذا نعود لدعم الجامعات ،وكيف يمكن "تكييش" هذا لاستثمار بالقوى البشرية ؟ ،طبعا هذا ليس توجه الحكومة فقط ،انما هي فلسفة عقل الدولة التي تتنصل من كل ادوارها.

حكومة الملقي لا تولي موضوعية نوعية الخريج الاهتمام الذي تستحقه ،ودليل ذلك تمسكها لا بل توسعها في البرامج الموازية ، متجاهلين حقيقة أن الإلغاء سيجعل الجامعات قادرة على تخريج نوعية أكثر كفاءة وأهليّة؛ فما قيمة ان تخرج جامعاتنا الاردنية سنويا نحو (70-80) ألف طالب ما دام غالبيتهم غير مؤهلين لدخول سوق العمل.

الواقع أننا تفاجأنا بداية العام الدراسي بتصريحات الوزير الطويسي التي أكد فيها أن الوزارة تتجه نحو السماح بقبول الطلبة الحاصلين على معدلات تقلّ عن 60% في بعض جامعات الجنوب على حساب البرنامج الموازي، وفي ذلك توسيع لمظلة البرنامج الموازي بدلا من الحدّ منه، كما أنه ضربة للخطط الحكومية والتوصيات المتعلقة بتوجيه الطلبة نحو التعليم التقني، بالاضافة إلى كونه يزيد من سوء الحالة التي تعيشها الجامعات الخاصة بمنافستها على الطلبة من ذوي التحصيل العلمي الأقل.

بالتأكيد الوزير الطويسي ليس وحده المسؤول عن ذلك القرار، وربما كان قد اتخذه اثر اشارات أطلقها الرئيس بعدم وجود نية لدى الحكومة لتقديم الدعم المالي المطلوب للجامعات..

سياسات القبول

وبعيدا عن نظرة الحكومة المادية للبرنامج الموازي دون الالتفات لتأثيره على جودة التعليم ومخالفته أسس العدالة، يبدو التخبط الحكومي واضحا فيما يتعلق بسياسات القبول أيضا، والحديث هنا عن التوجه نحو القبول المباشر في الجامعات وخارج مظلة وحدة تنسيق القبول الموحّد التي تضمن ابعادنا عن المحسوبيات في القبول، بذريعة أن استراتيجية الموارد البشرية أوصت بذلك..

والحقيقة أن الاستراتيجية الوطنية أوصت بتغيير سياسات القبول ولكن ليس بالصيغة التي ذهبت إليها وزارة التعليم العالي بالقبول المباشر للجامعات؛ فالاستراتيجية تنصّ على فتح باب التقدم للقبول في الجامعات وقبول الطلبة في التخصصات التي يختارونها كما في السابق، مع اشتراط دراسة جميع الطلبة "سنة تمهيدية" يتم فيها قياس مستوى الطلبة بإخضاعهم لامتحان دولي معتمد على غرار امتحاني "تيمز، وبيزا" في التعليم العام، واحتساب معدل قبول جديد لمن يمكنه الاستمرار بدراسة هذا التخصص من غيرهم.

المشكلة أن الوزارة وادارات بعض الجامعات تحاول الاجتهاد فيما ورد من توصيات من لجنة الموارد البشرية، وهنا لا نقول أن تلك التوصيات مقدّسة ولا يأتيها الباطل، ولكنّ توصيات اللجنة جاءت متجانسة ومتسلسلة يكمّل بعضها بعضا ،فلا يجوز ان تتعامل معها الحكومة بشكل انتقائي وعلى نحو تسحب من توصياتها المعنى والمضمون وبنفس الوقت تدعي به الالتزام والتطبيق لما جاء فيها ، وإلا فإننا نعود للسؤال حول سبب مصادقة مجلس الوزراء عليها كما وردت دون تعديل اذا كان غير مقتنع ببنودها وتوصياتها ؟

متابعة التوصيات

ربما كان الرئيس الملقي وفريقه الوزاري قد صادق على الاستراتيجية الوطنية استشعارا منهم بوجود رغبة ملكية جامحة بتطوير قطاع التعليم في الأردن. ولكن، وبما أن الحكومة قد وافقت على الاستراتيجية، لماذا لا تلتزم بمخرجاتها وتشرع بتنفيذ ما جاء فيها دون تحريف أو تبديل؟!

وبغضّ النظر عن موقفنا من الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والتي أعدتها لجنة تضمّ شخصيات أكاديمية تملك خبرة واسعة في مجال التعليم والتعليم العالي، فإنّ الحكومة اليوم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما ؛ إمّا اعلان التراجع عن اقرار الاستراتيجية وطلب تعديلها، أو الالتزام بالتوصيات التي صادقت عليها وتفعيل دور لجنة الاشراف على انفاذ الاستراتيجية دون تأخير..

الطويسي يردّ

ومن جانبه، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور عادل الطويسي، أن الوزارة تواصل العمل على انفاذ بعض توصيات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، غير أنها تتجه نحو فتح حوار حول التوصيات الأخرى وبخاصة ما يتعلق بإلغاء الموازي، نافيا أن تكون الحكومة قد وضعت الاستراتيجية "في الأدراج".

وأضاف الطويسي لجو24: "هنالك العديد من الملفات والتوصيات التي تحركنا لانفاذها، لكنّ الموازي تحديدا له حسابات خاصة لا يمكن تجاوزها، فالبدائل المطروحة لها تبعات أمنية واجتماعية خطيرة، سواء من ناحية رفع الرسوم بواقع 190% في معظم التخصصات أن دفع الحكومة 136 مليون دينار".

وقال الطويسي إن الوزارة قامت بوضع تصوّر يمزج بين البديلين المطروحين في الاستراتيجية، وهي تُجري الآن حوارا مجتمعيا حول تلك البدائل مع النواب وأمناء مجالس الجامعات وحتى اتحادات الطلبة.
تابعو الأردن 24 على google news