عثرات التسويق الزراعي الأردني - 1
ذهبت ذات مره لتهنئة وزير زراعة سابق لتوليه حقيبة وزارة الزراعة في الأردن، وكان مقربا لي وهو أحد موظفي وزارة الزراعة، ومن هنا جاء تواصلي معه عندما كنت اعمل في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي. وكما هي العادة في الأردن يكون في مجلس التهنئة العديد ممن هم من كادر الوزارة ومن المهنئين من خارجها.
ولحسن الحظ من كان متواجدا في تلك الفترة هم من موظفي الصف الأول في وزارة الزراعة وممن اطلقت عليهم لاحقا بطلاب مدرسة الهباب نسبة الى استاذهم في الاقتصاد الزراعي/ الجامعة الأردنية د. محمد سمير الهباب.
وبادرت حينها بالقول بان مشكلة التسويق الزراعي في الأردن هي من المشاكل التي يتعرض لها كل وزير زراعة وبشكل شبه يومي عندما يبدأ بممارسة عمله. ولكنني اعتقد ببساطة ان حل هذه المشكلة يمكن ان يتم من خلال إيجاد معادلة متوازنة ترضي أطرافها وهم المزارع / المنتج بالدرجة الأولى والمواطن/المستهلك بالدرجة الثانية بالإضافة الى محاولة تخطي او تحييد التجار/الوسطاء عن التأثير في السوق بالدرجة الثالثة.
واضفت بانني مكثت في أمريكيا ردحا من الزمن ، كنت الاحظ بان المنتجات الزراعية جميعها في متناول المواطن العادي هناك، ولم الاحظ يوما ان اي من هذه الأطراف الثلاثة (المزارع والمواطن والتاجر) تشتكي جميعها او انها متضررة كما هو الحال في الأردن. والمعادلة هناك كما يبدو تحكمها التشريعات وليست التعليمات التي يمكن اختراقها.
لاحظت من خلال حديثي ان ذلك لم يشد اهتمام ممن كانوا في المجلس على اعتبار ان ما أقوله هو في صميم عملهم واختصاصهم أي انهم يعلمون ما يفعلون. فآثرت على نفسي الصمت حتى نرى النتائج من طلاب مدرسة الهباب.
ومضت الشهور وحتى السنوات والحال على ما هو عليه بل في بعض الأشهر كان يسوء الحال على المزارع وعلى المستهلك معا والغريب أيضا انه وبنفس الوقت كان يرتفع صوت التاجر شاكيا. وأصبحت جميع الأطراف تشتكي في حالة من عدم الرضا عما يجري في السوق الأردني.
وفي الأشهر الأخيرة من عمر تلك الوزارة بدأ سيل التصريحات المعروفة بأن الوضع العام في المنطقة لا يساعد على استدامة التصدير لصالح المزارع، وخاصة فيما يجري حول الأردن، شرقا وشمالا وغربا. وهذه كانت ولا زالت هي الأسطوانة المتكررة والمريحة للمسؤول لذكر أسباب الفشل وربطها بالأوضاع الأمنية في المنطقة.
أقول ان عملية التسويق الخارجي (التصدير) هي في الغالب مسؤولية الحكومات ومن الصعب على ما يبدو ان ينجح اي وزير زراعة لوحدة، حتى لو كان يمتلك التخصص المناسب، ان يتحمل مسؤولية التسويق داخليا وخارجيا. ويتضح عبر السنوات ان تنظيم التسويق داخليا يمكن ضبطه من خلال مسؤوليات الوزير نفسه اما التعامل مع الخارج فالوزير يمكن ان يكون مشاركا فقط في المسؤولية، لان العبئ الكبير للتصدير الخارجي ينبغي ان تقع مسؤوليته على الحكومة متضامنة من اجل إيجاد الفرص التسويقية المناسبة خارجيا، ومن غير المنطقي ان يكون العبئ على وزير الزراعة فقط وخاصة اذا لم يكن مؤهل لكل ذلك.
والدليل على ذلك هو ان احد أسباب ما قامت به روسيا من غزو لسوريا والوصول كما يقال الى المياه الدافئة، هو في الغالب كان لكسر الحصار الاقتصادي الذي فرضته أوروبا عليها. فتحركت روسيا حسب مصالحها لكسر الحصار، فأصبحت دول المنطقة الدافئة من المغرب وحتى الباكستان تتنافس للتصدير الى روسيا، مع ان عملية التصدير مشروطة باستيراد ما يمكن استيراده من روسيا......
وللحديث بقية