عثرات التسويق الزراعي الأردني - 2
د. ماجد فندي الزعبي
جو 24 :
لا يخفى على احد ان العملية التسويقية بين الدول أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بمصالح هذه الدول، وهذا ما نلاحظه عندما يزور فريق اقتصادي منفردا او مرافقا لفريق دولته السياسي او الوزير المعني لها. ويحتوي الملف الاقتصادي بالضرورة على نسب الاستيراد ما بين الدول ومقارنتها بنسب التصدير.
وفي حال عدم الاتفاق على سياسات التسويق لمنتج ما فان الدولة المتضررة تفرض ضرائب على ذلك المنتج عند دخوله الدولة المستوردة له، والاصل في هذا السلوك لكثير من الدول ليس بالضرورة من اجل حماية المنتج المحلي بل بسبب عدم استيراد تلك الدولة لمنتج ما.
ولا شك بان ما حصل في المنطقة العربية من تدمير لبنية بعض الدول العربية له جانب اقتصادي مهم للدول الأوروبية. والدليل على ذلك بان عرضت روسيا في جنيف من الان (احتكار) إعادة اعمار سوريا.
ولي كذلك تجربة شخصية في ولاية واشنطن الامريكية حيث ذهب وفد من مزارعي القمح بالولاية، عندما استشعروا بان محصولهم من القمح سوف لا يتم تسويقه الى مصر كما جرت العادة، ذهبوا الى عضو الكونجرس الممثل لمنطقتهم وطلبوا منه ان تقوم الولايات المتحدة بالضغط على مصر سياسيا حتى لا تستورد القمح الروسي، وقد أدى ذلك الى تراجع مصر عن استيراد القمح الروسي في تلك الفترة.
ومن جهة أخرى، ماذا تفعل كثير من الدول المسالمة لتسويق منتجاتها؟
نلاحظ مثلا بان كينيا وجامايكا وكولومبيا تتمتع بالمناخ المناسب لزراعة البن مما يجعلهم اكثر قدرة عن غيرهم لتصدير محصول القهوة. كما ان الهند لديها ميزة نسبية مختلفة بان لديها عدد كبير من المجتمع يتحدثون اللغة الإنجليزية وهم على دراية بالقوانين الإنجليزية، مما يعطيهم ذلك ميزة نسبية في العمالة الماهرة وبأسعار معقولة. والصين لديها ميزة مماثلة في التصنيع، من حيث ان المجتمع الصيني يعمل باجور اقل ولديهم مستوى معيشي اقل.
اما نجاح استراليا في تسويق منتجاتها الزراعية لاكثر من 200 بلدا في العالم، وخاصة في تصدير مادتي الصوف والقمح، فيقول خبرائهم بان هناك نوعان من الاعتبارات الهامة لنجاح التسويق، وهما ضرورة تحديد البلدان التي تحتاج لمنتجك أولا، ثم تحديد خصائص أسواق هذه البلدان ثانيا. فعند دراسة الأسواق، عليك معرفة ما اذا كان البلد المحدد يريد استيراد المنتج فعلا، مع الاخذ بالاعتبار الأمور الهامة الأخرى كرسوم الاستيراد والضرائب وتكلفة الشحن وأي لوائح تشريعية أو عوائق يجب مراعاتها. وكل هذه عوامل مهمة في تحديد اربحية المنتج.
وعموما يتطلب التسويق الخارجي اهتمام الحكومات باتباع استراتيجية واضحة من خلال تخطيط دقيق لمعرفة التحديات والفرص، مع توفر راس المال، والدراية في الأسواق الخارجية، وتوفير منتجات ذات جودة عالية مع كفاية القدرة على الإنتاج والتعبئة والتغليف.
يبقى السؤال .... هل يستطيع المنتج الأردني ان ينافس في أوروبا مثلا؟
فالأردن اقرب الى أوروبا من استراليا ومن جنوب افريقيا التي تنافس بنجاح في الأسواق الأوروبية. ومن بين الدول العربية التي تعطي مثالا جيدا هي المملكة المغربية التي تنافس المنتجات الأوروبية بكل جدارة وليس فقط في اسبانيا وفرنسا القريبتين منها، بل ما شاهدته قبل سنوات في قلب أوروبا، في النمسا وسويسرا، حيث شاهدت البندورة الكرزية والفراولة والاعشاب الطبية والعطرية المغربية تباع بأسعار وبنوعية منافسة في هذه الدول.
والمتابع يعرف ان نجاحات المغرب كانت من خلال جمعيات المزارعين التسويقية وليس من خلال تجارها. ولهذا السبب يقوم الاتحاد الأوروبي في بعض المواسم بفرض ضرائب على المنتجات الزراعية المغربية من اجل حماية المنتجات الأوروبية المحلية، مما يخلق خلاف اقتصادي بين المغرب والدول الأوروبية.
وللحديث بقية...
* الكاتب مستشار في الزراعة والبيئة