jo24_banner
jo24_banner

المال السياسي القبيح

لميس أندوني
جو 24 :

أبشع ما في المال السياسي في الانتخابات البرلمانية لا يكمن في كونه يمنح الثري والمتنفذ الفرصة الكبرى في السيطرة على مقاعد البرلمان، بل لأنه يصادر حق الأغلبية، من الشرائح المتدنية والفقيرة في التمثيل والمشاركة في صنع القرارات، أو على الأقل التأثير فيها.
لا يعني ذلك أن نتيجة الانتخابات ستكون وصول الأثرياء إلى مجلس النواب، لكن يعني أن الحظ الأكبر سيكون للمدعوم من جهات غنية أو ذات نفوذ، حتى لو كانت حالة المرشح المادية متوسطة أو متدنية، فمن يدفع بالنهاية يحكم معظم مواقف النائب تحت القبة.
هذه الإشكالية موجودة في معظم البلدان بأشكال مختلفة و بدرجات متفاوتة، فالتبرعات في موسم الحملات الانتخابية الأمريكية تعني شراء النفوذ في فرعي مجلس الشيوخ والكونغرس والتأثير في طبيعة التصويت على قرارات تتعلق بالسياسات الخارجية والداخلية، بالرغم من وجود قوانين تحدد سقفاً للدعم المالي للمرشحين.
مسألة المال السياسي في الأردن تأخذ أبعاداً جديدة في حملة الانتخابات الحالية، لأنها تترافق، ورغم كل ما يقال، مع إحساس عام بتراجع خطاب التغيير، أو الإصلاح، وبالتالي البرامج السياسية والمطالب الشعبية، فلا يبقى سوى عملية تقاسم نفوذ المتنفذين، بما في ذلك المنافسة بينهم، بعد أن تم تفريغ عملية الاقتراع من المحتوى السياسي والاجتماعي للتمثيل والمشاركة الشعبية.
أما الأزمة الاقتصادية، كما ذكرت في مقال سابق، فإنها تمنح المال السياسي فرصة لا تُفَوّت، باستغلال العوز والفقر لكسب الأصوات، لأنها تسد الأفق أمام المطحونين، خاصة أنه تم إشعار المواطن أن لا حراك شعبيا ولا مظاهرات ولا اعتصامات، ممكن أن تؤثر جوهريا في سياسات الإفقار والتفقير.
أي أن الخيار الوحيد الذي وضع أمامه هو التصويت وفقاً لقواعد اللعبة المفروضة المتجددة، فيما يواجه عدد من النشطاء تهم التحريض على تقويض النظام أمام محكمة أمن الدولة الاستثنائية.
من حيث المبدأ فإن الانتخابات، والمشاركة فيها، هي وسيلة إعادة توزيع النفوذ السياسي، وكسر احتكار الفئات الأقوى اجتماعياً وماديا، في احتكار السلطات في الدولة، أي إعطاء الفئات الأضعف صوتاً ونفوذاً لحماية مصالحهم ومستقبلهم- خاصة إذا كان المطلوب اقتران العملية الديمقراطية بهدف إحقاق ولو الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.
لا يمكن اختزال العملية الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية أو غيرها، لا في الأردن ولا في أي بلد في العالم، بل بالعكس، فعندما يتم تفريغ عملية الانتخابات من محتواها في المشاركة والتمثيل، تغدو عملية قاسية في الخداع والتهميش وحتى الإقصاء.
وهنا يأتي دور المال السياسي، والنفوذ، ليلعبا الدور الغالب، والأقوى، في سحب الحق الديمقراطي في الخيار والاختيار، لأنه يتم وضع الضعيف (في وضعه الاجتماعي والمادي والسياسي) تحت رحمة وساطة المتنفذ – لأن مجلس النواب يصبح ساحة لعب المال ونفوذ الأقوى.
هذا من حيث النتيجة، لكن هناك جانب قبيح وغير إنساني لطبيعة المال السياسي في الحملات الانتخابية نفسها: ففي خضم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على معيشة الناس، فبينما فئات واسعة تعاني" ترش" الأموال الطائلة على الإعلانات والولائم والصور، وشعارات لا معنى لها، فتفرك جرح المكافح بالملح والخل.
وتسود ممارسة احتقار المستضعف بيننا، لأن المتنفذ يظن أن نفس الفقير مهانة ومستهانة، لأنه لا يعرف وإن عرف لا يهتم، بتوق أفواه صغيرة جائعة إلى كسرة خبز أو لحظات دفء، ولأنه لا يرى نظرة الاحتقار له في عيني المحروم بيننا.
لا داعي للتذكير، أنا شخصياً أريد أن أنسى، أن المال السياسي يمكن أن يكون المنتصر الوحيد، لكنني أريد أن آمل وأتأمل، أنها لحظات تراجع مؤقتة، لأن المال السياسي لا يحل أزمة بلد ولا يخلق وظائف أو يحد من بطالة.

(العرب اليوم )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير