الفساد ..ملف كبير وقضايا مجزأة
عدد الملفات التي أرسلت الى مكافحة الفساد والى المحاكم خلال عامين هي اكثر من ان تعتبر حالة طبيعية ، عددها الكبير يؤشر على ان القضية اكبر من ان تختصر في ملفات صغيرة تنتهي الى منح الفساد والمفسدين شهادة براءة ذمة .
عدد الملفات المعترف بها رسميا اكبرمن التوقعات وحتى من الشائعات التي كان الرأي العام يتداولها .
اذا كان من حقائق مستخلصة من هذه الظاهرة الخطيرة فهي :
١- ارتباطها بسياسة الخصخصة في الشركات الكبرى مثل الفوسفات .
٢- انها وثيقة الصلة بالسياسات التي تم تبنيها في تلك السنوات من قبل نخب الليبرالية الجديدة ، التي أفرطت في تشكيل اللجان الموازية للحد من سلطة الحكومة ، وأقامت مؤسسات اغتصبت مهمة الوزارات المسؤولة وفق الدستور لتغطي تجاوزاتها القانونية والادارية ، بل عمدت بسبب نفوذها الى اصدار القوانين والانظمة التي تسهل عليها اقامة مشروعات بدون دراسة الجدوى او تقييم قدرة المستثمر على الإنجاز ، بحجة التخلص من البيروقراطية الادارية في الحكومة بعد اتهامها بانها تعطل الاستثمار . والنتيجة مشاريع كبيرة متعثرة في عمان والعقبة والمفرق والأغوار واللائحة طويلة .
في رأيي ، وبمناسبة وجود لجنة لمراجعة ( انجازات وسلبيات ) الخصخصة والحكم عليها ، ان لا يتم التعامل مع كل ملف بشكل منعزل عن الملفات الاخرى وانما التعامل معها كسلة واحدة ، هذا من جهة , من جهة اخرى وجوب التدقيق في المناخات الادارية التي اتخذت فيها قرارات أدت الى نتيجتين :
الاولى - وجود هذا الكم الكبير من ملفات الخصخصة في هيئة مكافحة الفساد وأمام القضاء ( بمعزل عن النهاية التي وصلت اليها بعض هذه القضايا من عدم المسؤولية ) .
فالقضاء يصدر أحكامه وفق ما بين يديه من أدلة وفي اعتقادي ان كثيرا من الأدلة تختبئ في اسرار ملف سياسات النخب الليبرالية وقراراتها.
النتيجة الثانية - ان الاقتصاد الوطني والموازنة العامة للدولة تحملت خسائر يقدرها البعض بالمليارات كما تحملت في بعضها ديونا والتزامات لجهات مالية بعشرات او مئات الملايين ، واموالا شبه معدومة بسبب الخسائر نتيجة أخطاء وفساد ما هو فاسد من هذه السياسات والقرارات .
وما حملته المشاريع المعطلة والفاشلة للبلد وخزينته من سمعة اساءت الى مستقبل الاستثمار واهدرت مقدرات وطنية . وأبخست قيمة اصول مثل قيمة ارض مشروع العبدلي .
المعركة مع الفساد يجب الا تدور وفق قوانين اللعبة التي وضعها الفاسدون ، والا تنصاع للادعاء بان النخب الليبرالية المعنية عملت بما اجتهدت به ، يفترض البحث في تأثير هذه النخب على القرارات التي قادت الاقتصاد الوطني الى وضع يواجه فيه الحائط بعد ان امتلأ الاثير بوعود المن والسلوى ، وذلك حتى تتحدد المسؤوليات .
لا يمكن فصل ملفات الفساد وقضاياه عن الثروة الشخصية لأي متهم ،عن أمواله وممتلكاته وحساباته وأرصدته في الخارج او ممتلكاته في اوروبا وغيرها ، من بديهيات العمل لمراجعة وتقييم سياسات الخصخصة وتفسير اسباب تزاحم ملفات الفساد المرتبطة بها امام الهيئة والقضاء البحث عن الثراء غير المشروع لاصحاب هذه السياسات .
هذا الثراء هو اكبر الادلة الغائبة عن الملفات والقضايا ولن يتوفر الا اذا كان هناك مجلس نواب قادرا على اقرار (قانون من اين لك هذا ؟) وحكومة مقبلة يعنيها ان تفعـّله وبأثر رجعي يغطي المرحلة الزمنية المعنية .
(الراي )