2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

انتفاضة العراق والطائفية

لميس أندوني
جو 24 :

ليس غريباً أن تبدأ انتفاضة عراقية ضد حكومة نوري المالكي، لكن أن تتلون ردود الفعل عليها بطغيان الخطاب الطائفي والشوفيني، فهذا مقلق جداً ويخلط قضايا العدالة والحريات و العصبوية الطائفية.
لا شك أن الخطاب الطائفي تغلغل في معظم الصراعات الاجتماعية الداخلية، خاصة في لبنان وسورية والبحرين والعراق؛ فالمظاهرات في العراق، لا تخلو من تشويه طائفي، ويأمل بعضهم في داخل بلاد الرافدين و خارجها أن تتحول إلى ثورة سُنَّة ضد النفوذ الشيعي في المنطقة.
حكومة المالكي، وقبلها حكومة ابراهيم الجعفري، تتحملان مسؤولية كبرى في ترسيخ السياسات الطائفية، التي شجعها الاحتلال الأمريكي في العراق، سواء بتصويره الوضع الداخلي العراقي بأنه قضية قمع طائفي للأغلبية الشيعية، وبالتدخل الأمريكي في صياغة الدستور العراقي و في تمويل قوات مجالس صحوة الأنبار بحجة مواجهة القاعدة -ولكن الهدف كان ضرب المقاومة العراقية الاسلامية والعلمانية.
إيران ليست بريئة، سواء بدعمها الأحزاب الشيعية الطائفية، أو الحكومات العراقية، أو أجنحة فيها، لكن تحويل ما يُجرى في العراق وكأنه حرب سنية ضد النفوذ الشيعي، يعني الدخول في الأجندة الأمريكية الإسرائيلية، للتغطية على الامتداد الاستيطاني الاستعماري الصهيوني، و انهيار العالم العربي إلى كينونات طائفية.
لا يوجد أطراف كثيرة غير متهمة بتغذية الطائفية في العراق، خاصة الدول الخليجية، التي طالما استفادت من إضعاف العراق، حتى بعد أن دفعته إلى مواجهة إيران بعد الثورة، ثم تخلت عنه بعد سنوات قليلة على بدء الحرب، بوهم التخلص من قوة إيران والعراق معاً.
يعني كما في سورية، تتدخل دول و جهات، جعلت وتجعل العراق ساحة تصفية حسابات ومدخلاً لتمرير أجندات اقليمية ودولية.
هذه القوى والدول لا تسمح لأية دولة عربية، خاصة محورية، وترسخ فيها في الماضي، أي مشروع نهضوي، على كل علاته ونقائصه ، بأن أن يكون له بداية جديدة تجمع بين شعارات التحرر الوطني والحريات والعدالة الاجتماعية.
ليس المقصود تبرئة أي نظام عربي، خاصة من الذين رفعوا شعارات القومية ومواجهة الاستعمار، من خطاياها؛ فلا نجاح لمشروع نهضوي بينما يسود القمع والاستبداد، لأن الظلم يضعف اللحمة الوطنية و هو الثغرة التي تبيح أو تسهل التدخلات الخارجية، عربية كانت أم أجنبية.
في آخر سنوات الحرب الإيرانية - العراقية ، سافرت بحكم عملي كمراسلة، بين مدن الجنوب العراقي، و أثناء حصار البصرة الشهير، فلم المس توجهات طائفية شيعية – سنية تحدد المواقف سواء المؤيدة للحرب أو الرافضة لها، وإن كانت الحرب نفسها ساهمت بتأجيج الطائفية.
لكنني بدأت المس ذلك مباشرة بعد الحرب على العراق في عام 1991، وشعرت ورأيت كيف بدأت تتغير العقول والممارسات، التي كانت في جزء منها، دعما إيرانياً لانتفاضة الجنوب، بما في ذلك دخول مجموعات مسلحة من إيران، و جزء آخر قمع النظام لتلك الانتفاضة، وشاهدت آثار قصف الجيش الرسمي، في النجف و كربلاء، كما شاهدت بشاعة الجرائم الطائفية، ولأول مرة التي ارتكبها مسلحون ضد من اعتبروهم أعضاء في "حزب البعث العلماني".
لكن الغزو الأمريكي للعراق، كان مؤشرا لانطلاق العنف الطائفي من الحكومات والمليشيات المسلحة، بالأخص بعد دخول القاعدة إلى أنحاء العراق، والتي استهدفت الشيعة والسنة الذين لم يتفقوا معها، خاصة في داخل صفوف المقاومة العراقية، ولم ترتدع عن تصفية قيادات سنية ، ذات توجهات دينية.
المهم ما يحدث الآن في العراق؛ فقد وصلت الأمور إلى حد لم يعد السكوت ممكناً ، وشرعي و مشروع أن تقوم فئات واسعة برفض الوضع القائم ، من ممارسات إقصائية وقمع وفساد، لكن الخوف والمخاوف، من دخول أجندات طائفية وإقليمية أيضاً، هي مخاوف واقعية ومشروعة، فالسياسات الطائفية يجب أن لا تواجه بأجندات طائفية، و أن يتم تشويه، ما يمكن أن تكون انتفاضة من أجل الحرية و العدالة إلى حملة طائفية ضد الشيعة- وإلا علينا السلام.
(العرب اليوم )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير