2024-07-02 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

قراءة سياسية لوثيقة حركة حماس

حمادة فراعنة
جو 24 : حلقة 1

أزالت وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أقرتها حركة حماس عبر مؤسساتها الشورية والتنفيذية ، وإعتماداً على حوار داخلي ، استمر لمدة سنتين ، وكذلك مع أطراف عربية ودولية ، ومرجعيات إسلامية ، أعلنها رئيسها خالد مشعل في الدوحة يوم الأول من أيار 2017 ، أزالت هذه الوثيقة شكل الخلافات السياسية ، بينها وبين حركة فتح من جهة ، وبينها وبين باقي الفصائل من جهة ثانية ، ووفرت لنفسها ولقيادتها الجديدة حرية عمل أرحب ، وهامش أوسع من المناورة السياسية على خلفية المستجدات اللفظية التي أحدثتها والتحولات الموضوعية التي لا فكاك منها .

فالمنطلقات العامة والخطوط التي رسمتها لنفسها ، وفق وثيقة المبادئ والسياسات حمالة أوجه ، تحتمل التفسيرات المتعددة ، ويمكن توظيفها بكل الإتجاهات ، ومع كافة الأطراف ، وبذلك يمكن وصفها على أنها حالة تكيف سياسي مع المعطيات القائمة التي تسود المشهد الفلسطيني وتأثره المباشر بالعوامل المحيطة به إسرائيلياً وعربياً ودولياً .

وبالتالي إن أبرز ما يمكن ملاحظته في الوثيقة وتسجيله هو أنها أزالت الخلافات بين الأطراف السياسية الفلسطينية ، ولم يعد مبرراً وجود خلافات سياسية وتباينات إجتهادية تحول دون التوصل إلى تفاهمات وإتفاقات تنظيمية جبهوية ، تُنهي حالة الإنقسام والتفرد والشرذمة بين فتح وحماس ، وبين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة .

ومع ذلك لماذا الأن وبعد ثلاثين عاماً من ولادة حركة حماس في أعقاب إنفجار الإنتفاضة الأولى عام 1987 ، حيث كانت تسعى حماس لإبراز نفسها على أنها مميزة عن باقي الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ، وأن ولادتها السياسية والفكرية والحزبية والعقائدية من رحم حركة الإخوان المسلمين جاء ليشكل بديلاً لسياسات منظمة التحرير الفلسطينية وخياراتها وتحالفاتها .

فقد ناصبت حركة الإخوان المسلمين المرجعية الفكرية والسياسية والحزبية لحركة حماس العداء السياسي المعلن لمنظمة التحرير ولم تعترف بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني لأنهم إعتبروا منظمة التحرير صنيعة عبد الناصر وهو الذي دعا إلى تشكيلها وهي أحد أدواته السياسية ، إضافة إلى إنضمام عدد من شباب الإخوان المسلمين للعمل الفلسطيني بعد خروجهم عن مرجعيتهم التنظيمية : ياسر عرفات ، صلاح خلف ، خليل الوزير ، سليم الزعنون ، وإنخراطهم في منظمة التحرير ، وزادهم رفضاً لها إنخراط الأحزاب القومية واليسارية : حركة القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين لمنظمة التحرير نظراً لكون هذه الأحزاب بمثابة خصوم سياسيين وحزبيين وعقائديين لحركة الإخوان المسلمين .

وحصيلة هذا الموقف الإخواني عكس نفسه على موقف حركة حماس من منظمة التحرير ، رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الراحل ياسر عرفات للتعامل مع الشيخ أحمد ياسين ومع حركة حماس ومد اليد لهم وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 ، وعزم أبو عمار لتوسيع دائرة الفعل الفلسطيني الجهادي والمقاوم لتغيير المعادلة السياسية وفرض وقائع جديدة تدفع بالأميركيين والإسرائيليين ، للتعاطي الإيجابي أكثر مع قضيتي القدس واللاجئين اللتين سببتا فشل مفاوضات كامب ديفيد .

مشاركة حركة حماس بإنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 ، بعد أن رفضت المشاركة بها عام 1996 ، على أثر رفضها لإتفاق أوسلو الذي أنجب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية ، غيّر من المعادلة الفلسطينية بعد أن فازت حركة حماس بالأغلبية البرلمانية وباتت تقود المجلس التشريعي برئاسة عبد العزيز الدويك ، والحكومة برئاسة إسماعيل هنية .

حركة حماس عبر وثيقتها الجديدة كما يرى العديد من المراقبين تتوسل تحقيق مجموعة من الأهداف يقف في طليعتها الإقرار بدورها السياسي ومكانتها القانونية عبر محاولة إزالة التحفظات العربية والدولية ضدها ، عبر قبول نتائج الإنتخابات 2006 ، والإنقلاب 2007 ، والتعامل معها بإعتبارها سلطة أمر واقع في قطاع غزة ، تسعى نحو إستكمال شرعية وجودها المفقود ، كما تسعى نحو التكيف مع سياسات منظمة التحرير ، لتكون جزءاً منها مدفوعة بمجموعة من العوامل هي :

1 - ضغوط قطرية تركية من طرف وضغوط مصرية من طرف أخر ، فالتبني القطري التركي لحركة حماس تدفع بإتجاه جعل حماس مقبولة دولياً ، وإزالة العوائق البرنامجية والعقائدية والأرتباطات التنظيمية التي تجعل من حماس أسيرة لمفاهيم وسياسات لا تتفق والعلاقات القطرية التركية مع الأوروبيين والأميركيين ، الأمر الذي يتطلب دفع حماس كي تتكيف مع المستجدات القائمة ، والعمل على تسويقها عبر إمتلاكها الحد الأدنى من التكيف مع المعايير الدولية .

ولم تكن الضغوط المصرية أقل تأثيراً ، بإتجاه دفع حماس نحو فك إرتباطها التنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين المعارضة لنظام الرئيس السيسي .

2- فشل حركة الإخوان المسلمين في أكثر من موقع ومكان ، في مصر كما في ليبيا وسورية كما في اليمن ، إضافة إلى أن إرتباط حماس مع الإخوان المسلمين أفقدها مواقع سياسية جغرافية مساندة وخاصة في مصر وسورية بسبب عدم تمكن حماس من ممارسة سياسة مستقلة عن الإخوان المسلمين ، وموقعها المعارض لسياستي القاهرة ودمشق واصطدامها مع العاصمتين بسبب إرتباطها وإنحيازها لحركة الإخوان المسلمين ونتائجها الفاشلة .

3- فشل حماس في أن تكون البديل عن منظمة التحرير رغم تفوقها في الإنتخابات التشريعية عام 2006 ، وإنقلابها الذي إنفردت على أثره بإدارة قطاع غزة عام 2007 ، ومعها أكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي ، ولكن ذلك لم يمنحها القدرة لأن تكون البديل عن منظمة التحرير ، ولذلك حنت رأسها الأن كي تتماهى مع سياسات منظمة التحرير ، لعلها عبر هذا التماهي تستطيع المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير وتحقيق حلمها في أن تكون قائدة الشعب الفلسطيني بديلاً للأئتلاف السياسي الذي يقود منظمة التحرير بقيادة فتح .

ورغم هذا التكيف الذي تسعى له حركة حماس ثمة تحديات ومعيقات تواجهها يقف في طليعتها :

1 – رفضها لإتفاق أوسلو ، رغم أنها شاركت في إنتخابات السلطة التي ولدت من رحم إتفاق أوسلو ، حيث يبرز التناقض في موقفها ، وهي في مأزق تحتاج للخروج منه حول كيفية التعامل مع نتائج أوسلو طالما ترفضه أصلاً .

2- شاركت في إدارة السلطة وحينما تمكنت قامت بإنقلاب عليها ولازالت متمسكة بنتائج هذا الإنقلاب وسلطته وتفردها في إدارة السلطة في قطاع غزة ، مما يتطلب إنهاء الإنقلاب وتداعياته والإحتكام مرة أخرى لصناديق الإقتراع .

3- تتحدث عن المقاومة وهي تلتزم بإتفاق التهدئة مع العدو الإسرائيلي ، ذلك الإتفاق الموقع يوم 21/11/2012 ، عبر الوساطة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي ، وتم تجديده يوم 26/8/2014 ، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وقد أعلن إسماعيل هنية نائب رئيس حركة حماس في خطبة الجمعة يوم 4/5/2016 ، عن مطالبته للأشقاء المصريين بإلزام الطرف الأخر بإتفاق التهدئة طالما أن حركة حماس متمسكة بالإتفاق وتلتزم به .

في التدقيق لنصوص وثيقة المبادئ والسياسات العامة ، لحركة حماس ، يمكن ملاحظة ما يلي :

1 - " حركة حماس ، حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية ، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني ، ومرجعيتها الإسلام " .

ولا جديد في ذلك !.

2 - " الشعب الفلسطيني شعب واحد ، بكل أبنائه في الداخل والخارج ، وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية " .

ولا جديد أيضاً بإستثناء طرح السؤال عن من هي مكونات الشعب الفلسطيني الدينية ؟؟ أليسوا مسلمين ومسيحيين ويهود ودروز ؟؟ وهذا ما يغيب عمداً عن تشخيص الواقع الإجتماعي الإنساني للفلسطينيين .

3- " تؤكد حماس أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم ، وتخوض صراعاً ضد الصهاينة المحتلين المعتدين " .

وتوضيح ذلك مفيداً ولكن ليس جديداً .

4 - " يُعد منعدماً كل من تصريح بلفور ، وصك الانتداب البريطاني على فلسطين ، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وكل ما ترتب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات ، باطل من أساسه " .

يستوجب التفريق هنا بين تصريح بلفور الإستعماري ومعه صك الانتداب ، وبين قرارات الأمم المتحدة ، فالقرارات هذه مهما كانت مجحفة بحق الشعب الفلسطيني ولكنها سلاح سياسي في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، الذي يرفض كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار التقسيم 181 ، وقرار حق عودة اللاجئين وإستعادة ممتلكاتهم 194 ، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، وحل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، وأخيراً قرار رفض الإستيطان 2334 ، ولذلك الخلط من ناحية سياسية وقانونية غير جائز ويوفر فرصة لقادة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي للتهرب من الإلتزامات المترتبة عليهم وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي يجب التمسك بها بإعتبارها مرجعية للإحتكام بها وإليها أمام المجتمع الدولي وتهرب تل أبيب من إستحقاقاتها .

5- " إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ، وعاصمتها القدس ، على خطوط الرابع من حزيران 1967 ، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها ، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة " .

بذلك تعمل حماس على توظيف هذه الصيغة لتشكل لها غطاء لقبول التسوية والإنخراط في دهاليزها والتكيف مع معطياتها نزولاً عند الصيغة التوافقية ، والإختباء خلفها .

6- " مقاومة الإحتلال بالوسائل والأساليب كافة حق مشروع ، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تُعد الخيار الإستراتيجي لحماية الثوابت وإسترداد حقوق الشعب الفلسطيني " .

كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح تؤكد هذا الكلام .

7- " إدارة المقاومة من حيث التصعيد أو التهدئة ، أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب ، يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع " .

غطاء للإلتزام بإتفاق التهدئة الساري المفعول بينها وبين العدو الإسرائيلي .

8- " تؤمن حماس وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار ، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني " .

يتنافى هذا العرض مع سلوك حركة حماس بإدراتها المنفردة لقطاع غزة ، منذ الإنقلاب في حزيران 2007 وحتى يومنا هذا .

9- " منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه " .

فشلت حركة حماس في أن تكون البديل عن منظمة التحرير منذ تشكيلها وولادتها ، وهي لم تقر بعد أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني .

10- " تؤكد حركة حماس على أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن تكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني " .

يبدو أن حماس تتجاهل أنها شريك في هذه السلطة ، فهي تقود المجلس التشريعي والحكومة ، ونفذت إنقلاباً وفر لها التفرد في إدارة قطاع غزة ولاتزال ، وهي لا تختلف عن حركة فتح في إدارتها الإنفرادية للهامش المتاح لها في الضفة الفلسطينية ، فالحال من بعضه بين الضفة والقطاع ، وبين فتح وحماس .

ومع ذلك وجدت وثيقة حماس الترحيب من قبل أغلبية الفصائل والشخصيات الفلسطينية لأنها تجد فيها تطوراً يتجاوب مع المعطيات القائمة ، ويوفر أرضية للتلاقي بإتجاه تحقيق ثلاثة شروط يتطلع إليها الشعب الفلسطيني وهي :

1 – برنامج سياسي مشترك تتم صياغته من مجموعة الفصائل والإتجاهات الفلسطينية كافة .

2- مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير وأداتها على الأرض داخل فلسطين المحتلة السلطة الوطنية .

3- الإتفاق على الأدوات الكفاحية المناسبة لمواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والأدوات هي : إنتفاضة شعبية ذات طابع مدني ، الكفاح المسلح ، المفاوضات ، النشاطات الدبلوماسية والسياسية على المستوى الدولي .

حلقة 2

مازالت وثيقة حماس تحظى بالاهتمام من قبل خصومها سعيا للتقليل من قيمتها او اتهامهم لها في الانقلاب على قناعاتها المبدئية او الاستخفاف مما فعلته، ومن قوى صديقة دافعت عنها باعتبارها مازالت متمسكة بالثوابت العقائدية والمرجعيات السياسية، وتتطلع للتكيف مع السياسات الدولية والاقليمية دون ان تدفع ثمن ما يمكن ان تحصل عليه، وبصرف النظر عن مواقف خصومها او اصدقائها، فقد اعتمدت حركة حماس سياسة استذاكية تمر على هبلان الشوارع غير المسيسة، ذلك ان الصيغ التي اوردتها واستعملتها وهي تحمل تفسيرات متعددة، لا تمشي على احد وفي طليعتهم نتنياهو رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، فهم مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات حينما اقدم على تعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني في جلسة للمجلس الوطني، كان يتطلب وفق النظام الداخلي، جلسة اخرى لاقرار البنود المعدلة، الامر الذي لم يحصل للآن، حيث طالب الاميركيون والاوروبيون من ابو عمار بناء على طلب الاسرائيليين اقرار التعديلات، ولكنه تهرب من هذا الاستحقاق الذي بقي معلقاً ليومنا هذا، ورحل دون تقديم هذا التنازل مجاناً .

تحديات تواجه حماس

حركة حماس تواجه تحديات جوهرية لا تنطلي على حركة فتح وعلى فصائل المقاومة، وعموم الشعب الفلسطيني المسيس كي تتهرب منها، يقف في طليعتها ما يلي :

اولاً : اعتماداً على البند رقم (28 ) من وثيقة المبادئ والسياسات العامة والذي ينص على " تؤمن حماس وتتمسك بادارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من اجل تحقيق الاهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني " مطلوب من حركة حماس الاجابة عن سؤال جوهري لا تملك شجاعة الرد عليه للآن وهو : هل قطاع غزة مازال رازحاً تحت الاحتلال وذيوله وتبعاته ؟ ام حصل على حريته بعد ان رحل الاسرائيليون بقرار من شارون عام 2005 تحت وابل من ضربات المقاومة الموجعة ؟؟ والسؤال حول ان غزة محتلة ام محررة يتبعه القرار والإجراء والتوجه والسياسات، فاذا كانت غزة محتلة فاين هي المقاومة الحمساوية لاستكمال تحريرها، بعد ان ازال شارون المستوطنات وفكفك قواعد جيش الاحتلال، ويبدو ان الاحتلال لن يعود الى غزة، وحروب العدو الاسرائيلي الثلاث على غزة 2008، 2012، 2014، تدلل على ان عودة الاسرائيليين الى القطاع غير واردة في حساباتهم، واسقاط حكم حماس ليس في توجهاتهم وقراراتهم سواء بسبب الكلفة المطلوب دفعها، او لرغبتهم في بقاء الانقسام والشرذمة وتمزق الشعب الفلسطيني وحركته السياسية، متواصلاً، فالانقسام هدية مجانية تقدمها حماس للعدو الاسرائيلي، ثمناً لبقاء تفردها في ادارة قطاع غزة منذ قرار حسمها العسكري في حزيران 2007 حتى يومنا هذا.

واذا حصل قطاع غزة على حريته بعد دحر الاحتلال فهذا يستوجب تقديم حركة حماس نموذجها الاسلامي في كيفية ادارة القطاع، وان توافر الامن، والخدمات الضرورية الواجبة باعتبارها السلطة المسؤولة عن ادارة القطاع بدءاً من التعليم، والرعاية الصحية، والضمانات الاجتماعية، وفرص العمل، رغم الحصارات المتعددة المفروضة على القطاع بسببها، وها هي تدفع الثمن بعد عشر سنوات في تعديل برنامجها السياسي بما يتفق مع علاقاتها المصرية والتركية والقطرية، وتتخلى عن مرجعيتها الفكرية والحزبية والسياسية : حركة الاخوان المسلمين حتى يسهل قبولها وتسويقها كحركة سياسية فلسطينية، ولكن ذلك التعديل لم يقدم، ولن يقدم خطوة نوعية في انعكاساتها الايجابية على حياة الفلسطينيين ابناء القطاع حيث نسبة البطالة تتجاوز الخمسين في المائة، وحياة الفقر تتسع لتشمل قطاعات نوعية واسعة، وتم تدمير بيوتها بسبب حروب العدو الاسرائيلي الهمجية الثلاثة، وانقطاع وسائل العيش الكريم، ومعاقبة رئيس حركة فتح واجراءاته لقطاع الموظفين المعتصمين عن العمل منذ الانقلاب قبل عشر سنوات حتى يومنا هذا، فالتغيير في حياة اهل القطاع يتطلب التغيير في شكل الحكم والسلطة المتنفذة في القطاع، بدلاً من ان تكون احادية منفردة يجب ان تتحول الى جماعية الشراكة مع الاخرين، وهذا يتطلب اول ما يتطلب الاقرار بالتعددية واحترام الاخر وقبول مبدا تداول السلطة وتجديد الشرعية عبر الاحتكام مرة اخرى الى صناديق الاقتراع، فقد فقدت حماس عنصري حضورها وقوتها وهما : 1- العمل الكفاحي المبادر واستحقاقاته النضالية، حيث تردع الان كل محاولات العمل الكفاحي المسلح ضد قوات الاحتلال في قطاع غزة، و2- الشرعية التي نالتها عبر صناديق الاقتراع، فالانتخابات للمجلس التشريعي الذي نالت منها الاغلبية مضى عليها عشر سنوات، والمجلس المركزي الفلسطيني في دورته عام 2010 جدد ولاية الرئيس والمجلس التشريعي سوية، الامر الذي يتطلب تجديد هذه الشرعية للطرفين، ولكن اذا تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بسبب الانقسام وعدم الاتفاق السياسي، فالاستحقاقات المطلوبة من حركة حماس اطلاق الحريات، واحترام التعددية، واجراء الانتخابات البلدية والنقابية ومجالس طلبة الجامعات اسوة بما جرى في الضفة الفلسطينية حيث سمحت حركة فتح وسلطاتها واجهزتها ورئيسها باجراء الانتخابات ونالت حركة حماس فيها ومن خلالها مواقع متقدمة بما فيها الفوز على حركة فتح في جامعة بير زيت .

ثانياً : اعتماداً على البند رقم ( 29 )، ونصه " منظمة التحرير الفلسطينية اطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها واعادة بنائها على اسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية " يتطلب المبادرة من قبل حماس لتقديم رؤى واجراءات التوصل لتسهيل مشاركتها في مؤسسات منظمة التحرير على قاعدة العمل من اجل :

خطوات مطلوبة

1- صياغة برنامج سياسي مشترك بناء على وثيقة حماس المستجدة، ليزيل هذا البرنامج التفاوت والخلافات والرؤى المتعارضة، كي يكون برنامجاً مشتركاً لجميع مكونات وفعاليات الشعب العربي الفلسطيني داخل الوطن وخارجه .

2- الاقرار بمكانة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والعمل على توحيد مؤسساتها وتنشيطها والمشاركة في عضويتها بما ينسجم مع البرنامج السياسي المشترك المُصاغ من قبل الجميع، وبما يتفق مع الشراكة السياسية التي فرضها الشعب الفلسطيني عبر صناديق الاقتراع بين فتح وحماس، ولا شك ان تغيير سلوك حركة حماس في ادارة قطاع غزة بالانفتاح والتعددية والسماح باجراء الانتخابات للبلديات والنقابات ومجالس طلبة الجامعات، سيسهل الطريق ويخلع العقبات ويُرسي عوامل الثقة المتبادلة على قاعدة التنافس الديمقراطي والتعددية كما هو حاصل في الضفة الفلسطينية، من حيث مشاركة حماس في الانتخابات البلدية والنقابية ومجالس طلبة الجامعات .

3- الاتفاق على استعمال الادوات الكفاحية المناسبة التي لا تستنزف الشعب الفلسطيني، بل تجعل من الاحتلال مكلفاً اخلاقياً وسياسياً ومادياً امام المجتمع الدولي، فالصهيونية نجحت في مشروعها في استعمار فلسطين عبر وسيلتين الاولى مبادراتها التنظيمية والثانية مساندة المجتمع الدولي المتمكن لها، وعليه يجب ان تدرك قادة الحركة السياسية الفلسطينية اهمية المجتمع الدولي ومؤسساته واهمية كسب تعاطفه وانحيازاته لعدالة القضية والحقوق الفلسطينية الثابتة غير القابلة للتبديد او الانهاء او التلاشي .

ادوات كفاحية هزمت العدو

والادوات الكفاحية هي : الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية والمفاوضات والعمل الدبلوماسي وغيرهم من النشاطات او الفعاليات او الادوات، والتعامل معها باعتبارها ادوات وليست مبادئ، فالحديث عن تحرير فلسطين بالكفاح المسلح او عدمه لا يٌخل بالحقوق الفلسطينية، فقد حقق الشعب الفلسطيني انتصاراً كبيراً بامكانات انتفاضته المتواضعة عام 1987، على العدو الاسرائيلي المتفوق، واجبرت تلك الانتفاضة اسحق رابين على الاعتراف بالعناوين الثلاثة، الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، بينما الانتفاضة شبه المسلحة الثانية عام 2000، ارغمت شارون على ترك قطاع غزة ولكن كلفتها السياسية كانت عالية، ولذلك على قيادات الشعب الفلسطيني وكوادره في اطار برنامجها السياسي المشترك ومؤسساتها التمثيلية الموحدة منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي وسلطتها الوطنية على الارض في فلسطين، تحديد وسائل وادوات النضال والالتزام بها لا ان ينفرد كل فصيل لوحده وبمفرده في استعمال اداة نضالية او اكثر بمعزل عن الاتفاق مع شركاء النضال والعمل، كان تنفرد حركة فتح بالمفاوضات مثلاً، وتنفرد حركة الجهاد الاسلامي بالعمل المسلح، وتنفرد حماس في ادارة القطاع بل يجب الاتفاق على نوعية الادوات المستعملة في النضال والالتزام بها وعدم الخروج عما هو متفق عليه صوناً للبرنامج السياسي المشترك، وصوناً للدماء الفلسطينية، وصوناً لجهد الشعب الفلسطيني كي يجني ثمار تضحياته، فها هو العمل الفردي الذي انفجر مع بداية شهر تشرين اول 2015، من قبل شباب وشابات يتسمون بالشجاعة المتناهية والذي اُصطلح على تسمية كفاحهم بـ " انتفاضة السكاكين " والتي اتسمت بالشجاعة غير المسبوقة والاستعداد الفردي العالي للتضحية، ولكن نتائجها لم تكن بمستوى تضحياتها، والحصيلة تُظهر اخفاق ثورة السكاكين من تحقيق اي من اهدافها، وذلك لافتقادها للحاضنة الشعبية والحزبية والسياسية التي تساندها وتدعمها كي تُواصل عملها .

وفي مبادرة من حركة حماس، تمت دعوتي للقاء خاص مع الاخوة علي بركة ممثل الحركة في لبنان والدكتور سامي ابو زهري الناطق بلسان الحركة والذي خرج من غزة نحو بيروت عن طريق القاهرة، والصديق الدكتور مصطفى اللدواي، تم على هامش المؤتمر الثالث " للعدالة من اجل فلسطين " الذي عقد في بيروت بدعوة من رئيسه معين بشور .

اقر الاخوة ان ثمة متغيرات فرضت نفسها على حركة حماس، وثمة نصائح تلقتها من اصدقائها الحلفاء، وثمة نقاش داخلي جرى داخل مؤسسات الحركة منذ سنوات، كانت تظهر في تصريحات الراحل المؤسس احمد ياسين، وعدد من قادة الحركة، لم تكن تلك التصريحات تتفق ونصوص ميثاق الحركة السابق الذي طغى عليه الصيغة واللغة المفردة العقائدية الدينية اكثر من اللغة السياسية ومتطلباتها واستحقاقات حركة غدت في المكانة التي تستوجب التعامل مع اطراف عديدة متعارضة، يحملون رؤى ومصالح مختلفة، ترتبط معهم وفيهم حركة حماس ايضاً بقواسم مشتركة، تفترض التعديل وليس التغيير، فالصفة اللازمة للحياة هي التطور وفق المعطيات السائدة .

لا املك شجاعة الاقدام على قول كل ما قيل في تللك الجلسة الحوارية التي امتدت لاكثر من ساعتين، سوى ان الرغبة في الحوار، والاستماع، ونقل مشاعر القلق لدى حركة تجد نفسها في خضم تطورات تفرض عليها اولاً ان تحفظ وتحافظ على ما حصلت عليه او حققته او ما وصلت اليه، وان تسعى ثانياً لتطويره كي يتم التعامل معها ليس بصفتها شراً لا بد منه، بدلاً من وصفها حالة سياسية تُعبر موضوعياً عن رؤى ومصالح قطاع من الشعب الفلسطيني، وتشكل امتداداً لاكبر واهم حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي.


تابعو الأردن 24 على google news