jo24_banner
jo24_banner

قراءة سياسية للدور الأردني نحو فلسطين: تجليات الدعم تستهدف حماية الأردن وصمود فلسطين

حمادة فراعنة
جو 24 :
وفق تصنيفات الجغرافيا السياسية، يتكون الشعب العربي الفلسطيني، منذ ما بعد النكبة، من ثلاثة أجزاء سياسية متفرقة مكانياً، لكنها متحدة موضوعياً ومتماثلة ذاتياً، في مواجهة عدو متمكن متفوق، وهو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل الأرض ، ويصادر الحقوق المشروعة ، وينهب الثروات الوطنية ، وينتهك الكرامات ، وينفذ سياسات الأبرتهايد الصهيونية، مخلفاً المعاناة والفقر والحرمان، بسبب إجراءات التمييز والقوانين العنصرية في مناطق 48 ، وسياسة الإحتلال العسكري والإستيطان في مناطق 67 ، والتشرد واللجوء والأبعاد للاجئين والنازحين .
على ضوء هذه المعاناة المركبة تتحد نضالات الشعب الفلسطيني بأشكاله المتنوعة والمتداخلة في كافة أماكن تواجده ، وتتجسد في إطار مؤسسات منظمة التحرير بإعتبارها الجبهة الوطنية المشتركة ، لتصب في مجرى واحد ، من ثلاث قنوات لتحقيق أهداف النضال الفلسطيني الثلاثة الكبرى: المساواة والإستقلال والعودة .
وبذلك يمكن رصد خصائص مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة في ضوء الواقع الذي تفرضه عوامل موضوعية تشكلت خارج إرادته ورغباته ، وهي على التوالي ليس وفق الأهلية أو الأهمية :
أولاً : أبناء مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، ممن يحملون الجنسية والمواطنة الإسرائيلية ، ويقدر عددهم بمليون ونصف المليون عربي فلسطيني يمثلون خُمس المجتمع الإسرائيلي، وذلك من دون أهل القدس، وسكان الجولان السوري المحتل .
ثانياً : أبناء مناطق الإحتلال الثاني عام 1967 ، أبناء الضفة والقدس والقطاع، ممن يحملون الجنسية والهوية والرقم الوطني الفلسطيني ، ويقترب عددهم من خمسة ملايين نسمة ، مليونان في القطاع ، ونحو مليونين ونصف المليون في الضفة وربع المليون في القدس .
تلك هي بإختصار شديد توضيحات المشهد الجغرافي السياسي الديمغرافي ، الحقوقي والكفاحي ، للشعب الفلسطيني ، الموحد بمكوناته ومعاناته وتطلعاته، وتمثلهم منظمة التحرير الفلسطينية، المعبرة عنهم وعن شخصيتهم وحقوقهم الثابتة غير القابلة للتبديد أو التصريف أو التلاشي ، بفعل ثلاثة عوامل متكاملة هي :
1 – وجود الشعب الفلسطيني في حد ذاته، بهويته الناضجة وتماسكه وتراثه وثقافته ومعاناته وتطلعاته .
2 – منظمة التحرير الفلسطينية، كعنوان سياسي تمثيلي معترف به فلسطينياً وعربياً ودولياً .
3 – قرارات الشرعية الدولية، التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني المجسدة بقرارات الأمم المتحدة وهي : قرار التقسيم 181 ، قرار حق عودة اللاجئين 194 ، قرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، قرار حل الدولتين 1397 ، قرار خارطة الطريق 1515 ، وغيرها من القرارات التفصيلية التي تؤكد على هذه الحقوق، وجميعها منصفة لصالح الشعب الفلسطيني ، ولهذا ترفضها حكومات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلية بلا إستثناء ، مما يتطلب استمرار التمسك بها والمطالبة بإقرارها، رغم التحفظات التي يمكن أن تُسجل على هذا القرار أو ذاك ، كون هذه القرارات مجتمعة تشكل السلاح السياسي المجسد لحقوق الشعب الفلسطيني قانونياً ودولياً .
وعليه ، وبناء على يرويه لنا تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتبين بوضوح بالغ أن هذا الصراع يقوم على كلمتين لا ثالث لهما وهما : الأرض والبشر ، وقد إستطاع مشروع العدو وسياساته وإجراءاته تحقيق هدفه الأول وهو إحتلال كل الأرض بسبب إمتلاكه مقومات التفوق المتمثلة : 1- بقدراته الذاتية النوعية ، 2- دعم الطوائف اليهودية المتنفذة في الولايات المتحدة وأوروبا ، 3- إسناد الولايات المتحدة وتوفير مظلة حماية له ودعماً لمشاريعه التوسعية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسيا وإقتصادياً ، بعد أن كانت أوروبا هي المظلة التي صنعت المشروع الصهيوني ودعمته بقرارات بريطانيا ، وسلاح فرنسا ، وأموال تعويضات المانيا .
ولكن على الرغم من التفوق الإسرائيلي ، وتوظيف هذا التفوق النوعي ، لمشاريع الطرد والتهجير الفلسطيني عامي 48 و 67 ، وما بينهما وما بعدهما في جعل الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها ، فشل المشروع الإستعماري التوسعي في طرد وتهجير كل الفلسطينيين قسرياً عن وطنهم ، إذ بقي حصيلة الصمود والوعي أكثر من نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرضه التاريخية ، سواء في منطقتي الإحتلال الأولى عام 1948 ، أو الثانية عام 1967 ، بما يفوق عن ستة ملايين عربي فلسطيني في مواجهة حوالي ستة ملايين ونصف المليون يهودي إسرائيلي .
على ضوء هذه المعطيات ، وإعتماداً على مبدأ الأولوية في خدمة المصالح العليا للشعب الأردني ، كانت القضية الفلسطينية على الدوام مصلحة وطنية متقدمة على جدول اهتمامات الدولة الاردنية ، من خلال العمل على تقليل الخسائر التي يتسسب بها الإحتلال ، وتطويق سياساته التوسعية المؤذية ، وهو ما جعل خيارات الدولة الأردنية تتجه نحو الإهتمام ببرنامج يتوسل تحقيق هدفين متلازمين هما :
أولاً : حماية الأمن الوطني الأردني والهوية الوطنية الأردنية ، بإعتبار الأردن وطن الأردنيين .
وثانياُ : دعم نضال الشعب الفلسطيني عبر مسيرته المتعرجة لإستعادة حقوقه على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه : فلسطين .
فقد نجح المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي منذ عام 1948 ، في رمي المشكلة الفلسطينية وتبعاتها إلى الحضن العربي ، حيث أصبحت قضية اللاجئين المهجرين من وطنهم قضية عربية أمنياً وسكانياً وإقتصادياً وهوية ، بدل أن تكون قضية تستوجب الحل بخيار وحيد وهو عودتهم إلى بيوتهم وإلى المدن والقرى التي طردوا منها وتهجروا عنها عام 1948 ، فتحولت قضية اللاجئين إلى قضية عربية في لبنان وسوريا والأردن وإمتدادتها في مصر والعراق ، ولذلك تعلم الأردن من تجربتي التهجير الفلسطيني، بعد أن تحمل العبء الأكبر بسببها ، فعمل على الإستجابة للنضال الفلسطيني من خلال دعم صمود هذا الشعب على أرض وطنه ، ولذلك أصبحت كلمة الصمود عبارة عن برنامج عمل ، ومخططات للتنفيذ ، ومفتاح إستعادة حقوق الشعب الفلسطيني على أرضه سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، ومنها ومن خلالها إشتق الأردن سياساته لمنع تهجير الفلسطينيين أولاً، ووضع مشاريع عملية تستهدف صمودهم وتعزيز بقائهم على أرضهم بما يتوفر للأردن من إمكانات مادية وسياسية وفرص متاحة، وعليه يمكن تصنيف الدعم الأردني ورصده في ستة عناوين تستهدف تمكين الشعب الفلسطيني من الصمود والحفاظ على هويته وكيانه السياسي ومواصلة عمله لإستعادة حقوقه وهي كما يلي :
1 – دعم سياسات منظمة التحرير وتبني مشاريعها وتوجهاتها لتصليب حقوقها وقضيتها ، سواء في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة المتخصصة كاليونسكو ، ولجان حقوق الإنسان ، ومجلس الأمن ، والجمعية العامة ، ويمكن إختصار التعريف بهذه النشاطات كنماذج عالية المستوى وذات أثر بالغ بقرارات اليونسكو بشأن القدس، ومجلس الأمن بشأن المستعمرات وقرار قمة البحر الميت العربية .
2 – الحفاظ على مكونات القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وخاصة الحرم القدسي الشريف ومساجده الثلاثة الأقصى ، والمرواني ، وقبة الصخرة ومربعهم بمحتوياته من تبعات من مدارس ودور علم .
3 – اسناد أبناء مناطق 48 ، وما يوفر لهم الأردن من خدمات متعددة، مثل تأدية فريضة الحج ومناسك العمرة والتعليم الجامعي عبر منح وبعثات دراسية للأحزاب السياسية، لتنمية قدراتهم وتعزيز حضورهم ورفع مستويات خدماتهم للوسط العربي الفلسطيني .
4 – أبناء الضفة الفلسطينية وما تقدمه الدولة لهم من تسهيلات التنقل والعودة بما يحفظ نسبة الخروج والدخول كعنصر مراقبة دقيق تحول دون التسيب والتفريغ وعدم العودة .
5 – أبناء قطاع غزة وخدمات المعالجة الطبية عبر المستشفيات المتنقلة تسهل لهم تلقي الخدمات الصحية والتشخيصية والدوائية .
6 – رعاية أبناء المخيمات في الأردن من اللاجئين والنازحين ، وتوفير متطلبات الحد الأدنى لاحتياجاتهم، وعبر وكالة الغوث والدعم المباشر من الخزينة الأردنية أسوة بالمواطنين الأردنيين .
حصيلة السياسة الأردنية ونتيجتها أدت إلى نجاحات منظمة التحرير على المستوى الدولي في إبراز عناوين قضاياها وترسيخها وحماية حقوقها من الزوال أو التراجع أو التلاشي ، وتعزيز صمود فلسطينيي مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 وخاصة في القدس ، وتوفير الحماية الدولية لها ، ورصد المخصصات لزيادة عدد الحراس أكثر من الف من الرجال والنساء في محيط الحرم القدسي الشريف، في مواجهة الاقتحامات وتدفقات المستوطنين والمتطرفين اليهود ، إضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية لأبناء مناطق 48 ورفع سويتهم الأكاديمية عبر قبولهم بالجامعات الأردنية ، حيث بات المتخرجين من الجامعات الأردنية هم قادة الوسط العربي، لا سيما من الأطباء الشباب والصيادلة والمهندسين والمحامين ومعلمي المدارس بمختلف تخصصاتهم المهنية .


h.faraneh@yahoo.com

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
تابعو الأردن 24 على google news